العلم والتكنولوجياتكنولوجيا

الاتصالات وقضايا المجتمع.. ليالي السقوط الطويلة في زمن التكنولوجيا والمزارع الحديثة

أول الطريق إلى الحكمة هو أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وباب الاتصالات وقضايا المجتمع يلقي الأضواء على تأثيرات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات على القضايا الاجتماعية والأمور العظيمة قادمة وتستحق أن نحيا ونموت من أجلها.

ليالي السقوط الطويلة

«أبكي كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال».. هكذا قالت عائشة أم الملك عبد الله، ملك غرناطة وآخر الملوك العرب في إسبانيا بعد سقوطها.. لقد سقطت غرناطة وما تزال هناك آثارنا العربيه خالدة.. شاهدة على تلك الأيام.. جسر تنهيدة العربي الأخيرة.. بهذا الاسم يظل الجسر قائما في غرناطة.. وكما سقطت غرناطة وأخذت الإمبراطورية العربية في الإفول.. شهد تاريخنا الحديث سقوط بيروت.. وتدويل القدس، وسقوط بغداد.. في غرناطة قبل السقوط حرقنا كتب ابن رشد، كما حرقها النازي.

ليالي السقوط الطويلة.. ممتدة تحوي مشاهد السقوط المخزي.. مشاهد خرجنا فيها من التاريخ.. مشاهد تمهد وتعيد إنتاج سقوط تلو الآخر.. في ليالي السقوط يتلون ضوء القمر بلون الدم القاني… تختلط الأرض بدماء الضحايا والسبايا.. تزداد الأمور سوءًا وانحدارًا.. تعم الفوضى كل شيء وتنعكس على الأصعدة كافة ويسمع صوت نغمة رهيبة.. مرعبة.. صوت السقوط.. وعندما نتهاوى منحدرين يصبح الموت من أجل الدفاع عن النفس هو أهون الأمور.

فعدا الموت يتعرض الأهل للهوان والذل والسبي وأبشع أنواع التعذيب والانحطاط والتدني للمرتبة الأقل إنسانية.. ويظل المشهد في أبو غريب ماثلا في أذهان أجيال حاضرة وقادمة.. ولن ننسى ما يحدث من سقوط.

فاتورة الغذاء

العرب يستهلكون 700 مليون رغيف خبز يوميا ويستوردون قمحا بما يمثل 400 مليون منها، وبلغت فاتورة الغذاء المستورد من خارج العالم العربي حاليا 24 مليار دولار وهناك تقديرات ببلوغها 60 مليار دولار بعد تنفيذ اتفاقية الجات والمواطن الأوروبي يتناول ضعـف ما يتناوله العربي من بروتين حيواني رغم ما يشاع عن ثراء العرب.. الناتج المحلي بكل الدول العربية مجتمعة يقل عن الناتج المحلـي لبلد أوروبي واحد مثل إسبانيا.. بل أن عوائد شركتين فقط من شركات البترول العالمية تتجاوز دخل كل بلدان مجلس التعاون الخليجي من النفط.

لا ننتج في مصر سوى ربع ما نستهلكه.. ولا نحقق اكتفاء ذاتي في الغذاء.. والدول الغنية تقوم بدعم زراعة القمح لفلاحيها.. وتصدر فائض إنتاجها للدول النامية.. وأحيانا كثيرة يكون أقل من سعر إنتاجه.. وتزداد العوائق أمام فلاحينا لزراعة القمح والحبوب الغذائية الأخري.. فيتجه لزراعات أخرى.. ويزداد اعتمادنا على الخارج في غذائنا.. ونقع في أسر الحاجة.. لم يحدث على مدى تاريخنا القديم أن كنا نستورد القمح.. بل كنا ننقذ أهالي الأرض من المجاعة.. بالقمح المصري.. على جدران
المعابد نجد سنبلة القمح المصري القديم منحوتة بشكل رائع يكشف عن نبتة قوية وصالحة.

في الزمن القديم.. وقف رمسيس الثاني على مشارف مملكة حيته (تركيا الآن)، بعد مطاردته لفلول جيوش الحيثيين.. وإدراك أن بالبلاد مجاعة.. وكان المصريين هم من أنقذوا هذه المملكة من المجاعة.. في زمن الرومان.. لم يأتي يوليوس قيصر إلى هنا من أجل كليوباترا.. ولكنه جاء للسيطرة على سلة غذاء العالم.. مصر.. عاش العالم على قمحنا.. وفي ليالي السقوط الطويلة.. تدهور القمح وتدني المحصول وتوارت السنبلة القوية وتقزمت وانحنت.. وسقطت الأسطورة.

