حكاياتحكايات وأماكنطلاسم

القادم.. الجزء الثالث

القادم.. الجزء الثالث

اقرأ قبل الحذف 

طبعاً كلنا مستنيين نعرف إيه اللي حصل لهانيا، والحوار اللي دار بينها وبين عمرو واللي انتهى باللي اتقال لوالدها في التليفون خلص ازاي…

خلينا نرجع سوا لآخر الحوار اللي دار بينهم ونكمل…

  • بقولك ايه، ريحي نفسك واطلعي من دماغي، آه ماشي معاها وهتجوزها كمان، وأعلى ما في خيلك اركبيه
  • تتجوزها؟ انت اتجننت؟
  • آه هتجوزها، وإن كان عاجبك
  • اممممم، ده على اعتبار إنك راجل وما شاء الله بتصرف وعارف تسد على بيتك فهتفتح بيت تاني، مش كده؟

للمرة الأولى.. هانيا تتكلم من خلال الواقع الواضح اللي بتحاول من سنين إنها تتعامى عنه، وعلشان دايما المواجهة بالحقيقة بتكون صادمة ومستفزة ومثيرة لمشاعر الغضب خاصةً لو كانت الحقيقة دي مُرَّة فاضحة كاشفة، عمرو كان رد فعله المرة دي عنيف… 

بدون تفكير، إيده اتمدت على الطفاية الكريستال اللي على الترابيزة اللي أودامه، وبمنتهى الغل والقوة المفرطة، رزع هانيا بيها في وشها، اللي انفجر منه الدم في أقل من ثانية.. من مناخيرها تحديدا.. من حسن الحظ وبالرغم من جسمها القليل، مفقدتش الوعي.. بس فقدت اتزانها ووقعت على ضهرها من الصدمة والمفاجأة.

ومع وقعتها عمرو قام من مكانه واتحرك ناحيتها… لالالالالا مش علشان يلحقها ولا حاجة، مسكها من شعرها وأجبرها إنها توقف، ونزل على وشها تلطيش وزي ما كف إيده يوقع كان بيرزعها، مع حركتها في محاولة للهروب من بين إيديه، كانت بتجرجره ناحية باب الشقة، اللي بمجرد ما وصلتله فتحته فجأة، علشان يشوفها جار ليهم طالع من الأسانسير هو ومراته وابنهم الكبير، شافوا المنظر ومعرفوش يوقفوا أو يمشوا، فتدخلوا علشان يلحقوها.. وبالفعل أخدوها من بين إيديه بالعافية، وهو رزع الباب في وشهم بمنتهى العنف، آه ساب مراته برة غرقانة في دمها وقفل الباب!!!

  • إلحق يا حاج سيد، بنتك سايحة في دمها ومودينها المستشفى الدولي
  • مين معايا، إيه اللي بتقوله ده؟ فيه إيه انطق
  • أنا أحمد السيكيورتي ياحاج، مدام هانيا نازلة متبهدلة دم والأستاذ طارق جيرانها ومراته مودينها المستشفى وقالولي أبلغ حضرتك.

المفاجأة

هانيا اتحجزت تحت الملاحظة في المستشفى الدولي، علشان الدكتور كان محتاج يتطمن إن محصلهاش ارتجاج في المخ أو نزيف داخلي من قوة الخبطة، وتأثير الضرب على وشها، لأن أولا كده مناخيرها اتكسرت، ثانيا رجعت وهي نازلة على السلم، ثالثا وعيها مش مستقر.

والد هانيا وصل المستشفى، وبمجرد وصوله وبدون تردد دخل مكتب الشرطة وعمل محضر في عمرو، وبعدين طلع يتطمن عليها.

طبعا هانيا كان شكلها مثير للشفقة والاستفزاز والحنق والغضب، تخيل كده بنتك الكبيرة أول فرحتك، اللي باين من وشها لونه أزرق، بياض عينيها لونه أحمر، الانكسار والحزن طاغيين على نظرات عينيها، هتحس بإيه؟!

مكانش فيه مجال للنقاش أو الكلام، فوالدها قعد معاها لغاية الفجر تقريبا، ولما راحت في النوم أو فقدت الوعي معرفش، مشي علشان يطمن والدتها ويجولها بكرة.. لالالالا عمرو نايم في بيته عادي!

الساعة ستة الصبح هانيا فاقت فجأة، أو صحيت.. علشان تلاقي السرير مرفوع نصه اللي فوق بحيث تبقى شبه قاعدة، عينيها تتحرك بالراحة شمال ويمين عشان تتفاجئ بشيء غير متوقع ولا حتى كان في بند الأمنيات.

قاعد أودامها.. لا ياسيدي عمرو مين، أنا أقصد الصديق المجهول.

