حكاياتطلاسمقصص الرعب

أسرار فنان متسلسل.. التجارب الأولى لا تُنسى

أسرار فنان متسلسل.. رائحة الموت- لو كان هناك شيء كهذا- هي رائحتي المفضلة، هي اختلاط مقبض من كل شيء: العرق، الدماء، الدموع، النحيب، والتوسلات.. هذا ما أحب أن أراه.. أراهم ضعافًا خائفين مترقبين يتراقص شبح الموت في أعينهم، الترقب والهلع مع كل كلمة أقولها، هم من تسببوا في هذا، هم من فعلوا هذا بأنفسهم فليتحملوا العواقب إذًا، أنا لا أفهم سببًا لكل هذا، أنا ولدت هكذا وحيدًا كذئب خارج جماعته، غريبًا بلا أحد في حياتي، بلا أصدقاء أو عائلة.

أما الأهل فلقد توفيت أمي عندما كنت في السابعة عشر، والأب كان وجوده مثل عدمه فهو لا يستطع القيام بالدورين أبدً؛ لذا فقد مات وترك لي أختي الصغرى حينما كنت في العشرين من العمر، أما عن الحب فأنا حسبما أتذكر لم أنجذب لفتاة أبدًا أو فتى؛ حتى لا تلتمع عيناك بنظرات الشك، لهذا ها أنا الآن لا زوجة لا أطفال، وها أنا بخير وعلى قيد الحياة أو ميت!

أسرار فنان متسلسل

لن يشكل هذا فارقًا لي أو للجميع، إنني أعترف أني مهمش غير ذا قيمة للجميع فلو توفيت لن يهتم أحد أو يحدث شيئًا يؤثر على العالم، ولكن أسوأ ما في الأمر أنني سأموت وحيدًا بدون أن يعلم أحد أو يحزن أحد عليّ، ولكن هذه الوحدة تجعلني متفرغًا لعملي وأنا أعمل بوظيفتين أحدهما في النهار مُملة ولكنها أساسية لتستمر الأخرى الليلية، وهي أكثر متعة وإثارة رغم الجهد الكثير هي نوع مميز من الوظائف، أنا أعتبر نفسي فنانًا، أما عند العامة فإن وظيفتي هي: قاتل متسلسل.

قررت اليوم أن أكتب قصتي لسبب ما سأكتبه بعد أن أنتهي، لذا إن وقعت هذه الأوراق في يدك فأقرأها بتمعن فهذه الأوراق ستكون اعترافًا مني بالأعمال الجليلة التي قمت بها أو كما يسمونها (جرائم).

الآن أعرفك بنفسي.. أنا جيمس، يكفيك اسمي فقط لن تستفيد من الباقي فلقاؤنا لن يتجدد ولن تستفيد من معرفة عائلة أنا آخر أفرادها، أسباني الجنسية وكما قلنا وحيد تمامًا..

لدي جروح نفسية ولكنها تندمل بفعل الزمن، ضعيف كطفل ولِد منذ لحظات.

دعني أطلعك على طبيعة عملي المميز:

كما تعلم فإن القتلة أنواع: هناك الطقوسي، وهناك قاتل النساء، وقاتل الأطفال، وهناك من يقتل أي أحد بدون أي سبب وهو أكثرهم خطرًا وأغباهم، فهو غير منظم ويترك خلفه أدلة كثيرة مما يؤدي إلى الإمساك به أو كما أحب أن أقول (انتهاء مسيرته الفنية بسرعة)، ما أريدك أن تعرفه من كل هذا أنني مختلف عن الجميع، فأنا أختار الضحايا لأنهم تكاسلوا عن أعمالهم أو آذوا أنفسهم كمدمني المخدرات أو من يحاولون الانتحار.

نعم إن هذه رسالتي على الأرض التي اختارني إلهي من أجلها للقيام بها بدلًا عنه لأخلصها من الكسل والفساد، وأيضًا أنا أختلف عن كل القتلة في شيء آخر، فكلهم عاش طفولة مأساوية أو حدثت له مصائب ما أثرت على نفسيته، أما أنا فكنت عكسهم تمامًا، فلقد كانت طفولتي سوية جدًا مع أب وأم حنونين ومتدينين، ورغم وجود أخت صغرى فإننا كنا نتقاسم كل شيء ولم يكن هناك أي نوع من التمييز بيننا أبدًا.

كان كل شيء في حياتي طبيعي، ولم يظهر فيّ أي تغيير حتى توفيت أمي في سن السابعة عشرة، كانت أول مرة أشعر بهذا الشعور.. الضعف، والعجز، عدم وجود أحد بجانبك ليساندك، كأن جزء من حياتك قد فُقِد، إن لم تكن حياتك كلها فُقِدت للأبد. أخبروني أنها ماتت بسبب إهمال طبي.. من يومها حياتي تغيرت بدأت أشعر بالذنب تجاه موت أمي لا أعرف السبب ولكنني أحمل الذنب حتى الآن، وبعدما حدث كل هذا بدأت أتغير ولكن رويدًا رويدًا حتى وصلت لهنا.

