أساطير الهنود الحمر.. صراع الأحباب يفرح الأعداء
صراع الأحباب يفرح الأعداء.. كان الخلد في بيته يعد الطعام وفجأة سمع صوت خلفه، وعندما التفت وجد ورقة عشب طويلة ألقتها بومة بيضاء من شباكه وذهبت دون أن تتحدث!
كانت تحتوي الورقة على عقد مختلفة، أدرك الخلد أنها رسالة.. حيث أن كل عقدة تمثل كلمة مختلفة في لغة الحيوان. فك الخلد رموز الرسالة بصعوبة وتبين له أنها دعوة لحضور اجتماع في الجزيرة اليابسة، وكان الموقع أربعة زعماء كبار: الدب والثعلب والغراب والأرنبة.
صراع الأحباب يفرح الأعداء
قال الخلد في نفسه: اجتماع، لماذا فجأة هكذا؟ لا بد أنه أمر جلل.. عليّ أن أسرع إلى الجزيرة اليابسة.
رتب الخلد خيمته بجانب شجرة قيقب عجوز ونظف فروته السوداء ثم انطلق إلى البحر سابحًا إلى الجزيرة اليابسة، وقد وصل إلى هناك منهكًا جدًا، حيث أنه كان قد أتعب نفسه قبل السفر.
كان الزعماء الأربعة في انتظاره، بادره الدب قائلا بنبرة باردة: لا بد أنك تدرك أن اجتماعنا هذا لأمر مهم. نظر له الخلد نظرة متعجبة.
وبينما كان الخلد على وشك الكلام قاطع الثعلب: لقد قررنا نحن الزعماء الأربعة أنه عليك إخلاء خيمتك لأنها ستهدم؛ فهي تقع في طريق سفرنا وتزعجنا.. عليك الانتقال إلى مكان آخر.
قال الخلد في سره: ماذا تقول أيها اللئيم!
لكن في العلن رد بصوت خافت: لماذا؟ أنا سعيد هناك، فخيمتي قرب شجرة القيبقب العجوز، إني ورثتها عن أبي، وأبي ورثها عن جدي وجدي ورثها عن أبيه، حتى أن كبير الأرواح كان قد منحها لعائلتي منذ سنين.. كيف تريدوني أن أتركها؟!
نعق الغراب: لا يهمنا إن كنت سعيدًا أو تعيسًا، إنك مخلوق أسود قبيح، كيف تنتظر منا أن نتحمل رؤية وجهك كل يوم؟
قال الخلد في سره: أنا القبيح يا غراب، إن الأمهات تتحاشى رؤيتك عند حملها حتى لا تشبه أولادها سحنتك الكالحة.. لكن قبل أن يجرؤ على الرد في العلن قالت الأرنبة: إنك مزعج، تظل تحفر في الأرض بلا توقف حتى بالليل، أنا لا أنام بسببك.
نظر الخلد لها وعيناه كانت تود أن تقول: أنت لا تنامين بالليل لأنك جبانة لطالما كنت جبانة، والجبان لا يمكنه النوم، ليس بسبب عملي يهرب النوم من عينيك أيتها المنحطة..
لكن في العلن رد: آسف على الإزعاج وأعدك أني لن أعمل في الليل بعد ذلك.
قال الدب: أنا أريد أن أشق دربًا لي وسوف يمر خلال خيمتك فعليك تركها، فلا تظن أني سأحيد عن طريقي.
وقف الخلد ينظر إليهم بعيون خائفة ثم بدأ في التوسل إليهم الأربعة لعل قلوبهم ترق: كان يصرخ ويلاه كيف سأترك بيت أجدادي؟ وإلى أين سأذهب؟ ويلاه.
قاطعه الثعلب: كف عن الشكوى إننا لن نتزحزح عن قرارنا، وسوف تُجلي خيمتك وإلا سنقتلك ونهدمها نحن.
