قصص الرعب

اللوحة الغارقة “الجزء الأول”

اللوحة الغارقة
بحب البحر أوي، مش عارف ده ليه علاقة بأن أبويا سماني (بحر) أو لا، وبحب تأجير مركب كل فترة وأدخل في وسط البحر أريح أعصابي من دوشة الحياة، كنت بطلع من العصر عشان أحضر الغروب لأنه وقت رومانسي جدًا، أقعد أصطاد لحد العشا وأرجع.

فضلت أعمل الموضوع ده فترة كبيرة يمكن ٧ سنين، خلالهم كنت بلاقي حاجات عايمة على وش المياه أو بتشبك في الصنارة، حاجات زي جزم، شباك صيد قديمة، شعب مرجانية، ملابس وحاجات كتير من مخلفات المراكب من ورق وبلاستيكات.

لحد ما في يوم لاحظت حاجة عايمة على وش المياه، قربت منها ولقيتها كيس بلاستيك جواه حاجة مربعة زي لوح خشب، طلعتها وشيلت الكيس اللي كان لزج بسبب الطحالب الخضرا اللي عليه، وطلع جوه الكيس لوحة!!

لوحة لبنت جميلة جدًا، فضلت مركز في الصورة كتير من جمالها، اللوحة ليها إطار خشبي متهالك، والبنت اللي في الصورة شكلها أجنبي لأن شعرها أصفر وغالبًا الصورة بترجع للعصر (الڤكتوري) بحسب خبرتي البسيطة في طريقة لبس الفترة دي، لابسة فستان ضخم وراقي مليان تفاصيل، لونه أخضر غامق ومطرز بالدهبي، وكانت لابسة عقد وحلق مطعمين بأحجار كريمة خضرا لون الفستان، بالرغم من إن إطار اللوحة متهالك بس اللوحة نفسها ألوانها زاهية جدًا، واضح إنها معمولة بإتقان.

مكملتش رحلة الصيد بتاعتي ورجعت لأني خلاص أخدت الغرض من ورا الرحلة دي.. إني أهدي أعصابي وأفصل، ولما لقيت اللوحة دي حسيت إني مش عايز حاجة تانية من اليوم، كان ليها تأثير ساحر عليا، روحت البيت وأمي استغربت إني رجعت بسرعة المرة دي وقالتلي:
خير يا بحر رجعت بدري ليه انهارده، وكمان مجبتش سمك! ده أنا بعمل حسابي أتغدى من السمك اللي بتجيبه لما بتروح تصطاد!
طلعت اللوحة وقولتلها:
بصي لقيت إيه..
هي كمان بصت بصه إعجاب كبير للوحة، كملت كلامي وقولتلها:
كل مرة أحكيلك إني لقيت حاجات غريبة في البحر بس أعتقد دي أغربهم، مين الغبي اللي فرط في لوحة بالجمال ده!!

دخلت أوضتي وعلقتها مكان اللوحة اللي كنت معلقها في وش سريري، أنا أصلًا بعشق الفن وعندي لوح وتحف كتير في البيت، وأمي صابرة عليا على أمل إني أتجوز وأفضي لها الشقة من كراكيبي على حد قولها!
يومي أصلًا روتيني.. بصحى أروح المطبعة اللي شغال فيها وأخلص أروح أتغدى وبعدين أنزل لأصدقاء السوء، بعدين أطلع أنام وبعمل رحلات الصيد دي في الأجازة بتاعتي كل فترة، كل أسبوعين وأوقات كل أسبوع.

من كتر تعلقي باللوحة صورتها وحطيتها خلفية تليفوني، صدقوني فيها سحر غريب بتخليني عايز أفضل أبص لها.

لحد ما في يوم جاتلي في الحلم!! البنت اللي في اللوحة، شوفت إنها واقفة حيرانة كأنها تايهة وبعدين بصت لي وابتسمت، وندهت عليا وقالت: “أنت هتنقذني”!
صحيت وأنا مش فاهم حاجة بس مبسوط إني شوفت الجميلة دي حتى لو حلم، حكيت لأمي الحلم العجيب دا، وهي قالتلي:
يمكن عشان أنقذت صورتها يعني، ما بيقولك أن كل لوحة بتترسم لحد بتشيل جزء من روحه.
ضحكت طبعًا على كلام أمي اللي واضح أن الأفلام أثرت عليها، دا غير أنها أصلًا مؤمنة تمامًا إن اللوحة دي أكيد مسكونة عشان البحر مليان عفاريت وإنها بتبصلها لما بتدخل تنضف أوضتي!