أتذكر أول ضحية لي كانت قطة من الشارع كانت تحاول أن تقتل وليدتها الصغيرة، وكانت ترفض إطعامها وتجرحها بمخالبها.. وقتها لم أتمالك أعصابي، أخذت حجرًا كبيرًا واتجهت ناحية الأم وهشمت رأسها بكل ما أوتيت من قوة، حتى تحولت لغبار، وأخذت مخها ونظفته واحتفظ به حتى الآن، ما زلت أتذكر ملمس الدماء ورائحتها على وجهي ويدي، فالتجارب الأولى لا تُنسى.

بعدها أخذت القطة الصغرى واعتنيت بها حتى ماتت وكانت هذه هي الفترة الوحيدة التي أحسست بإنسانيتي، فالقتلة أيضًا لديهم مشاعر ولكن يجب أن تتعمق في حياتهم بما يكفي لتفهم لربما تعاطفت معهم أيضًا.

بينما كانت أولى ضحاياي البشرية هو الطبيب الذي تسبب بموت أمي بسبب إهماله فبعد قتلي لتلك القطة بدأت بذرة تخليص العالم من الشر تنمو داخلي، يجب أن يعود جنة كما كان، لهذا عكفت في السنوات الثلاث التالية على كتب الطب والتخدير والتشريح وأصبحت ملمًا بها كاملة، وفي يوم من الأيام استعددت له وعرفت مواعيد خروجه من المستشفى وانتظرت هذا الطبيب حتى أصبح وحيدًا وجئت من خلفه وخدرته، كان هزيلًا لهذا لم يقاوم وبعدها سحبته لسيارتي وأوصلته إلى بيتي وانتظرته حتى استيقظ وبدأت لعبتي معه..

استيقظ وسأل: أين أنا؟

أجبته: أنت الآن في بداية طريقك للجحيم.. أهلاً بك في النهاية.

قال فزِعًا: ماذا تقصد؟

قلت: هل تتذكر تلك السيدة التي جاءت إلى مشفاك منذ ثلاث سنوات في مثل هذا اليوم لتقوم بعملية خطرة وأثناء العملية ماتت بسبب إهمال طبي، كنت أنت السبب فيه؟

لقد جلبتك لهنا لأنتقم لها، لا تقلق لن يكون موتك سريعًا كموتها بل سيكون بطيئًا تمامًا.. أعدك بأقسى تجربة وأقصى ألم ولا أضمن لك أنك ستظل حيًا ولأكون صادقًا معك سوف يكون من الأفضل لك أن تموت.

دعني أشرح لك ما سيحدث:

سوف أعطيك جرعة مخدر بسيطة وسأخيط لك فمك ولاحقًا عندما يبدأ التعذيب سوف تحس بكل شيء، حتى لا تفوتك المتعة وأرجوك اطمئن سوف تخرج من هذا القفص، لكنك ستنزل للأسفل إلى المتحف الذي ستكون أول معروضاته يجب عليك أن تكون سعيدًا بهذا الشرف.

أولًا، سنبدأ بخلع الأظافر ثم عض الفئران ثم الأسماك ملتهمة اللحوم ثم الثعابين مخلوعة الأسنان حتى لا تقتلك فأنا لا أريد لحفلتنا أن تنتهي بسرعة ثم تكسير الأطراف وأخيرًا سمعت أن لديك رهاب العناكب لهذا انظر لهذا الصندوق- قلتها وأنا مبتسم- كان صندوقًا ضخمًا يحتوي على عدد من العناكب غير السامة ولكنني أخبرته أن بعضها سام والآخر لا، لأزرع داخله الرعب حاول أن يصرخ طلبًا للمساعدة إلا أنني أخبرته أننا في غابة بعيدة عن أي سكان فهدأ فجأة.

أكملت: أرجوك لا تجهد نفسك سوف يكون هذا ممتعًا كثيرًا بالنسبة لي لكنني لا أستطيع أن أقول المثل لك، أما بالنسبة للطعام والشراب فهنا سوف تُحسن ضيافتك وستأخذ كل ما تشتهيه إنني سفاح طيب القلب كما تعلم، ظننت هذا واضحًا، أما النوم فإنك لن تذوقه هنا.. أتمنى لك إقامة سعيدة، والآن استرح إن استطعت فلدينا عمل شاق غدًا.

بالطبع لم ينم وقضى الليل كله يصرخ ويطلب الرحمة ثم هدأ بمفرده.. شعور رائع أن تملك مصير أحدهم في يدك.

