أختبئ خلف شجرة على أحد جانبي الطريق … السماء مظلمه و الضوء الوحيد هو ضوء القمر تتساقط الثلوج من حولي كعلامة على بداية الشتاء و بداية الشتاء هنا تعني أننا تأخرنا … سيعيد السوفييت تشكيل صفوفهم الآن بينما نحن نعاني من البرد … لذا كانت مهمتنا هذه الليلة بسيطة…علينا قطع الإمدادات عن معسكرات الجيش الأحمر من هذا الطريق … علينا تفجير عرباتهم القادمة …
أنظر حولي إلى وجوه زملائي المختبئين … و برغم أن ضوء القمر خافت إلا إنني أستطيع رؤية السحب الرمادية التي تتشكل حول أفواههم بينما تصطك أسناني و تتخبط عظامي بفعل البرد … يا إلهي لن يمكننا أن نتحمل هذا الجحيم لمدة أطول …
آه كم أود العودة إلى بلادي … إن مجرد التفكير فيها يجعل رائحة الحساء الذي تعده أمي يتسابق من مخيلتي إلى أنفي … أستطيع رؤية بيت المزرعة من هنا و مع كل خطوة تصبح الرائحة أقوي … يمكنني سماع صوت أمي وهي تصرخ في أخوتي ألا يمدوا أيديهم إلى الطعام قبل أن أصل إلى المنزل … اقتربت كثيرا … يمكنني أن أرى خيالها من النافذة الآن يمكنني أن أشعر بالدفيء الذي يخترق الجدران ليغلف جسدي و يقيني من برد هذه الحرب … اقتربت من الباب …. مددت يدي لألمس المقبض … يمكنني أن أسمع صوت بكاء أخي الصغير من هنا … أمسكت المقبض بيدي لأحركه و بينما أدفع الباب …
سمعت صوت بوق عربة النقل …ليخرجني من الوهم الدافئ و يوقظني علي واقع مظلم بارد … إن العربة تقترب … نظرت إلى هانز كان يختبئ خلف صخرة بالقرب مني و ينظر إلى الطريق من خلال منظاره ليؤكد شكوكي بكلماته المحطمة من البرد
” إنها تقترب يا إرنست … يمكنني رؤيتها ”
أمسكت بجهاز اللاسلكي و تحدثت إلى الجميع من خلاله
” هينريتش .. استعد للضغط على القابس أما الباقين فاستعدوا…”
قاطعني صوت هانز
” هناك شيء ما خاطئ ”
بدأت أشعر بالتوتر … ماذا يمكن أن يكون ؟ .. هل أرسلوا معها موكبا للحراسة … أن حالة السوفييت الآن لا تسمح لهم بذلك لذا قلت بتوتر
” ماذا تعني ؟ … ما الذي تراه ؟؟ ”
ليجيبني
” إن السيارة … تخرج عن الطريق .. سوف تصطدم بشجرة ما ”
قالها لنسمع صوت الاصطدام مباشرة … ما الذي يحدث بحق الجحيم …
أمسكت اللاسلكي مجددا و تحدثت إلى الجميع
” هينريتش و البقيه ابقوا في مواقعكم أنا و هانز سنتجه الي مكان تحطم العربة … هناك شيء ما خاطئ ”
كان عددنا خمسة عشر جنديا … يا للهول هذا كل ما تبقى منا بعد ثلاثة أشهر متواصلة من القتال و لكن على الأقل لا زلنا نحتفظ بمواقعنا و سيرسلون إلينا التعزيزات قريبا …. انطلقنا أنا و هانز بسرعه إلى مكان التحطم
سمعنا صوت انفجار العربة و استطعنا رؤية ألسنة اللهب تبدد ظلام الغابة حول الطريق … تحركنا بسرعة خشية أن ترانا أي دورية سوفيتية … وصلنا لمكان العربة … كانت تحترق كعود ثقاب وسط ظلام يحاول مقاومة ضوئها …من الانفجار و مشهد النيران يمكن الاستنتاج أنها كانت عربة ذخيرة … لكن ما الذي حدث لها ؟ …
اقتربت بخطوات بطيئة مترددة من كرسي السائق … انحنيت محاولا الرؤية من خلال ألسنة اللهب لكن لا يمكنني العثور على جثة السائق حينها سمعت صوت هانز يناديني
” إرنست عليك أن ترى هذا ”
كان يبعد عني بضعة أمتار خلف العربة … تحركت باتجاهه و وقفت بجانبه لتتسع حدقتي عيني من مشهد تلك الجثة… كانت جثة السائق و من الواضح أنه قفز من العربة قبل الاصطدام … لكن جثته ! … جثته كانت أبشع شيء رئته عيناي منذ معركة ستالينجراد…كانت الجثة ملقاة على بطنها غارقة في بقعة كبيرة من الدم الذي امتصه الثلج … مع فجوة ضخمة في ظهره حيث تم انتزاع عموده الفقري بشكل وحشي …
وقف هانز بجواري يتأمل الجثة ليقول جملته التي أطلقت العنان للرعب ..