  • المركب بتغرق ياهانيا
  • مش عارفه اعمل إيه، إنت قولتلي مفيش شراع ومجاديفي وقعت في البحر
  • بس قولتلك الشط لسه أودام عينيكي
  • خايفة من البحر
  • إنتي كده كده في البحر
  • خايفة أغرق
  • لازم ترجعي الشط
  • أنا مشيت كتير وبعدت عنه
  • ولازم تدفعي تمن الرحلة، الذهاب والعودة
  • إنت مين؟!
  • أنا حارس روحك.. أنا من روحك.. روحك النقية اللي عاندتيها
  • أنا تعبت
  • لسة أودامك مشوار طويل.. يا تنتصري لروحك.. يا تستحملي انتقامها
  • أعمل إيه طيب
  • انتصري لروحك

قام وقف ومشي خطوتين ناحية شباك الأوضة…

  • رايح فين؟!
  • أنا مهمتي انتهت، الدور عليكي
  • هتيجي تاني؟

بصلها، وبدون رد، كمل خطوتين لغاية الشباك، وتلاشى…

تاني؟!

العند يورث (أو يولد) الكفر… جملة تراثية سمعناها كتير، تعند في الصح والتمسك بيه وبالحق ماشي، ممكن في سبيل ده تخسر جزئيا بردو ماشي، على الأقل إنت في داخلك حاسس إن خسارتك مش ببلاش، كبرت في نظر نفسك، لكن تعند ضد نفسك!!! تبقى عارف إنك غلطان وشايف الخسارة ورا الخسارة وتكمل في غلطك!!! 

ولما تتواجه وتتوجه تلبس روب المحاماه وتدافع عن غلطك وتتعامى عن الخسارة بسببه!!! لا وكمان تبقى مهدد بخسارة أكبر وتعند أكتر علشان تنتصر لغلطك اللي إنت واثق إنه غلط!!! أتخيل إن الشخصية دي تستحق من الخسارة أضعاف، إذا كانت نفسها هينة عليها، هتبقى غالية عند مين؟! عند ضميرها، لكن.. فايدته إيه في وجود العند.

مش هطول عليك، هانيا فضلت في المستشفى أربع أيام لغاية ما الدكتور اتطمن إنها بقيت كويسة ومستقرة، في اليوم التالت والليلة الأخيرة قبل خروجها وبعد ما والدها ووالدتها مشيوا من عندها، عمرو جه، أيوة عمرو دخل على هانيا الأوضة، لما شافته انزعجت وكان باين عليها وعلى ملامحها.

وكانت مفاجأتها إن عمرو قعد أودامها وعيط، أيوووه عيط وانهال عليها بالاعتذارات وإنه فقد أعصابه، وفقد سيطرته على نفسه، وإنه مش هيتجوز عليها لا مي ولا غيرها، وإنها هي اللي استفزته لما قالتله إنه ماشي معاها، وهو أصلا بريء، فحب يضايقها، لكنها أهانته وجرحت كرامته ورجولته بس هو مسامحها من حبه ليها!!!

تخيل ياجدع! مسامحها من حبه ليها، مش هقولك إن مهمته كانت سهلة في إقناع هانيا بدموعه وندمه، بس في الآخر عرف يسيطر على مفتاحها، المشاعر اللي بتحركها بدون عقل، والعند اللي وصلها من خلال استغلاله، إنها ازاي هتسمح لحد إنه يقولها شايفة نتيجة اختيارك وعندك وإصرارك، وإنه ميقدرش يعيش من غيرها وبلا بلا بلا بلا أي كلام!!!

تاني يوم الضهر والدها جه المستشفى علشان ياخدها ويروحوا سوا على البيت عنده، علشان يتفاجئ إنها خرجت الساعة تسعة الصبح مع جوزها زي ما بلغوه في الاستقبال!

  • تاني ياهانيا! تاني…

إن أنت أكرمت اللئيم…

أنا مش هعلق على موقف هانيا علشان بصراحة زهقت، وأنا شخص بيكره الغباء، فحكيلك الأحداث بدون تعليق على موقفها.

