أساطير الهنود الحمر.. شنجبيس وكابيبونكا
شنجبيس وكابيبونكا.. كان الصيادون الهنود في الصيف يبحرون بقواربهم نحو الشمال حيث البحيرات تعج بالأسماك؛ لكنهم كانوا دوما يعودون إلى ديارهم قبل حلول الشتاء هربا من كابيبونكا أو ريح الشمال.
فكابيبونوكا كان يحكم بلاد الجليد، لكن الهنود لم يكونوا يخشونه كثيرا حيث أنه كان يحكم المناطق الشمالية فقط، وكان «شاونداسي» أو «ريح الجنوب» أقوى منه، وكان يحكم بلادا أكثر اتساعا من مملكة «ريح الشمال».
شنجبيس وكابيبونكا
ليس هذا فقط بل إن «شاونداسي» كان يذهب في الربيع لمملكة «كابيبونكا» ليذيب الثلج بأنفاسه الحارة فتعود للبحيرات والأنهار الحياة؛ مما كان يسمح للهنود بالسفر لهناك والصيد، وكان أيضا في طريقه ينثر أزهارا ناصعة الألوان وكان يمن على الهنود في الصيف بالذرة، وفي الخريف بالفاكهة.
لكن كان «شاونداسي» يؤول للراحة في فترة الشتاء؛ فكان يعتزل في كهفه ليدخن غليونه ويستمتع بإجازته القصيرة.. في هذه الفترة كان «كابيبونكا» يبسط سلطته على الشمال؛ لذا كان على الصيادين العودة إلى الجنوب قبل حضور «كابيبونكا» الشرير.
وفي أحد الأيام في نهاية فصل الخريف كان الصيادون منهمكون في الصيد؛ لكن فجأة بدأت ريح عاتية تدوي حولهم، صاح الصيادون «كابيبونكا» قادم هيا أجمعوا أشيائكم علينا العودة إلى الجنوب.
لكن صيادًا يسمى «شنجبيس» ظل وحده ساكنًا، وقال: لم العجلة؟! لماذا لا نواجه هذا المغرور وننال منه فلا يؤذينا.
كان «شنجبيس» شجاعا، وكان يأخذ كل الأمور بمرح؛ فإن فاز بصيد كبير ابتهج جدًا وأقام احتفالات، وإذا تعسر حظه لم يحزن.
رد عليه الصيادون: إن «كابيبونكا» أقوى منا جميعا، ولن نستطيع هزيمته.
صاح شنجبيس بمرح: أنا لا أخشى هذا الشرير، اذهبوا أنتم إن أردتم.. سأظل أنا هنا.
كان الصيادون يحبون «شنجبيس»؛ لذا فقد ظلوا وقتًا طويل ينصحوه بالعودة معهم، وأخبروه أن «كابيبونكا» أقوى منه بمائة مرة، وإنه لن ينجوا من سطوته إلا إذا حول نفسه لدب أو سمكة!
لكنه لم يسمع لهم وقال: سأجمع الحطب وأوقد النار في كهفي، وسأرتدي جلود الحيوانات لأجل الدفء، وإن أراد «كابيبونكا» هذا أن يقضي على نفسه فليأتيني في الكهف.
غادر الصيادون المكان وكانت عيونهم تترقرق بالدمع بينما ينظرون إلى صديقهم الذي ظنوا أنهم لن يروه مرة أخرى.
جمع «شنجبيس» الكثير من الحطب ولحاء الشجر، وبدأ بتجفيفه ليكون صالحًا لإشعال النيران، وابتكر طريقة في الصيد؛ حيث كان يفتح فتحة في الجليد ويجد تحتها الماء سائلًا فيصطاد منه السمك الذي كان كثيرًا جدًا، لذا فقد كان «كابيبونكا» يعود بصيد وفير، وزاد وزنه، وتحسنت صحته.
وجاء «كابيبونكا» وبينما كان يتجول في الجليد فرحًا بقوته وبخوف الحيوانات منه، والتي بمجرد وصوله هربت جميعًا إلى جحورها أو هاجروا من الشمال تمامًا؛ فلاحظ آثار أقدام بشرية.
صرخ «كابيبونكا» بغضب، فتحركت ريح عاتية في كل أرجاء الشمال: من هذا البشري الذي يجرؤ على العيش في الشمال وأنا هنا.
تتبع «كابيبونكا» آثار الأقدام ووصل إلى كهف «شنجبيس» الذي كان مشعلًا النار يتدفأ ويشوي السمك الطازج الذي اصطاده، وكان مستمتعًا برائحته الشهية.
صرخ كابيبونكا: من أنت أيها البشري؟ سألقنك درسًا لن تنساه، وستظل عبرة لكل من تسول لهم أنفسهم تحدي «كابيبونكا».
رد شنجبيس بنبرة غير مكترثة: أنا لا أخافك أيها المغرور، ولن أسمح لك بدخول كهفي، حاول إن استطعت وسوف أردعك.
استشاط «كابيبونكا» غضبًا، وبدأ يرسل ريحًا شديدة البرودة داخل الكهف حتى تجمدت جدرانه، لكن النيران التي أشعلها «شنجبيس» كانت قوية ولم تنطفئ.
قال شنجبيس: اقترب أم أنت خائف؟
اقترب «كابيبونكا» وحاول دخول الكهف؛ لكن «شنجبيس» أخذ قطعة من النار وقذفه بها، وكان «كابيبونكا» يخاف النار؛ لذا فقد ابتعد عن الكهف وصاح: أيها المخادع أيها الجبان إن كنت بالفعل شجاعًا كما تدعي تعال قاتلني خارج كهفك بعيدًا عن تلك النار.
ورغم معرفة «شنجبيس» بقوة «كابيبونكا» إلا أنه قرر قتاله، فالنار التي ألقاها عليه أضعفته لذلك فهي فرصة جيدة لهزيمته، ووقتها لن يخشاه أحد ولن يحتاج الصيادون للعودة إلى الجنوب في كل عام.
خرج «شنجبيس» ودار قتالًا عنيفًا بينهما، ورغم برودة الجو إلا أن المجهود العضلي الذي قام به شنجبيس جعل جسمه دافئًا.. ظل القتال لفترة وشنجبيس صامد، أما «كابيبونكا» فبدأت تضعف قوته شيئًا فشيئًا، وعندما شعر أنه على وشك الهزيمة هرب تاركًا شنجبيس.. وبمجرد هروبه عاد الدفء للمكان.
هرب «كابيبونكا» لأقصى الشمال، وظل هناك فارضًا سيطرته على المنطقة هناك.
أما «شنجبيس» فقد لاقى أصدقائه في الربيع وأخبرهم بالقصة، وقال لهم: إن «كابيبونكا» هرب لأقصى الشمال وأن المكان هنا سيظل دافئًا طوال العام؛ لذا فليس عليهم العودة إلى الجنوب بعد ذلك إلا من أجل زيارة أصدقائهم، وقرر أصدقاء «شنجبيس» أن يعينوه قائدًا عليهم بفضل شجاعته؛ وأنه هو من هزم ريح الشمال الشرير.
ترجمة بتصرف عن:
Hulpach, V. (1965). American Indian tales and legends. Hamlyn.