التاريخ المنسي لـ«بركة الفيل».. روايات مختلفة
بركة الفيل.. تعتبر بركة الفيل من أقدم برك القاهرة التي تم ذكرها في كتب التاريخ، فبإمكانك أن تجدها في كتاب التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية للشيخ محمد محيي الدين وكذلك بكتاب قوانين الدواويين لابن مماتي، وهنا سنستعرض التاريخ المنسي لذلك الأثر الذي جار عليه الزمن.
موقع بركة الفيل الأصلي
لما أنشأ القائد جوهر الصقلي مدينة القاهرة، كانت بركة الفيل تقع خارج باب زويلة، فيما بين القاهرة ومصر وشمال شرق ميدان السيدة زينب اليوم.
ما هي البركة؟
لم تكن تلك المنطقة بركة عميقة بها ماء راكد بالمعنى المفهوم في وقتنا الحالي، فكانت لفظ البركة تُطلق على الأرض الزراعية التي يغمرها ماء النيل سنويًا وقت الفيضان.
وكان القرط المعروف بالبرسيم، هو أشهر المحاصيل الشتوية للبركة حيث كان يُستخدم في تغذية دواب القاهرة.
روايات مختلفة وراء الاسم
تعود الرواية الأكثر شيوعًا إلى اقتناء الأمير خمارويه بن أحمد بن طولون للحيوانات من السباع، النمور، الزرافات والفيلة حيث أنشأ دارًا لكل منها، كانت دار الفيلة تقع على حافة البركة التي كان الناس يحرصون على مشاهدتهم هناك.
وهناك رواية ثانية تشير إلى رجل اسمه الفيل كان من الحاشية المقربة للحاكم أحمد بن طولون، الذي حكم مصر في الفترة من عام 868 – 882. وتشير أحد الروايات إلى وجود فيل كبير يسبح بالبركة حيث كان الناس يخرجون لرؤيته.
متنزه تاريخي
ظلت بركة الفيل بمثابة أحد أهم المتنهزات في حياة المصريين قرابة الألف عام، حيث أسهب في وصفها المؤرخ ابن سعيد المغربي حين قال «انظُرْ إلى بِركة الفيل التي اكتنفت… بها المناظرُ كالأهدابِ للبصرِ كأنما هي والأبصارُ ترمقُها… كواكبُ قد أداروها على القمرِ».
وتحدث المؤرخ الشهير المقريزي عن حب المصريين لمتنزه بركة الفيل في كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار».
وتم تعمير الجانب الشرقي من البركة في عهد المماليك بإقامة البساتين وإنشاء اصطبل لخيول الأمراء، إلا أن السلطان كتبغا ألغى ذلك الاصطبل لينشأ مكانه ميدانًا لممارسة لعبة القبق، المعروفة حاليًا باسم لعبة «البولو»، ولكن خلع كتبغا من السلطة بعدها بعامين جعل أمراء المماليك ينشأون على أنقاض الميدان قصورًا فاخرة.
اقتصرت بركة الفيل على كونها متنزه للأغنياء وعلية القوم في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، نتيجة تعمير المنطقة بمنازل شديدة الفخامة في العمارة والزخرفة، ليستمر ذلك الوضع الطبقي للبركة في العصر العثماني.
تطور أراضي البركة عبر الزمن
لم تكن هناك أي مظاهر بنيان على البركة حتى العصر الفاطمي، ثم تقلصت المساحة لتبلغ 40 فدانًا في العصر المملوكي.
وتحولت أراضي البركة من الزراعة للسكن بدءًا من عام 1222 قبل نهاية العصر الأيوبي، ثم تحولت إلى وقف أيتام الظاهر بيبرس بعهد المماليك، بعد ذلك استولى الأمراء على أجزاء من مساحتها، قبل أن يقيم الخديوي عباس حلمي الثاني سراي الحلمية بحديقتها الشهيرة علي الجزء المتبقي.
نهاية بركة الفيل
قُسمت أراضى حديقة الخديوي عباس حلمي عام 1892 قبل أن يتم هدم السراي عام 1902، لتُقسم كافة أراضيها ويتم بيع جميع القطع لتُقام عليها عمارات حديثة تُعرف بين أخطاط القاهرة بالحلمية الجديدة.
بركة الفيل في وقتنا الحاضر
باتت منطقة بركة الفيل المجاورة لحي الدرب الأحمر مشهورة بصناعة الفوانيس، إلا أنه قد تم طمس كافة معالمها القديمة باستثناء قصر الفراء، الذي أُطلق عليه لاحقا اسم الفقراء، حيث سكنه رفاعة الطهطاوي أحد أبرز قادة النهضة العلمية في تاريخ مصر خلال حقبة الوالي محمد علي باشا.