بعد تلات أيام من رجوع هانيا البيت واستمرار السيطرة عليها من عمرو، أوهمها إن مش من مصلحتها غير إنها تستمر علشان محدش يشمت فيها ويعايرها بسوء اختيارها، وإنه بيحبها وملهوش غيرها…

وبما إن الزن مفعوله مفعول السحر، ومع شخصية زي هانيا، أوتارها نابعة من مشاعرها وعقلها بيشتغل من خلال مشاعرها بدون الرجوع للواقع، استسلمت تماما، لا دي كمان نزلت معاه قسم شرطة الإبراهيمية، واتنازلت عن المحضر اللي والدها عامله في عمرو…

وبتجميع المواقف دي، والدها ووالدتها قاطعوها…

  • إنتي عارفة ومستوعبة إنتي عملتي فيا إيه؟ إنتي كسرتيني، كسرتيني بيكي، إنتي عارفة إنتي رايحة فين واختارتي أنهي طريق؟ إنتي بتنتحري، إنتي بتدمري حياتك بإيدك، أنا مش هشارك في الجريمة دي بأي شكل من الأشكال، أنا فضلت مصدرلك ضهري تتسندي عليه، وكل مرة كنتي بتكسريه وتكسريني، أنا بريء منك ومن دمك، اعتبريني أنا وأمك ميتين…

هانيا بتسمع كلام والدها في التليفون وهي مبرقة، مش عارف أحدد هي مصدومة ولا دي نظرة عند وانتصار لنفسها (من وجهة نظرها)…

هانيا أصبحت منعزلة عن الجميع، وعمرو أحكم سيطرته النفسية عليها، وهي صدقته كالعادة، مفكرتش ثانية إنه ممكن يكون بيلعب بيها، مفتكرتش موقف واحد من كل المواقف اللي مرت بيها، وكأنها فاقدة الذاكرة، وكأنها مغيبة، وكأنها مسحورة، أنا شخصياً مش قادر أستوعب أو أتخيل ازاي البني آدم يضحي بنفسه بالشكل ده، وكل تضحياته السابقة في نفس الوضع كانت نتايجها كلها خساير!!!

ازاي تآمن لتعبان لدغك بدل المرة ألف، ازاي بعد كل ده تبقى مُصّر إنك تربيه تاني وكأنه حيوان أليف!!!

بعد الواقعة دي بتلات شهور تقريبا، وفي يوم من الأيام اللي شبه بعض، هانيا كانت قاعدة في البلكونة ساكتة كعادتها، تليفونها رن بنغمة برنامج من برامج الشات الشهيرة، فتحت تشوف الرسالة اللي جاتلها، علشان تتفاجئ مفاجأة عمرها اللي مكانتش متوقعاها، على الأقل بعد اللي قاله في المستشفى، أو هي كانت متخيلة كده…

الرسالة كانت من رقم مش متسجل عندها وعبارة عن صورة عمرو ومي وبينهم المأذون بيكتب كتابهم… أيوه، عمرو اتجوز مي!

دروس الحياة

مشكلة الحياة للي ميعرفهاش كويس، إن دروسها دايما بتكون بعد السقوط في امتحانها، الحياة بتديلك الدرس بعد ما بتعلم عليك، وتاخد تمنه منك مقدم…

صدمة هانيا المرة دي كانت مختلفة عن كل مرة، جواز عمرو من مي كان بمثابة، لالالالا قشة إيه وبعير إيه، دي كانت الفاس اللي شقت الراس، الخنجر اللي مزع شرايين القلب، النار اللي أكلت الروح زي ما بتاكل الهشيم، الصدمة اللي جابت الآخر قبل ما تجيب الأول، البلطة اللي كسرت تابوه العند وحولته لقطع حادة جارحة، الإيد اللي نزعت فتيل قنبلة الندم، حقنة الهوا اللي قضت على الحياة…

لما هانيا استقبلت الرسالة وشافتها، صدمتها حولتها لتمثال، صمت تام، دموع سخنة مبتوقفش، الليل زي النهار، الأيام كانت عبارة عن صورة بتتكرر، ألوانها الحزن والعجز والانكسار والانهيار واليأس…

هانيا كانت بتفقد هويتها، بتُنتَزع منها بمنتهى العنف والقسوة، بتتكسر حتة حتة وبمنتهى البطء، فقدت القدرة حتى على التفكير، فقدت كل ما هو أمل، هانيا ابتدت طريق النهاية، اللي مفيش منه عودة…

قبل اليوم ده بيومين، عمرو وعلى غير العادة، أخد البنت والولد ووداهم عند أمه بحجة إنها عاوزة تشوفهم، وهيباتوا معاه عندها يومين تلاتة، وفضل مختفي لمدة عشر أيام بعد اليوم اللي هانيا عرفت فيه بمسألة جوازه…

والغريب إنها حتى مسألتش على الولاد اللي روحها فيهم، وكأنها فقدت الذاكرة، والأغرب إن الولاد نفسهم مسألوش عليها خاصةً البنت باعتبارها الكبيرة، اللي تعرف ازاي توصلها…