قاطعهم صوت غريب: لم كل هذا الصخب، التفت الجميع متعجبين فوجدوها السلحفاة العملاقة.. أضافت: هيا اذهبوا من هنا.. هذه جزيرتي أنا، وليس لكم فيها شيء، هيا اذهبوا وإلا سأجعل الرمال تشتعل من تحت أقدامكم.
وبالفعل بدأت حرارة الرمال ترتفع فهرب الأربعة زعماء بعيدًا عن السلحفاة العملاقة، بينما حفر الخلد حفرة ونزل فيها بعيدًا عن الرمل الساخن.
بعد أن تراجعت حرارة الرمال وتبين للخلد أن الأربعة قد هربوا، أطل برأسه ليجد السلحفاة في مكانها فقال: شكرًا لكي يا أختي السلحفاة، لقد أنقذتيني منهم، كانوا يرغبون في طردي من منزلي.
ردت: هؤلاء أوغاد ويجب أن يوقفهم أحد عند حدهم.
قال الخلد: إني ضعيف، فهل لكي أن تسديني خدمة.
ردت: بالطبع يا صديقي لك ما تريد.
قال الخلد: ابقي معي، سيخافون منك ولن يعاودوا الكرة ثانية.
قالت: لا يمكن، فهذه المنطقة ليس بها أي حشائش خضراء، لكن لدي فكرة سنعقد صداقة بيننا، وعندما يعلم هؤلاء أننا تحالفنا لن يقربوك بسوء.
قال الخلد بوجه فرح: شكرًا لك يا صديقتي السلحفاة.
سرعان ما انتشر خبر صداقة السلحفاة بالخلد في الجزيرة؛ لذا لم يجرؤ أحد من الأربعة زعماء أن يضايق الخلد.. ويأس الكل من مقدرتهم على طرده من بيته، لكن الثعلب الماكر كانت لديه خطة.
وفي يوم استيقظ الخلد على صوت قرع طبول عالي، كان طبول حرب حتى أن الخلد ظن وكأن الدنيا كلها تتحارب.. كانت السلحفاة تنوي زيارة الخلد لكنها لما سمعت طبول الحرب عزفت عن هذا.. قال الخلد في نفسه لقد تأخرت السلحفاة يبدو أنها لن تأتي، سأخرج أنا من الخيمة وأذهب إلى أعلى التلة، فهناك سأكون أكثر أمنًا.. وبقي الخلد هناك يومًا كاملًا.
وبينما هو عائد قابل الثعلب، فقال له الثعلب: حمدًا لله على سلامتك لقد ظنناك هلكت في الحريق.
قال الخلد: أي حريق.
قال الثعلب: إن السلحفاة قد حرقت منزلك، كانت تقول أنها سمعت أنك تغتابها.
وبدون أن يتأكد الخلد من كلام الثعلب الماكر، غضب غضبًا شديدًا وقال: هل هذا حق الصداقة أيتها الخائنة؟!
عاد إلى منزله فوجده قد احترق عن آخره.. فذهب للسلحفاة وهو يشتعل غضب، وقف أمام بيتها ونادى: أيتها الخائنة لماذا حرقتِ منزلي أهذا جزاء الصداقة؟
لم ترد عليه، فعلم أنها خارج المنزل فقال: سأذيقك بمثل صنعيك.. ثم أحرق بيت السلحفاة.. عادت السلحفاة لتجد بيتها يحترق والخلد أمامه، فهتفهت أهذا جزاء المعروف أيها الجاحد؟
وانطلقت نحوه وظلا يتشاجرا سويا بدون أن يتبين أحدهما من الآخر حقيقة فعله، ظل يتشاجرا لوقت طويل حتى غضبت الرمال منهما وابتلعتهما فماتا سويًا.
فرح الثعلب وبقية الزعماء الأربعة، لأنهم هم من أحرقوا خيمة الخلد في البداية، وهم من جعلوا الأصدقاء يتشاجرون. وبهذه التفرقة انتصروا عليهم، وهكذا عندما يتشاجر الأصدقاء يفرح الأعداء.
ترجمة بتصرف عن:
Hulpach, V. (1965). American Indian tales and legends. Hamlyn.