عصر الاتصالات والمعلومات

كان التدهور.. وراء الملاحظة والمقارنة بين سنبلة القمح في وقتنا الحاضر وسنبلة القمح المنحوتة على جدران المعابد الفرعونية القديمة.. لم تعدم مصر علمائها وقدراتهم على استعادة الجينات الوراثية القوية للسنبله المنحوتة على الحجر.. أطلقنا على العصور المختلفة التي مرت بها الإنسانية.. عصر البرونز وعصر الصناعة وعصر الذرة وعصر الاتصالات والمعلومات.. لقد اعتبرت التكنولوجيا هي القوى المحركة للارتقاء برفاهية البشر.. فالتكنولوجيا تزيد من الإنتاجية وتؤدي بدورها لزيادة الثروة ورفع مستويات
المعيشة.. فاليابان مثلا استطاعت مضاعفة إنتاجها للفرد في 34 سنة.. وكوريا الجنوبية في 11 سنة وانجلترا احتاجت إلى نحو 60 عاما (منذ عام 1780).

وتعتبر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا الحيوية من أهم التكنولوجيا في وقتنا الحاضر، وهي لا تتطلب استخداما كثيفا للطاقة وللمواد الخام بل وصارت تكنولوجيا الاتصالات.. قوة دافعة للتحرر السياسي والاقتصادي ولنشر التعليم والمعرفة العلمية والتمكين من أساليب الصناعة التحويلية.. وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورا حاسما في سرعة التوجه نحو زيادة إنتاج الغذاء وتخفيض نسب الفقر والوفيات وتحسين الحياة في الدول التي فاتها قطار التصنيع.

في مصر تمددت البنية الأساسية لشبكات الاتصالات والمعلومات في بضع سنوات الأخيرة.. وأُطلقت بعض المبادرات عن الإنترنت المجاني.. والحكومة الإلكترونية.. والتعليم الإلكتروني وتوظيف إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الصحة، ولكن ما يزال تطوير المحتوى المعرفي للمجتمع.. متدني.

الاكتفاء الذاتي من الغذاء

مجتمع المعرفة هو أن نمارس المعرفة.. وتصبح تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نعتمد عليها في مجالات حياتنا المختلفة.. والمبادرة الشعبية من أجل الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتمكين المصريين من استخدام الوسائل التي توفرها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.. هي مبادرة ذات شأن عظيم.. فهي تمس أوسع قطاعات المواطنين، وتمثل حلا لأزمة قومية والمبادرة انطلقت من بعض علماء مصر في الزراعة لتأسيس الجمعية المصرية للاكتفاء الذاتي من الغذاء وتأسيس بنك للبذور المعاد تحسينها وراثيا باستخدام الوسائل التكنولوجية المعلوماتية والحيوية.. من أجل السيطرة على التدهور
للصفات الوراثية لأجنة بذور الحبوب.. كذلك تأسيس بنك لعلماء الزراعة والوراثة المصريين.. هذا مع تضافر جهود الجهات المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر.

في كندا يراقب الكمبيوتر اليدوي الأبقار ويضبط صلاحية اللبن في عنابر الماشية، ونتج عن ذلك تغير في سلوك المزارعين وطريقة أدائهم.. وأصبح ذلك خليطا من الخبرات التقليدية في تربية الماشية.. والخبرات الجديدة المكتسبة والقائمة على تبادل المعلومات بواسطة حاسبات يدوية صغيرة تعمل لاسلكيا.. ويتم جمع البيانات عن حرارة الطقس وحالة اللبن ويخزنوها فيها وجاء استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لحل مشاكل تخزين اللبن وفساده في خزانات عنابر الماشية، وتقوم الوسائل الإليكترونية بمراقبة صلاحية المخـزون وإصدار الإنذارات في حالة قرب فساد المخزون.

يوما بعد يوم يتأكد ضرورة تنمية القدرات الاجتماعية لتوليد واستيعاب ونثر وحماية المعلومات، واستغلالها أقصى استغلال ممكن كأداة قوية لتوليد التغيير الاجتماعي.. وينظر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة مهمة جدا لتحقيق هذا التحول لممارسة المعرفة وتغلغلها في كافة شؤون حياتنا، وفي الزراعة تتحول المعرفة إلى تكنولوجيا للتنمية الزراعية.

