“الشموع السوداء” مع بدء اقتحام الضباب للعربة كل شيء من حولي اختفى، لم يكن هناك وجود لشيء، لا أرى سوي بعض الهالات السوداء التي تتشكل أمامي وتختفي، إلا أن تشكل ذلك المقرن ذو العين الحمراء لم يكن يظهر منه شيء، كل شيء كأنه دخان أسود مشكل.. لم يكن بإمكاني الصراخ، أيقنت في ذلك الوقت اقتراب موعدي معهم..
تذكرت تلك النبوءة التي شاهدها ذلك العراف منذ سنين، لا أعلم بعد كل تلك السنين هل عثرت عليّ تلك النبوءة أم أنني من تعجلت في تحقيقها!
أذكر ذلك اليوم عندما قرأ لي المستقبل، بعدها نظر إليّ وكأن عيناه مشتعلة من شدة حمرتها قائلًا: كتب عليك أن تلقاهم. بعدها فر هاربًا لم أعثر عليه بعدها، ولكن يبدو أن نبوءته قد عثرت عليّ!
ساد الصمت وشعرت أن كل شيء قد توقف، حتى قلبي لم أعد أسمع صوته، وبدأت تلك الأصوات تغزو كياني من كل جانب.. أصوات همس لا أعلم مصدرها! صاحبها تلك الصرخة التي جعلتني أشعر بأن هناك أحد ما يعتصر قلبي! وما أن أحسست بالألم إلا وهناك صوت اخترق الهامسات، اخترق آلامي: “ظننت أن إيمانك بغيري سيشفع لك؟ تتحداني منذ البداية، الآن أذكرك بمصيرك ومصير نسلك الضعيف، أتذكر كم شخص جادلت عندما سقت لك نبوئتك؟ اليوم هو المعهود أيها الإنسي، حان وقتك الآن..”.
“الشموع السوداء”.. الجزء الثاني
لا أعلم كيف خرجت لي تلك النيران من كل مكان، وكيف يوجد كل هذا الفراغ وأنا بالقطار، لكن اعتصرت تلك اليد قلبي، كنت أشعر بأنه يريد أن يقتلعه لتنادي أصوات كالترانيم، دعني أطلق عليها أصوات الجحيم:
“اللعنة على من دنس قدسنا، اللعنة على من دنس قدسنا، يرث الحفيد ويلعن الأب وتكون شموع الخمسين سوداء في ثلاثين العمر؛ لتعلن ميراث جديد لعهد أبدي بين إنسي وسيد الجن عهود قد أبرمت على شموع قد اشتعلت لتعلن بداية عهد الشموع، كتب عليك يابن آدم العهد، فاليوم تنجو وإن لم تصنع ما تؤمر فليكن مصيرك ما نختار”.
في ذلك الوقت لم أتصور أن الحال سيصل بي إلى ما وصل، ولكن لم يكن هناك مفر من ذلك، لم تكن نبوءة وتحدي بل كان قدرًا مقدرًا علي أن أسير به لأصبح ما أصبحت عليه اليوم، خادم إبليس.. أحكم بحكمه وأصنع ما يأمرني به.. نعم تجردت من معبودي، لم أكن أشعر إلا بنشوة القوة التي تتحقق كلما أنفذ ما يأمرني به، ولكن هيهات..
كان لابد لي من صحوة عندما اقترب العمر من الخمسين وكادت شمعتي أن تنطفئ ليورث ابني لعنة تجعله يشقى طوال عمره إلى أن يرث حفيدي، كان لابد أن أتجرد من ذلك العهد، كان لابد أن أنقذ ما تبقى من حطام نفسي، أخذت أصنع ما يمكنني.. أصنع عهود هنا ومواثيق هناك، وأحضر طلاسم عسى أن أنقذك بني، ولكن كان الأوان قد فات..
“الشموع السوداء”
ما بدأته أمس بالدماء انتهى اليوم بالدماء، في الوريقات التالية وجدت خبر في إحدى الجرائد عن انتحار سائق قطار نقل بضائع بمكان نائي.. تقرير الطب الشرعي وشهادة زملائه يؤكدان أن السائق كان يعاني من اضطرابات نفسية، عند وفاته كنت قد بلغت الثلاثون من عمري ولكن لم أذكر يومًا أنه قد اقترب مني، كنت أرى في عينيه نظرة حسرة أورثتني كل اللعنات التي صبت عليّ.
أقسم لك يا ولدي أني حاولت أن أنقذك مما نحن عليه.. جلبت كل شيء يخص السحر من كتب وبرديات، أصبحت محترف في صنع التعاويذ وجلب الجان وتحضيرهم.. كان كل شيء يسير على ما يرام، تنحل العقدة تلو الأخرى من ذلك العهد الملعون، ثم نبدأ من جديد.
كنت أعتقد أني أسير في الطريق الصحيح ولكن لم يكن هناك طريقًا لأسلكه، كنت أشاهده كل يوم وهو يسخر مني، وأشاهدك تكبر كل يوم لترث ذلك العهد، تذكرت تلك النظرات، تذكرت الحصرات التي عهدتها على أبي.. كان مقدرًا على شمعتي أن تنطفئ لترث كل ذلك.
اليوم أعلم أنك قد ورثت العهد الملعون.. عهدك يقتضي بأضحية، كل سبعة أشهر تأخذ أضحيتك إلى قدس الأقداس بذلك الوادي لتذبح وتلطخ بها جدران المعبد القديم، سيحضر السيد ليقبل أضحيتك، ولكن أحذرك أن تلقاه بعين بأس، عليك أن ترضخ لأوامره.
كنت أشاهد، وكان خط أبي قد تسارع وصار أكثر ثباتًا، ولكن لم أعهد تلك اللغة عليه، شعرت أنه ربما يكون هناك من يسوقه ليكتب ذلك!
“الآن وقد شهدت ورثك وأضاءت شمعتك..
أهلًا بوريث العهد، ورافع شموع المجد فوق الأعالي”
كان ذلك الصوت مصاحبًا لإضاءة تلك الشمعات باللوحة!
شعرت أنها تضئ علي كبش مقرن ولكن في جسد بشري! وبدأت تزداد الهامسات وشعرت بوجودهم من حولي!
بدأت نيران ترسم علي الأرض بعض الطلاسم، كنت أشعر أني شاهدت تلك الطلاسم، أخذت أبحث بالأوراق وجدتها.. الطلاسم التي ترسم، ترسم لفتح بوابة لاستقبال عزازيل حامل الضياء!
لم يكن بإمكاني إلا الصراخ بكل ما أذكر من آيات، وأحرار من شرهم، كنت أترقب زيادة الحرارة من كل مكان..
شاهدت تلك النيران تتشتت، وكان هناك مخلوق يتلوى كالثعالب من الألم!
اكتب ما جرى كما رأيت، عسى أن تكون تلك آخر لحظاتي..
أنا لن أسير في طريقهم.. انتهى “الشموع السوداء” .
إحدى الجرائد تكتب:
تحقيقات النيابة تكشف عن علاقة المجني عليه بأمور الدجل والشعوذة.
والطب الشرعي يؤكد احتراق الشاب المذكور داخل شقته وتفحم الجثمان بالكامل، وينفي وجود شبهة جنائية.
هذه بعض الرسائل التي وجدتها أثناء عملية التحقيق.. الغريب بالأمر أنني لم أشاهد تلك الشمعة ولا اللوحة التي ذكرها المدعو!
أدون هذه الملاحظات لربما يحدث لي مالا يحمد عقباه..
انتهى.
اقرأ أيضاً
ماري عديمة الرأس بقلم: محمد جمال