السيدة نفيسة
السيدة نفيسة.. في مشهد مُحزن مُلازم لانسدال ضوء الشمس على مسجد السيدة نفيسة.. وصلت سيارة بداخلها شابين في الكراسي الأمامية، مصاحبهم بالكراسي الخلفية عددا من أطباق الأرز الأبيض المدفون بداخله قطعًا من اللحم.
ومع بدء أحد الشابان مد أقدامه خارج السيارة حاملا واحدة من الوجبات بيسراه، ليحل الظلام فجأة بالمكان، وتنقطع أضواء الشمس، ويتوقف نسيم الهواء لحظة التفاف اللحوم البشرية حول الشاب بسيارته مرددين (هات واحدة.. هات واحدة) حاول الشاب دفع الذئاب البشرية بعيدا عنه لتزداد الأعداد وتتضاخم أكثر.
السيدة نفيسة
يتعارك الجميع ويسب بعضهم بعضا ليفوز بالوجبة كلا مستخدما قوته.. عاد الشاب إلي سياراته سريعا وأغلق النوافذ، وبدأ الناس يتوسلون إليه بإشاراتهم أننا سنهدأ ولكن استمر بالتوزيع.. ليأتي متسولا من بعيد بعلو صوته موجها كلماته لهم (انتو ياشوية همج ياولاد……. يلعن…….. ياجعانين) ليتغلب على العشوائية النظام ويصطف البشر متراصين في صفوف أمام نوافذ السيارة.. ليعاود الشاب بفتح باب سيارته والدلو مرة أخرى خارجها ليتكرر المشهد من جديد ويتضارب الناس وتتمزق الملابس وينهش المتسولين الأطباق ليقع الكثير بالسيارة وخارجها بالشارع ليتصارعوا مع الكلاب على تناول قطع اللحم المتساقطة.
ركب الشابان السيارة أكاد أتوقع ندمهم على ما قدموه من خير.. أغلق الشابان الزجاج لتداخل أيادي البعض داخل السيارة تعارض غلق الزجاج مطالبين بالمال (والنبي يابيه هات حاجة لله) وآخرين يقفزون فوق شنطة السيارة الخلفية وكأنهم ذاهبين مع الشابين للإقامة معهم.. لفت انتباهي بالموضوع أن المتسولين ليس أغلبهم في الحقيقة متسولون لما ظهر من الرقي فيما يرتدونه من ملابس فكان البعض في الحقيقة منمق أكثر مني.
كان يفصلني بين هذا المشهد رصيف لا يتعدى عرضه المتر الواحد.. فتساءلت وقتها ما يفصلني بين هؤلاء إلا سنتيمترات بسيطة فهل سيأتي الوقت الذي قد تتلاشى فيه هذه المسافة وأكون من بينهم ذات مرة؟؟!! .. هل يفصلني مع الرصيف حاليا الفارق البسيط من الحياء الشخصي الذي منعني من الاصطفاف بينهم؟؟!!.. أعتقد أن الأيام القادمة هي الأكثر واقعية للإجابة على تلك التساؤلات.. فلننتظر.