عمرو ظهر فجأة بعد فترة غيابه، وصل البيت الضهر، هانيا كانت قاعدة في سريرها، حرفياً كانت وكأنها قاعدة في الأسْر، خست يمكن ربع وزنها، لونها شاحب باهت وكأنها مريضة مرض شديد، لما دخل عليها الأوضة بصتله بصة كلها مرار وانكسار، وهو بصلها بصة كلها؛ لا يا سيدي شفقة إيه! ده واحد راجع من شهر العسل، بصته كانت بصة انتصار، شماتة، وبصة تاني اللي هو اتفاجئ من حالها، أو مكانش متوقعه…

القاضية

مش هطول عليك لأن الحوار اللي دار بينهم كان يكاد يكون من طرف واحد، هانيا مكانش عندها القدرة أصلا على الكلام، وبعد ساعة تقريبا، وصل البيت اتنين ممرضين من مركز طبي نفسي خاص علشان ياخدوا هانيا، أيوة زي ما بقولك كده، عمرو اتصل بمركز من مراكز الطب النفسي المتكاملة، المتضمنة الخدمة الفندقية، وبلغهم إن مراته مصابة باكتئاب حاد وإنه عاوز يعالجها على نفقتها الخاصة.. آه نسيت ابلغ حضرتك إن هانيا كانت عاملة لعمرو توكيل بنكي، وكتر ألف خيره مخدش فلوس منها، الحق يتقال بردو، لكنه لما راح بيها المركز الطبي اللي هتقيم فيه، بلغ بياناتها البنكية علشان السداد…

إنت مستغرب من اللي بيعمله؟! طيب خد التقيلة، عمرو قال لأولاده قبل ما يسافر شهر العسل، إن هانيا عملت حادثة وماتت في الإسعاف قبل ما توصل المستشفى، إنت فاكر طبعا إن أبوها وأمها أصلا قاطعوها من شهور، وللأسف هما نفذوا القطيعة وبزيادة كمان، هانيا مبقاش ليها حد، ولا حتى نفسها…

يوم، أسبوع، شهور، هانيا عايشة الصمت في المركز الطبي النفسي، نفس داخل والتاني طالع، أكل وشرب لمجرد الحياة، أدوية مش عارفة هي بتاعت إيه، أو بتاخدها ليه، هانيا كانت عايشة حياة بدون حياة…

النفس الأخير

في ليلة من الليالي الكتيرة المتكررة في المركز، هانيا كانت قاعدة على سريرها في أوضتها، نفس القعدة اللي اتعودت عليها، اللي وريتهالك يوم ما دخل عمرو عليها البيت، لما رجع من شهر العسل، أيوه قعدة الأسر…

وبدون سابق إنذار، أو مقدمات، كانت المفاجأة عنيفة وغير متوقعة…

الراجل اللي كان بيظهر ليها فجأة لقيته قاعد أودامها، ساكت، باصصلها بمنتهى الثبات والهدوء، ولأول مرة من يوم ما شافت صورة جواز عمرو، هانيا بدأت تتنفس بشكل مفاجئ ومختلف، عيونها فجأة نورت، تحس إن قلبها كان بدون نبض، وفجأة اتنفض، وكأنها رجعت من الموت…

دموعها بتنزل من عينيها زي الشلال، شبح ابتسامة بيظهر وبيختفي، رعشة عنيفة بتشيلها وبتحطها، ومش عارفة تتصرف، بس هو اللي اتصرف…

  • اتطمني ياهانيا، مش هسيبك، أنا الوحيد اللي باقيلك… 

الميزان

اتفاجئت من النهاية؟ كنت متخيل إن عمرو هو اللي هيخسر لوحده، ده إذا كنت شايف إنه خسر أصلا، عمرو خسر هانيا، اللي أنا شايف إنها شخصية تستحق الاحتفاظ بيها والحفاظ عليها، بعد كل اللي عملته علشانه، خسر كيان الأسرة ورمى أولاده، ظلمهم كلهم، والظالم ربنا بيخلص منه ظلمه في الدنيا بدون شك، هو بس بيمهل ولا يهمل، أما هانيا بقى، فخسرت نفسها بنفسها، من البداية وهانيا بتخسر، من وقت ما تبنت العند كمنهج حياة، من وقت ما تبنت فكرها وقناعاتها كدستور منزه عن الخطأ، من وقت ما اعتمدت صوت دماغها صوت وحيد مسموع، من وقت ما امتنعت عن الأخد بالأسباب، من وقت ما بعدت عن الواقع واتعامت عن الوقائع، وجريت ورا أمل كداب…

أنا مشفق عليها، بس للأسف الشفقة والعطف أحاسيس ملهاش صدى ولا هتغير من الأمر شيء… ربنا يتولاها.

*** انتهت ***

زر الذهاب إلى الأعلى