وقتها كنت أنا من يحتاج للنوم فلقد كان يومًا صعبًا عليّ أيضًا.

استيقظت في اليوم التالي ووجدته متيقظًا منذ الأمس، فقلت له: هيا يا بطل فإن لدينا يوم شاق سأخرجك الآن، لكن لا تحاول الحركة لأنها لن تفيدك ولكن إذا حاولت الحركة فمصيرك هو حقنة هواء في رقبتك، وفتحت القفص ولم يتحرك ما زال يخاف على حياته، ما زال لا يستحقها.. جميل أن أعطي أمثال هؤلاء أملًا ثم تنزعه منهم فجأة.

المهم أنني خدرته وخطت فمه وقمت بكل ما وعدته به وكان يأخذ أوقات استراحة تنطلق فيه العناكب نحوه، فتبدأ في عضه فيعتقد أنه سيموت ويبدأ بالقلق والتعرق، واستمر الأمر هكذا أسبوعًا إلى أن خيرته بين الموت أو الحياة، فاختار الموت.. ساعتها فقط عرفت إنه يستحق الحياة وتركته يرحل ولكنني أخذت منه تذكارًا صغيرًا.. أخذت إحدى عينيه وتركته يذهب، وقرأت في الصحف في اليوم التالي أنه انتحر شنقًا مع رسالة انتحار كتب فيها (أنا أستحق كل هذا).

هذا ما توقعته فأنا دمرته نفسيًا قبل أن أدمره جسديًا، بعدها زاد عدد ضحاياي، وبعد الجثة الخامسة سميت بـ(قاتل إسبانيا المتسلسل).

أصبحت أستعمل نفس الطريقة مع الجميع في ما عدا أنني أقتلهم وأترك جثتهم في أماكن مختلفة من الغابة..

استمريت في عملي ولم أتوقف لثانية واحدة وكنت كل مرة أقتل بطريقة مختلفة مدمني المخدرات، يموتون بجرع زائدة، بعد تعذيبهم أجعلهم يعيشون طوال فترة الانسحاب ثم أضع لهم ما يريدون من المخدر فيموتون بسببه، والذين يحاولون الانتحار أتركهم على قيد الحياة أطول فترة ممكنة مع جرعات بسيطة من الطعام، ويتمنون الموت ألف مرة يوميًا حتى أقلل حصص الطعام والشراب فيموتون جوعًا وعطشًا، ولكن قبل أن يموتوا كانوا يطلبون الطعام حتى لا يموتوا، إن نفسية الإنسان غريبة وغامضة بطريقة رائعة.

كانت الضحية الأربعين هي آخر من أتوقع، كانت أختي الصغرى، كانت حاملًا وأجهضت بسبب إدمانها للمخدرات والتدخين، أخذتها إلى العرين في مرة واحتجزتها وبدأت بتعذيبها حرقًا بالسجائر وغيرها، كانت تترجاني وتقسم أنها لن تعود للتدخين مرة أخرى، ولكن كلما تراني أدخن تطلب مني أن أجعلها تدخن معي، هي لم تستحق الحياة لهذا قتلتها واحتفظت بأفضل جزء منها.. قلبها الصافي الحنون الذي أحبتني به وتحاملت على نفسي وذهبت إلى جنازتها رغم أنها لا تستحق، ومثلت أنني حزين وانتهى هذا اليوم.

اليوم وصل عدد ضحاياي إلى تسع وأربعين ضحية قتلتهم في عشرين عامًا، كنت أجلبهم من كل مكان: العمل، الحانات، الأزقة، كل هذا حتى أنظف هذا العالم منهم.

اليوم كنت قد قررت التوقف ولكن كان علي أن أقتل الضحية الخمسين، وجدتها وأحضرتها إلى هنا وبدأت بعملي، ولكني أخطأت ونسيت القفص مفتوحًا فهربت، سوف تأخذ وقتًا حتى تصل لأقرب بيت وتبلغ عني، سأكون قد أنهيت قصتي ليعلم بها الجميع، وتكون اعترافًا بكل شيء قمت به..

الآن أنت تعرف ما سيحدث:

سوف يصلون إلى هنا ولكن عندها سوف أكون في مكان آخر في الأعلى حيث النعيم الأبدي.. الآن ينتظرني الكرسي الخشبي والحبل الليفي الذي سيهشم عنقي، ستكون نهاية صعبة لكنها تستحق.. والآن أوراقي وقلمي على الطاولة وسأذهب لنهايتي بقدمي، فأصحاب الحق أمثالي لا يهربون، ولكن قصتي لم تنتهي بعد.. فهنالك من سيكمل العمل بعدي ولكن لا أعرف متى؟!

والآن اعذرني، فلدي ميعاد مع الموت..

تمت.

زر الذهاب إلى الأعلى