الرجل ذا الثقب في معدته .. نقطة البداية لتأسيس علم التغذية
بحلول أوائل القرن التاسع عشر كان لدى الأطباء فهمًا واضحًا للتشريح البشري ولكن كانت المعرفة حول كيفية عمل كل عضو داخلي داخل الجسم ضبابية، وكانت الأجهزة المستخدمة في الطب في ذلك الوقت محدودة، سماعة الطبيب ومنظار الحنجرة، ولم يسبق لأحد أن رأى دواخل الجسم باستثناء وقت العمليات الجراحية حتى جاء وليم بومونت.
قصة الرجل ذا الثقب في معدته ؟
كان وليم بومونت جراحًا في الجيش الأمريكي كان معروف عنه تجاربه عن فسيولوجية الهضم وأبحاثه على السائل المعدي، كان يخدم في جزيرة ماكيناك في بحيرة هورون، وفي صيف عام 1822م تم استدعاءه للحضور عندما أصيب أليكسيس ست مارتن بطلق ناري في معدته كان عمره حينها 28 عامًا، دخلت شحنة البندقية في جانبه الأيسر من بطنه مما أدى أنها تسببت في كسر ضلعين وحدوث تلف في الرئة وتم تمزيق فتحة المعدة.
وعندما وصل الطبيب لمكان الحادث قال وجدت جزء كبير من الرئة مثل بيضة الديك الرومي برزت من خلال الجرح الخارجي ممزقة، وفي الأسفل بروز آخر بعد الفحص تم التعرف عليه أنه المعدة كانت ممزقة.
كان وليم بومونت الجراح الوحيد بالجزيرة وبذل قصارى جهده لتطهير الجرح وإزالة قطع الملابس والعظام والمواد الغريبة من الجرح الأخرى في تجويف الصدر، ووضع مواد لسد الجرح لم يتوقع الجراح أن يعيش مارتن ولكن كانت المفاجأة للجميع هو أن المريض بدأ في التعافي البطيء.
في البداية حاول بومونت إغلاق فتحة المعدة عن طريق وضع الأشرطة اللاصقة على الحواف للاحتفاظ بالطعام والشراب، وأراد إغلاق الجرح بالغرز ولكن مارتن رفض ولم يستحمل الإبرة وظل يعاني لمدة عام ويتألم وبدأ الثقب في الإلتئام.
ولم يلتصق جدار المعدة مع نفسه واندمج في جلد البطن مما جعله يترك حفرة دائمة تحت الأضلع مباشرة، وبعد 18 شهر من الحادث نما الثقب في المعدة ومنع الطعام من الخروج.
ومع مرور الوقت توصل بومونت إلى إدراك الثقب أو ناسور المعدة وقدم وسيلة فريدة لمراقبة ما يجري بالداخل وعرض بومونت على مارتن الذي فقد وظيفته بسبب الحادث العمل في منزله بالنهار، قام سانت بالعمل بشكل عادي كتقطيع الأشجار وحمل الأوزان وما إلى ذلك من الأعمال وفي نفس الوقت كان تحت نظر الطبيب لإجراء أبحاثه عن الهضم عليه.
قال بومونت أنه كان بإمكانه النظر لتجويف المعدة ومراقبة حركتها ورؤية عملية الهضم وصب الماء ووضع الطعام بمعلقة لرؤية عملية الهضم، وجرب بومونت تأثير سائل المعدة داخل المعدة وخارجها على أنواع مختلفة من الطعام ودرس عمل الصفراء في الجهاز الهضمي وقياس درجة الحرارة والحموضة وأثبت أن الهضم يتطلب حمض الهيدروكلوريك، وقال أن سائل المعدة يتم إفرازه فقط استجابة للطعام لعدم تراكم الوجبات، ودحض فكرة أن الجوع ناتج عن فرك جدران المعدة ببعضها البعض.
شعر سانت بالعزلة والإذلال بسبب تجارب وليم عليه واشتاق للعودة لتجارة الفراء، وهرع أكثر من مرة لكندا وأنجب العديد من الأطفال وفي كل مرة كان يعيده الفقر إلى بومونت وبشكل عام أجرى بومونت عليه 200 تجربة على مدار 10 سنوات ونشر أطروحته حول سائل المعدة وفسيولوجيا الهضم عام 1833م وكانت الأساس لعلم التغذية الحديث.
استخلص ما يقرب من 51 استنتاج عن الهضم بناءً على ملاحظاته وقرر أن الخضار يتم هضمه بسرعة عن اللحوم وأن اللبن يتخثر في وقت مبكر في العملية الهضمية، وأكد نظرية ويليام بروت بأن السوائل المعدية تحتوي على حمض الهيدروكلوريك.
توفى سانت مارتن عام 1880م، كان الباحثون يأملون المحافظة على معدته في المتحف الطبي للجيش الأمريكي ولكن عائلته رفضت.