التكنولوجيا والمزارع الحديثة

في المزارع الحديثة تتحول المعرفة والنصائح إلى مدخلات لعملية التنمية والتوسع الزراعي.. ففي معظم البلدان النامية تعاني التوسعات الزراعية من ضعف التمويل ومعظم المعلومات عن مناطق التوسعات لا توجد بالتحديث المناسب وغير مطابقة للواقع الحالي وغير مناسب لاحتياجات الفلاحين.. ويترك الفلاحين بدون معلومات أو موارد كافية لتحسين وتطوير إنتاجياتهم، وتساعد هناك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بإعادة التوجيه للتوسع الزراعي نحو التنمية الزراعية الشاملة، وتدعم التخطيط الاستراتيجي للتنمية وتدعم صغار المزارعين بالمعرفة المناسبة.

ويقوم على ذلك مؤسسات المجتمع المختصة بذلك للعناية بتوفير المعلومات بأقل تكاليف ممكنة.. بوسائل تخزين أفضل.. بوسائل نقل أفضل.. تلعب أيضا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا مهما في خطط التنمية الزراعية بتأسيس قواعد بيانات للعادات والتقاليد في ممارسة الإنتاج الزراعي، ويمكن تأسيس معامل رقمية معرفية للعادات، وذلك لتوسيع نطاق المشاركة.. وتوضيح معالم الصورة الإجمالية للعادات الإنتاجية من أجل تحديد نقاط الضعف.. والتطوير ومن هذه الزاوية يمكن النظر لتكنولوجيا المعلومات كالجسر بين العادات وبين نظم المعرفة الحديثة.

وتتعدد مجالات تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتدعيم التنمية الاقتصادية للمزارعين.. تنمية المجتمع القروي.. مجالات البحوث والتعليم الزراعي.. تنمية المؤسسات والهيئات والشركات وكيانات الأعمال الصغيرة.. مجالات شبكات الإعلام.. وبعض خدمات التنمية الزراعية، والتي يمكن تدعيمها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.. خدمات أون لاين للمعلومات.. التعليم والتدريب والاستشارات.. والمراقبة.. وإجراء اختبارات مطلوبة.. يمكن تطبيق مفهوم التجارة الإلكترونية في المنتجات الزراعية بين المنتجين المباشرين وتجار الجملة.. وتجار التجزئة.. والوسطاء.. والمصنع.. والمستهلك.. تسهيل الاتصالات بين الأطراف المختلفة.. خدمات الأسئلة والأجوبة لأي شأن من الشؤون.. خدمة توفير أحدث المعلومات للمزارعين حول السوق.. وأحوال الطقس.. القروض والضمانات.. تأسيس قواعد بيانات بتفاصيل موارد القرى والمناطق الزراعية المختلفة.. تأسيس أنظمة المراقبة والإنذار المبكر للأوبئة والأمراض.. المعلومات حول برامج التنمية والتأمين.. تسويق المنتجات الزراعية.. إدارة المزارع.. معلومات حول زيادة الإنتاجية ورفع كفائتها.. التعليم عن بعد للمزارعين.. بادرت مؤسسات المجتمع المدني والهيئات غير الحكومية وبعض المؤسسات الحكومية.. بعدة مشروعات في بلدان العالم المختلفة.. باستخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات في التنمية الزراعية وقد صدرت عن معهد البحوث الزراعية بنيودلهي بالهند ورقة بحث باسم تحليل دقيق (حرج) لاستخدام تكنولوجيا المعلومات في التنمية الزراعية، التأثير.. وتحاول الدراسة التركيز على استخدام ICT في التنميـة الزراعية.. واحتمالات مساهمة ICT في نطاق التوسع الزراعي.. واختارت الدراسة ثلاث مشاريع كنموذج للدراسة.