” إن ما حدث للسائق ليس مخيفا بقدر معرفتنا أن الشيء الذي فعل هذا لا يزال هنا ! ”
شعرت بالألم في معدتي… هل هذا الخوف ؟ … و لكن ما الشيء الذي قد يشعرني بالخوف بعد الأهوال التي رأتها عيناي في الحرب …أمسكت باللاسلكي و ضغطت على الزر لأحذر البقيه
” هينريتش كونوا على استعداد لأي شيء … هناك شيء ما يحدث حولنا حول ! ”
ما من مجيب على الجانب الأخر فقط تلك الضوضاء الاستاتيكية المزعجة
” هنريتش !! ..أوتو .. فرانك ؟ … هل يسمعني أحد ؟ ”
لكن ما من مجيب … التفت إلى هانز و الذي قد تحولت ملامح وجهه إلى الرعب …ليقول لي
” علينا أن نغادر المكان الآن و نعود إلى الجحر ”
كان على حق … يمكن أن يكون هذا فخا … يمكن أن يكون البقية قد تعرضوا لهجوم ما .. و لكن على الأقل كنا لنسمع شيئا .. .فنحن لسنا بعيدين عنهم…
لذ تحركنا بسرعه … كنا نركض بين الأشجار و بين تلال الثلج في الظلام نقاوم تصلب أطرافنا و يدفعنا الخوف وسؤال واحد … ما الذي قد حدث للبقية ؟ …ولكن إجابة ذلك السؤال لم تتأخر فحينما وصلنا لموقعهم وجدناهم … كانوا جميعا موتى … ممزقون و أشلائهم في كل مكان … استطعت رؤية جسد هنريتش وهو يتدلى من فوق شجرة ما أما فرانك و وأوتو فقد اندثرت ملامحهم …
تصلبت مكاني من الخوف …ما الذي يحدث ؟؟ هل هم السوفييت ؟؟ لكن هانز لم يترك لي فرصة للإجابة على سؤالي فقد صرخ
” علينا أن نتحرك … هيا .. لقد فات الأوان ! ”
لكن ذلك الشيء أخذه في سرعة خاطفة من أمام عيني … لقد أصبح هانز الواقف أمامي الآن في ظلام الغابة و تحت ضوء القمر الذي يخترق أوراقها بلا رأس … لقد أخذ ذلك الشيء رأسه ….
كل ما استطعت سماعه حينها كان صوت البخار …
تسسسسس …
ذلك الصوت الذي تسمعه في القطارات البخارية و لكن كان منخفضا جدا … كنت أشعر بالدفيء خلفي … ذلك الشيء كان يقف خلفي … التفت بحركة بطيئة و أنا أقبض علي سلاحي … التفت حتى يمكنني رؤيته … و حينها … و حينها فقط … حينما رأيته …نسيت كل أهوال الحرب … نسيت أمي و أخوتي و منزلي و المزرعة … نسيت هانز و هنريتش و رفاقي … نسيت هتلر و السوفييت … وكل ما بقى في عقلي هو الرعب … كل ما بقى في عيني هو عيونه اللامعة المضيئة و أطرافه الحديدية التي تشبه الشفرات … لأشعر بالشلل يتمكن من أطرافي …وهو يقترب مني ببطء ..