الستات الكبار دول عليهم حاجات غريبة، بس مقدرش أنكر إني من جوايا مصدق أن اللوحات بتحمل جزء من روح الشخص.
فضلت البنت تجيلي في أحلامي بشكل متقطع، روحت لكذا جاليري بصورتها اللي على تليفوني أسألهم لو يعرفوا حاجة عن اللوحة دي، بس محدش أفادني، لفيت لمدة أسبوع على أغلب الفنانين وكنت ببعت لناس بره مصر كمان، كلها محاولات فاشلة، فقدت الأمل نسبيًا وقررت إني مش هدور تاني.

بعد أسبوع جاتلي في الحلم تاني وقالت نفس الجملة: “أنت هتنقذني”، صحيت على صوت رسالة جت على الميل بتاعي، فتحتها كانت من رسام كبير في إيطاليا، بيقولي في ما معناه “أنا عارف مين اللي في اللوحة دي، محتاجين نتواصل، ولحد ما نتواصل حط اللوحة دي في صندوق محكم الغلق” !!

استغربت جدًا وقلت يمكن عشان هي أثرية مثلاً فلازم أحافظ عليها، بس بصراحة معملتش كده.
بعت له رسالة على الميل اللي بعتلي منه وقولتله أنا لقيتها في البحر وعايز أعرف تاريخها!.. رد عليا وقالي في ما معناه “أنا كنت مخطط أجي مصر الشهر الجاي، بس أنا جايلك في خلال يومين”.

ضربت في دماغي أفكار كتير، ممكن يكون مش رسام ولا حاجة وجاي ينصب عليا ولا سرقة أعضاء ولا حاجة، وممكن هي لوحة أثرية فعلًا وعايز ياخدها، وأنا طبعًا مش هفرط فيها حتى لو عرض مبلغ كبير.
اليوم ده زارتني في الحلم تاني بس المرة دي مكنتش مبتسمة كانت مكشرة، وقالت حاجة بخصوص رقم (٨)! لما صحيت كنت مستغرب أن الحلم متغير ومش فاكر إيه علاقة رقم ٨ بالحلم دا؟!

بعد يومين استقبلته في المطار، (تينو) رسام إيطالي عنده تقريبًا ٥٠ سنة، شكله وسيم، قصير نسبيًا وتخين شوية.
وصلته الفندق اللي هو حاجز فيه وسيبته يرتاح على ميعاد بينا بليل، روحت وفضلت أتأمل الصورة كتير ولقيت نفسي بكلمها وبقولها لو أنتِ فعلًا عايزة توصلي لي رسالة حاولي تكوني واضحة أكتر من كده، وبعدين قلت إيه الهبل اللي أنا بعمله ده.

روحت ل (تينو) بليل في الفندق فعلًا، الحمد لله أن لغتي الإيطالية جيدة وإلا كان هيبقى فيه مشكلة تواصل، بدأ يقولي احكيلي لقيتها فين وإزاي، حكيت له اللي حصل بالظبط وكمان حكيت له إني بشوفها في الحلم.
ملامحه كانت جادة جدًا وهو بيسمعني وقالي:
اللوحة دي ملعونة وليها قصة طويلة انتهت بأنهم لازم ينقلوها من بلدها الأصلية وتتدفن تحت ظروف خاصة عشان شرها يبقى محكوم، بس السفينة اللي كانت بتنقلها غرقت ومحدش نجى ولا حد عرف اللوحة راحت فين والكلام دا من سنة ١٦٠٨

صاحبة الصورة تبقى (صابرينا) بنت ملك حكم لوقت ما اسكتلندا، المهم دلوقتي إنك تكون حفظتها في مكان أمان ومحكم زي ما قولت لك.

طبعًا أنا خوفت لأن كلامه كان واضح أنه فاهم وكمان وراني وثيقة فيها وصف اللوحه بالظبط!!
قولتله إني معلقها في أوضتي، ملامحه اتبدلت وابتدى يعرق وقالي لازم تجيب اللوحة دي دلوقتي حالًا هنا…..

يُتبع…

زر الذهاب إلى الأعلى