أساطيرحكايات وأماكن

أساطير الهنود الحمر.. ميلاد الخيول الهندية

أساطير الهنود الحمر.. في الأيام الغابرة وعلى ضفاف النهر العظيم، عاش صبي يتيم في إحدى القرى الهندية، كان هزيل الجسد لا يقوى على العمل وكان فقيرًا لم يترك له والداه شيئًا يعينه على الدنيا؛ لذا فكان عليه أن يستجدي الطعام من أهل القرية، وكان الكثير من الهنود ينهرونه قائلين: أنت بلا فائدة لما علينا أن نطعمك حتى الكلاب لها فائدة أكثر منك.

كان زعيم القرية هو الوحيد الذي يعطف على الغلام الصغير فيطعمه، ويهديه أحيانًا الملابس، ولما كان بعض أهل القرية يسخرون من هذا الفعل كان يرد قائلًا: إن «تياروا العظيم» كبير الأرواح وحده يعلم الغرض من حياة هذا الصبي، وربما يصبح في المستقبل ذا شأن كبير.

أساطير الهنود الحمر

كان هذا بالطبع يجعل أهل القرية يسخرون زيادة من الصبي الضعيف الهزيل، كيف يكون يومًا ذا شأن؟!

في هذه الأيام لم يكن الهنود يعرفون الخيول، ولم يكن أحد منهم قد شاهدها قبل ذلك؛ لذلك لجأوا إلى الكلاب لحمل أثقالهم، وغالبًا ما أضطروا لحملها بأنفسهم.

في الربيع كانت قطعان الجواميس تأتي قرب النهر لتشرب وكان الهنود يخرجون لصيد بعضها؛ لكي ينالوا من لحمها ما يكفيهم طعامًا ومن جلدها ما يلبسونه خلال الشتاء.

كان الجميع يغادرون بيوتهم تاركين الصبي الصغير وحيدًا في القرية؛ لذا فكانت تلك الأيام تحزن الصبي جدًا فقد كان لا يجد فيها شيئًا يأكله، وكان يزداد هزاله إلى أن يعود أهل القرية من الصيد، حتى أنهم كانوا يتعجبون كيف ظل على قيد الحياة كل هذه الفترة بدون طعام!

أهل القرية

لما خرج أهل القرية بكى الصبي بكاءًا شديدًا وبللت دموعه التراب الجاف تحته، وفجأة سمع صوتًا يناديه: هيا العب.. أصابعك الواهنة تُظهر ما بإمكانها أن تصنع، لم يفهم الصبي في البداية ما يقصده الصوت المجهول، من الذي يكلمه؟ وبماذا يلعب؟

استقرت عين الصبي على التراب المبلل بدموعه حتى أنه صار طينًا ففهم ما يعنيه الصوت، فقال في نفسه: سأشكل كلبًا رائعًا لعلي أتسلى به عند غياب أهل القرية.

وبدأ في تشكيل الكلب، لكن بعد إنهاءه رأى أن الحيوان الذي تشكل لا يشبه الكلاب أبدًا؛ فرأسه طويل، وأرجله طويلة، وله ذيل ممتلئ بالشعر، كما له شعر فوق رأسه، كان شكل الحيوان أجمل لكنه ليس الحيوان الذي يريده الطفل.. ثم أنه لم يره قبل ذلك!

الطفل الحيوان

ترك الطفل الحيوان الطيني وقرر أن يشكل واحدًا آخر وسيكون هذه المرة كلبًا، لكنه لما انتهى وجد الحيوان المصنوع هو هو الحيوان الأول، وكأن يدًا أمسكت بيد الطفل وجعلته يشكله بهذه الصورة!

شعر الطفل فجأة بالحاجة إلى النعاس، فوضع رأسه على الأرض أمام كوخه الصغير ونام، وفي المنام جاءه «تياروا العظيم» كبير الأرواح، فقال له: أنا من أخبرتك بتشكيل هذا الحيوان، وأنا من أمسكت بيدك لتشكله، خذ هاذين التمثالين إلى ضفة النهر العظيم، ستدب فيهما الحياة.

هناك أطعمها بالحشائش حول ضفاف النهر، وأسقيهما من ماءه لمدة أربعة أيام، سيكبرون في الحجم فهم الآن كما ترى لا يمكنهم فعل شيء، بعدها ستستطيع ركوبهما وحمل ما تريد على ظهورهما؛ سيكون لك شأن في القرية يتمناه الجميع، لن تحزن بعد اليوم يا صغيري.

ضفاف النهر

استيقظ الطفل من نومه فرحًا، ولم يكن مصدقًا ما رأى، لكنه قرر أن يذهب إلى ضفاف النهر وينفذ كلام كبير الأرواح، وبمجرد وصوله للنهر، ووضعه للتمثالين على الطين المبلل على ضفاف النهر؛ دبت فيهما الحياة وبدأوا يشربون ويأكلون بنهم، وكانوا أيضًا يطلقون بعض الصهيل الخافت.

وعندما غابت الشمس عاد الطفل بالحصانين إلى كوخه، وكان حجمها قد كبير حتى أنه حشرهما في الكوخ بصعوبة، في اليوم التالي أخذهم إلى النهر، وفي اليوم الثالث أيضًا حتى كبر حجمهما جدًا، وبدأ أخيرًا يمتطي ظهورهم.

وعندما ركب أحد الخيول تملكه شعور بالفخر؛ فقرر أن يبحث عن أهل قريته ليريهم ما صار يملكه، نسي الطفل نصيحة كبير الأرواح وأخذ الحصانين وانطلق بهما بين المروج والبحيرات يبحث عن أهل القرية.

أرض الهنود

رأى كبير الأرواح هذا وغضب له فقد كان يريد أن يعطي الهنود حصانًا ضخمًا مثل الحصان الذي يملكه بيض الوجوه، والطفل أغفل إطعام الخيول من ضفاف النهر في اليوم الرابع.. لكنه أشفق عليه وسامحه خصوصًا لما رأى أن الخيول القصيرة كانت رشيقة أكثر من خيول الرجال البيض الضخمة، وهي أنسب للحياة في أرض الهنود.

وجد الطفل أهل قريته وأعجبوا بالحصانين معه وصاروا يعطونه الطعام نظير حمله لأثقالهم على ظهور الحصانين، وسرعان ما كبر الفتى وصار ذا شأن في قريته وأظهر شجاعته منقطعة النظير، وبدأ يخرج لرحلات الصيد بحصانه، وكان أفضلهم حظًا في الصيد.

كان الحصانان ذكرًا وأنثى؛ وقد أنجبا خيولًا كثيرة باعها الصبي لأهل القرية وجنى منها ثروة، ولما مات كبير القرية عهد بالحكم بعده للشاب الذكي الشجاع الذي كان يومًا صبيًا يتيمًا ضعيفًا يسخر الناس منه.

ترجمة بتصرف عن:

Hulpach, V. (1965). American Indian tales and legends. Hamlyn.

سمير أبوزيد

باحث ومهندس في مجال النانو تكنولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وله عدة أبحاث علمية منشورة. ألف ثلاثة روايات " صندوق أرخيف" و " الرفاعي الأخير" و " عز الدين"، كما كتب للعديد من المجلات وله ما يزيد عن الثلاثمائة مقال.
زر الذهاب إلى الأعلى