و مع كل خطوه كان يمكنني سماع ذلك الصوت البخاري … تسسس …
تسسسس…
تسسسس…
و فجأه اشتعلت وسط ظلمات الرعب في عقلي شعلة النجاة … رفعت سلاحي و أطلقت النار في وجهه …استطعت سماع صوت ارتطام الرصاصة بجسده … و أنا أركض بأقصى سرعتي … أحاول الهرب بينما أقدامي تصارع الثلج حتى لا تغوص فيه و بينما أنفاسي تصارع البرد الذي يخترق رئتي …لم أنظر خلفي قط … فقط ركضت … ركضت إلى أن انهارت قدماي …
أختبئ الآن خلف صخرة ما في ظلام هذه الغابة التي بدت بلا نهاية …
أيا كان هذا الشيء … فقد قتل الجميع … أيا كان هذا الشيء فهو ليس من الحلفاء أو السوفييت … إنه الشيطان … الشيطان الذي أتى ليعاقبنا على ذنوبنا …
أستطيع سماع ذلك الصوت البخاري يقترب من بعيد … و يصبح أقوي مع مرور كل ثانيه …
تسسسس….
أمي … لقد اشتقت إليك …
(من مذكرات جندي ألماني مجهول )
رسائلي إلى أمي …. الرسالة الأولى …
مرحبا يا أمي … اشتقت إليك و لأخي الكبير … أعلم أنكم لم تقرأوا مني شيئا منذ ثلاثة سنوات و الآن فجأة تستقبلون رسالة مني … أنا أسف حقا و لكني أحتاج إليكم في هذا الوقت ….
أنا في الحقيقة لا أعلم طبيعة عمل خدمة البريد في مصر و لكني أتمنى أن تصل إليكم رسائلي على الأقل حتى يطمئن قلبك علي يا أمي و تسامحيني على هذه القطيعة …. و لكن حتى و إن لم تصل إليكم رسائلي فسأستمر في كتابتها … فهذا هو الشيء الوحيد المتبقي لي في حياتي هنا …
اليوم أصبحت جنديا في صفوف الحلفاء ….
ربما هذا ليس بالخبر الجيد الذي من المفترض أن أبلغك به في أول رسالة تصلك مني ولكن هذا الخبر يحمل في ثناياه كل ما حدث في الثلاث سنين الأخيرة …
سأحاول أن أقص عليكي كل ما حدث لي في هذه السنين … سأحاول الاختصار و لكني لا أعدك بذلك …فلا أمتلك أحدا أتحدث إليه عما يدور بداخلي الآن لذا اعذريني يا أمي إذا أطلت عليك و إذا أرهقتك بالقراءة …
حينما وصلت إلى بريطانيا منذ ثلاث سنوات … كنت أواجه مشكلة في الدخل و العمل … فكما ترين أن يعثر مهاجر عربي مثلي على عمل هنا هو أمر صعب حتى إجادتي للغة الإنجليزية لم تنفعني …
في البداية … كنت أسكن الشوارع … و التحف بأوراق الصحف في ثنايا الطرق … و ربما أكل قليلا من القمامة و أحيانا يعطف علي المارة … كانت هذه حياتي طول فترة الستة شهور الأولي لي هنا ….
أعلم أن الأوضاع كانت سيئة و لكن كان علي أن أحتمل فلم يبق لي شيء في الوطن بعدما ضحيت بكل شيء في سبيل المركب التي أوصلتني إلى هنا …
كنت أعاني حقا من برد الشتاء و أمطاره …. كان الماء يغرقني و أنا نائم و كنت على وشك الموت مرة حينما دفني الثلج و أنا لا أشعر … استيقظت و أنا على وشك الاختناق …
و لكن كان يجب أن أحتمل و كان بحثي عن عمل و مكان للسكن يستمر بلا فأئده … إلى ان أتي ذلك اليوم …
كنت أجلس علي أحد جانبي الطريق التحف في معطف عثرت عليه في إحدى مقالب النفايات … كان يعاني من بعض القطوع و لكن حالته كانت جيده …
كنت أجلس و أنا أتذكرك يا أمي و أنتي تخيطين لي ملابسي كم أفتقد هذه الأيام … كنت غارقا في ذكرياتي و أنا أراقب المارة وهم يركضون من شدة الرياح و التي حاول أن تزحزحني و لكني كنت كالجبل يقف أمامها بلا حراك …