نستخلص أهم ما جاء فيها فيما يلي:
حلا لمشكلة نفاذ الفلاحين لوسائل التكنولوجيا.. تم استخدام عمال خدمة في عدة أكشاك مزودة بحاسبات آلية تدربوا على استخدامها (OPERATOR)، وهذه العمالة مسؤولة عن جمع المعلومات وتوفيرها للمتعاملين، والكشك عادة يوجد ببناية صغيرة بالقرية ويتصل بشبكة المشروع ويعمل بالمشروع عادة شباب القرية، والذين تم تأهيلهم لهذا العمل والكشك مملوك عادة بواسطة لجنة أو جمعية بالقرية.. أمكن من خلال المشروع توفير معلومات عن أفضل طرق علمية للزراعة.. أسعار المحاصيل بالمراكز المختلفة.. تسجيل الأراضي والعقارات.. استلام رخص تسجيل الأرض.. خدمات تعليمية لأبناء القرية.. خدمات استصدار رخص القيادة.. خدمات الاتصالات.. خدمات معلومات خاصة بالحكومة وبرامج التنمية المحلية.. خدمات الاستفسارات من الخبير الزراعي.. معلومات عن المزادات والأسواق الرخيصة التي يتجمع فيها أهالي القرية يبيعون حاجاتهم القديمة (مثل سوق الجمعة وسوق الثلاثاء وسوق إمبابة).. معلومات بأسماء من هم تحت خط الفقر.. معلومات عن العمالة الزراعية.. معلومات عن مواعيد القطارات والأتوبيسات.. معلومات طبية.. معلومات عن المحاصيل وما يخصها من وقاية بالمبيدات.. معلومات عن الموارد المائية.. كل هذه الخدمات تخص التنمية الزراعية.. وانتشار الأكشاك التي تقدم الخدمات هذه تفتح مجالات عمل أمام أبناء القرى وأمام خريجي دارسي الزراعة.

وفي قرى يبلغ عدد سكانها ما بين 30000 : 20000 نسمة بلغ عدد المستخدمين أسبوعيا 2340 يترددون على الكشك الإلكتروني للخدمات المختلفة السابقة.. وقد تم جمع المعلومات لبناء قواعد البيانات الخاصة بالمشروع بواسطة العاملين بالمشروع من مراكز التنمية المختلفة ومن المجلات والصحف.. ويستخدم المشروع خادم للتطبيقات (APPLICATION SERVER) من نوع نظم إدارة قواعد البيانات (DATABASE MANAGEMENT SYSTEM) ويستخدم برامج سوفت وير منتجة بالهند وبسعة رام 128MB.. وبسرعة 733MHZ.. وتربط كوابل من الألياف الضوئية الأكشاك المختلفة أو اتصال لاسلكي وبنظام تشغيل ويندوز.. 52% من المستخدمين بالقرية كانوا متوسطي العمر.. 37% صغار السن 11% كانوا متقدمي العمر وفي المشاريع بالقرى الهندية الأخرى بلغت نسبة متوسطي العمر أحيانا 90%.. وبلغ متوسط التردد على الاستخدام.. 52% يستخدمون الخدمات مرة كل شهر.. ونحو 45% مرة كل أسبوعين.

وبلغ عدد المستخدمين لخدمة معلومات السوق حوالي 50%، والمستخدمين لخدمات تسجيل الأراضي 82.5%.. وخدمات اسأل الخبير 67%، وخدمات المعلومات حول برامج التنمية المحلية 57.5%.. وخدمات معلومات الطقس بلغت 47.5% وخدمات أفضل طرق الزراعة الحديثة 70%، وخدمات تكنولوجيا الحصاد 70%.. وخدمات إخبارية عن الزراعة 67% وخدمات معلومات عن البزنس في الزراعة 92%.. وخدمات عن الأسعار 72%.. وخدمات الإنذار المبكر عن الأوبئة والأمراض 70%.

ويخلص التقرير إلى النتائج التالية:-

ضرورة أن تتبنى الدولة بخطط التنمية دمج ICT في التنمية الزراعية، وذلك بالتعاون مع كافة المؤسسات وشركات الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني ويجب إدراك الوزن العالي لنثر المعلومات في حياة المزارعين وقيادة عملية التحول من المجتمعات المتخلفة نحو المجتمعات الحديثة، مع ربط السياسات الزراعية بأولويات الاحتياجات على المستوى القومي وما يمس حياة المواطنين بشكل مباشر.. وأهمها تحقيـق الاكتفاء الذاتي من القمح والغذاء بوجه عام، وهذا ما يجب أن يكون محتوى خطط التنمية.


كتب: محمد أبو قريش

زر الذهاب إلى الأعلى