و لكن بينما أراقب أرجل المارة و هي تركض وقف أمامي ذلك الشخص في معطفه الأسود الطويل و قبعته السوداء و عكازه البني ذو المقبض الفضي اللامع …
كانت عيناه تنظر إلي بشده و أنا أبادله النظر … و لأكون صادقا معكي يا أمي شعرت بالخوف … كانت نظراته تخترقني … كنت على وشك سؤاله عما يريد و لكنه قرر أن يسبق بصوته الفخيم الحازم
” لماذا تجلس هنا ؟ … هكذا ؟ ”
أجبته وانا لا أفهم شيئا
” معذرة ؟ ”
ليكرر بصوت أكثر حزما
” لماذا تجلس هكذا ؟ … أليس لديك مكان تبيت فيه ؟ ”
لم أعلم كيف أجيبه صراحة فنظرت حولي ثم أجبته
” لا … ليس لي مكان أبيت فيه ”
لينحني ذلك الرجل و يمسكني من ذراعي ثم يقول
” هيا تعال معي ”
تأملته قليلا حينما اقترب وجهه مني لألحظ تلك التجاعيد و الشعر الأبيض علي وجهه ليذهب شعور الخوف و يحل محله الاطمئنان…لأقف و أتمشي معه و أدعه يقودني …
هنا تعرفت على مستر جايمس يا أمي … مستر جايمس هو عجوز في الستين من عمره يمتلك مطعما كبيرا و عمالته كلها من المهاجرين الذين قرر مساعدتهم على بدأ حياتهم الجديدة هنا … و أنا كنت محظوظا حقا بمقابلته مما جعلني أتسائل يا أمي … هل دعواتك ما زالت تتبعني حقا ربما لذا أرجوا ألا تتوقف دعواتك أبدا …
و من هنا بدأت حياتي الجديدة …. كنت أعمل في المطعم و حصلت على مكان للسكن و تعرفت على كثير من الأصدقاء المهاجرين و البريطانيين أيضا و لكن كل هذا لا يساوي شيئا أمام الحدث الأهم في حياتي ….
حينما قابلت جاين ….
بعد عام من تعرفي على مستر جايمس العجوز و عملي في المطعم … كنت أراقب تلك الزبونة المعتادة ذات الشعر الأشقر الطويل و العيون السوداء الواسعة و ملامح الأطفال ….كانت تأتي إلينا كل صباح لتشرب القهوة و كنت من أجهزها لها بنفسي …. يمكنك أن تقولي يا أمي أني عشقت هذه الفتاة منذ أول مرة دخلت باب المطعم … كنت أرفض أن يتم تغيير أوقات عملي للمساء حتى أكون موجودا فقط حين تأتي … و كنت أحضر لها طلباتها بنفسي بدلا عن النادل … و استمر هذا الأمر إلى أن جاء ذلك اليوم و استجمعت شجاعتي و تحدثت إليها …
حينها عرفت أنها فرنسيه و تعيش هنا في لندن و أنها تعمل في مصنع للملابس و تأتي إلينا كل صباح قبل أن تذهب للعمل … و بالطبع يا أمي لا حاجة لأخبرك أن حديثنا استمر و أصبح يوميا و علاقتنا تطورت ثم تسارعت الأحداث …
و وجدت نفسي أركع على ركبتي و أخرج علبة الخاتم و الذي دفع ثمنه مستر جايمس كمكافئة لي و أعرض عليها الزواج في وسط المطعم حوالي الساعة السابعة صباحا و أقول
” جاين … هل تقبلين الزواج بي ؟ ”
لتنظر حولها في توتر و تحاول أن تكتم صرختها لتجيبني وهي تبكي من الفرح
” أقبل ” …
و لا أبالغ يا أمي حينما أخبرك أن هذا كان أسعد يوم في حياتي …
و من هنا أصبحت حياتي اليومية في أوج سعادتها حينما اشترينا معا ذلك المنزل الخاص بنا بأموالنا نحن الأثنين و استمرينا في العمل معا لبناء حياة جيدة لنا ثم أصبحت حياتنا أكثر سعادة حينما زاد عددنا فردا و منحتني جاين ابنتي الصغيرة بعد عام من الزواج و التي أسميناها هولي و تعني مقدس يا أمي …
فقد كانت أبنتنا مقدسة لنا حقا … كانت تمتلك جمالا ملائكيا بل و أعطتنا هدفا جديدا لحياتنا نحن الإثنين …. لتستمر حياتنا الرائعة هذه عاما أخر ..
قبل أن يكون لهتلر رأي أخر و يشعل أتون الحرب و يغزوا فرنسا و تتقدم نيران الحرب من إنجلترا ليصلنا القصف النازي …
كانت أول ليلة للقصف … طلبت مني جاين أن أحضر بعض الأشياء للطفلة و حينما نزلت من البيت و اتجهت للمتجر المجاور لنا كان مغلقا …. و اضطررت أن أذهب لمتجر أبعد و بينما أقف بانتظار طلباتي إذا بي أسمع صوت الأزيز …
كانت المرة الأولى في حياتي أسمع فيها صوت طائره … حينها نظرت إلى الرجل في المتجر أمامي و قد بدا عليه الرعب حينما قال
” يا إلهي هل سيفعلون ؟ ”
لأجيبه
” لا تقلق قبل أي قصف يعمل صوت الإنذار ”
لم تكد إجابتي تكتمل حتي اهتزت الأرض من تحتنا معلنة عن بداية القصف … و من بعد أول هزة تصاعدت أعمدة النار خلف البنايات و المنازل و بدأ الناس بالصراخ و بدأ صوت الإنذار بالعمل …
تركت ذلك الرجل و بدأت بالركض … على أن أكون هناك … مع زوجتي و أبنتي على أن أكون منهم … دعوت الله كثيرا ألا تطولهم القذائف … ركضت بأقصى سرعتي و النار تتمدد حولي و البشر يتساقطون و يصرخون في كل مكان .. و أنقاض هنا و أنقاض هناك و لكن لا بأس
سنكون بخير .. ستكون عائلتي بخير … كان منزلي في نهاية الشارع …و قد اتسعت عيناي و تسارعت ضربات قلبي كلما اقتربت منه لأراه في النهاية ….
مجرد أنقاض على الأرض … منزلي تحول لركام … نظرت حولي و أنا أصرخ و أنادي عليهم …
” جااااين !!! …. هولي !!! ”
أدعوا الله أن يكونوا قد خرجوا في الوقت المناسب و لكن ما من مجيب … و كل من حولي يصرخ في مصابه …
جاء الصباح و استخرجوا الجثث … جثة زوجتي و ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز العام بعد … ثم علمت بعدها أن مطعم مستر جايمس قد قصف و توفي مستر جايمس و معظم زملائي … لقد خسرت حياتي كلها في ليلة واحده …
لقد أخذوها مني يا أمي … لقد أخذ هتلر و النازيون مني حياتي …
أردت أن أنتقم … أردت أن أثأر … دمائهم هي كل ما سيريحني الآن لذا انضممت للجيش البريطاني … فقد كانوا في حاجة إلى جنود بعد انسحاب مدينة دانكيرك و أصبحوا يجندون المهاجرين …
لهذا انضممت … سأثأر منهم جميعا …..
……………………………
رسائلي إلى أمي …. الرسالة الثانية …
أعتذر يا أمي لتأخر رسالتي الثانية … أشتاق إليك كثيرا و لأخي … هل ترسلون لي الرسائل ؟ … لأني لا يصلني شيء منكم … أو ربما فقط لم تصلكم رسالتي و ربما أيضا تكون رسالتي هذه صاحبة حظ أوفر …
حدث الكثير يا أمي خلال الثلاثة أشهر الذين مروا منذ رسالتي الأولي … و أنا الآن ملقي على سريري في المستشفى أتعافى من إصابتي …يا إالهي لقد حدث الكثير خلال هذه المدة الصغيرة …
في البداية أرسلونا لمعسكر تدريب استمر لشهر … كانوا يعاملوننا نحن المهاجرين بشكل مختلف … بالطبع تفهمين أننا هنا مواطنون من الدرجة الثانية لذا هذا شيء طبيعي …
بعد الشهر أرسلونا إلى الجبهة برفقة الجنود الأمريكيين … كنا نقاتل في فرنسا و أقاتل في كتيبة المشاة 51 …
في ذلك اليوم كنا نحاصر ذلك المنزل الذي يتحصن به بضع جنود ألمان كانوا يستخدمون المدافع الرشاشة من النوافذ مما جعلنا لا نستطيع الاقتراب من ذلك المنزل و بالتالي أفقدونا القدرة على التقدم …
و بينما كنت منهمكا ليلا في واجبي في الحراسة وجدت قائد الكتيبة وهو يتقدم نحوي ليقول لي
” هذه يجب أن تكون أخر ليلة لنا هنا يجب أن نتقدم ”
لأسئلة
” و ماذا سنفعل مع هذا المنزل ؟ ”
ليبتسم و يجيبني
” لهذا أنا أخترتك … أحتاجك معي في مهمة صغيرة … سنستغل ظلام الليل و نزرع المتفجرات أسفل قواعد المنزل ثم نفجره لينهار فوقهم ”
” فكرة جيده أيها القائد و لكن فيها مجازفة و لا أظن أني أريد خوضها ”
لتتغير ملامحه و يتكلم بحزم
” هذا أمر أيها الجندي ”
و هنا فهمت لماذا اختارني يا أمي … أنا مهاجر عربي … وهو لا يهتم إذا فقد مهاجرا مثلي من بين جنوده … و نفذت الأمر و عند منتصف الليل تحركنا باتجاه المنزل و نحن نحمل القنابل و بينما بقية كتيبتنا تراقبنا على استعداد …
تحرك القائد أمامي و أنا خلفه مباشرة نتسلل من بين الأنقاض إلى أن وصلنا لقواعد المنزل … زرعنا قنابلنا حول الأعمدة الأساسية ثم بدأنا بالانسحاب ونحن نجر سلك التفجير خلفنا …
و لكن بالطبع لا يمكن أن تنتهي مهمتنا بسلام … فبمجرد أن خرجنا من أسفل المنزل بدأ الرصاص ينهال علينا من خلفنا … لقد رآنا الجنود فبدأنا بالركض و الطلقات تطاردنا … و قبل أن نصل إلى الأخدود الذي نتمركز فيه عاجلت رصاصة رقبة القائد ليسقط صريعا على الأرض بينما أصل أنا بسلام و أضغط على زناد التفجير فينهار المنزل على ما فيه معلنا نجاح مهمتنا …
و لكن كتيبتنا فقدت قائدنا و قبله كنا قد فقدنا نائبه و لم يمتلك القائد الوقت الكافي لاختيار نائب أخر منا قبل موته لذا أصبحت كتيبتنا الآن بلا قائد ..
حينما تحدثنا إلى القيادة ليخبرونا بالأوامر أخبرونا التالي
” عليكم اختيار قائد منكم قبل أن تتقدموا ”
و بالطبع كان الجميع خائفين و لم يجرؤ أحد على التقدم و في النهاية قرروا اختياري … بالطبع فأنا من اختارني القائد لأرافقه قبل موته و بهذا أصبحت قائد كتيبتي …
بدأت الأمور بالتحسن في الشهر التالي … فقد انتصرنا في العديد من المعارك و ذاع صيت كتيبتي و بالتالي أصبح إسمي مشهورا في أوساط الجيش …. و لكن أفضل ما حدث هو أن أفراد كتيبتي أصبحوا يحبونني لقد أنقذت الكثير منهم من الموت و فقدنا الكثيرين أيضا و يريدون الآن أن يردوا لي الدين …
مما يجعلني يا أمي أبدا في حكاية سبب وجودي على السرير هنا …
منذ حوالي أسبوعين كانت كتيبتي ضمن قافلة كبيره تتحرك للخطوط الأمامية للقتال … كنا ليلا نتحرك بين الغابات و الظلام يحيطنا من كل اتجاه ولا ضوء غير ضوء كشافات حاملات الجند التي نركبها …
كنت أجلس في الخلف مع الجنود حينما رأيت أحدهم يمسك صورة بين يديه و يتأملها على ضوء كشافه الخاص بينما الجنود نائمون من حوله …
كان لا يزال أمامنا ساعات حتى نصل لوجهتنا فقررت أن أفتح حوارا معه
” مرحبا …ما أسمك ؟ ”
لم ينتبه لي في البداية و لكنه سرعان ما أفاق من شروده ليبتسم بإحراج و يجيبني
” أوه … أسف أيها القائد … إسمي والتر ”
” أنت جديد في كتيبتي أليس كذلك ؟ ”
” نعم يا سيدي ”
بدا الفتي صغيرا في السن لذا تساءلت
” هل حاربت معركتك الأولي ؟ ”
لينظر حوله و يرد بإحراج
” لا … ليس بعد ”
ابتسمت له لأخبره
” إذا ستكون معركتك الأولى معي … و عليك أن تحمي ظهري … هل يمكنني الاعتماد عليك ؟ ”
ليتزايد إحراج الفتى و يجيب
” بالطبع … بالطبع أيها القائد ”
و فجأه سمعنا صوت صراخ أحد الجنود مما أيقظ الجميع …
” كل الجنود لينزلوا الآن و يستعدوا للاشتباك ”
صرخت فيهم بينما أترجل من الحاملة و الكل ورائي … كان الظلام يحيطنا ولا نري إلا علي أضواء الكشافات … ننظر حولنا في كل اتجاه ولا نعلم ما الذي يحدث … هل هو هجوم ؟ فخ ؟ … لم أعلم …فقط صرخت فيهم ..
” هل يري أحدكم شيئا ؟؟ ”
و لكن إجاباتهم جميعا كانت بالنفي قبل أن نسمع صوت صراخ أخر ثم إطلاق النار … نظرت إلى والتر و أخبرته أن يبقى بجانبي … فزع الجميع و بدأوا بإطلاق النار في كل الاتجاهات …
و لكن مهما أطلقنا النار في كل اتجاه كان الجنود يختفون من حولي و هم يصرخون …. بل رأيت أحدهم يحاول رمي قنبلة يدوية قبل أن تقطع يده في لمح البصر فتسقط أسفل الحاملات
و انفجرت حاملات الجند الثلاثة مما ألقتنا جميعا بعيدا …
كانت إصابتي بالغه … و بمجرد أن أفقت من الصدمة و وقفت علي قدمي من بين فروع النباتات و الشجر رأيتهم … مسوخ يلتهمون جثث رفاقي الملقاة علي الأرض … كانوا مزيجا مرعبا بين جثث الموتى بأطراف إليه …
” يا إلهي هل وصل الألمان لهذا الحد ؟! ”
كان هذا السؤال الذي تبادر إلى عقلي قبل أن ألحظ أحدهم وهو ينظر إلي و كان على وشك الهجوم … رفعت بندقيتي بيدي المصابة و تحملت الألم الذي يفتك بوعيي فقط لأطلق النار عليه و بمجرد أن قفز … ظهر من العدم و دفعني ليسقط فوقي … كان والتر من أنقذني من هجوم ذلك المخلوق لأرى الرعب في عينيه قبل أن يمسك المخلوق بقدمه ويسحبه وهو يصرخ … ليصمت بعدها معلنا ارتقاء روحه ….
بقيت ملقي على الأرض لا أمتلك القدرة علي الوقوف و جروحي تنزف بشده إلى أن فقدت الوعي …
ثم أفقت هنا في المشفى … لم أعلم ما الذي حدث ولا كيف وصلت إلى هنا و لكنهم أخبروني أن هناك دورية للجيش قد مرت من على الطريق و شاهدت المجزرة إلى حدثت بحق كتيبتي … لقد ماتوا جميعا … و هناك و بين الأشجار عثروا علي و أنقذوني … و ها أنا هنا يا أمي …
و لكن اليوم حدث شيء غريب … فقد جاء إلي رجل غريب ببذلة أنيقة جلس بجواري و بدأ بالحديث
” مرحبا أنا العميل ريد من المخابرات البريطانية … أنا هنا لأنك قد شهدت علي سلاح سري استخدمه الألمان لتغيير كفة الحرب ”
” أنا لا أفهم … أي سلاح ؟ ”
” السلاح الذي قتل كتيبتك حضرة القائد … هؤلاء المسوخ هم سلاح ألماني جديد ”
نظرت إلى سقف الغرفة و أنا أجيبه
” لذا لقد كان ظني صحيحا … و ما الذي تريده المخابرات مني الآن حضرة العميل ؟ ”
نظر حوله ثم التفت إلي ليجيب
” بما أنك ناج من اشتباك مباشر معه فأنت على قمة أولويات أعضاء الفريق الذي نجهزه … لقد استطعنا تحديد الشخص المسؤول عن هذا السلاح و هو جنرال ألماني يختبئ في ضواحي مدينة دريزدن … هذا الفريق هم من مقاتلين اشتبكوا مع هؤلاء المسوخ … و سوف يقوم باغتيال هذا الجنرال و المسمى با ألبرت شتروهايم ”
” هل لي خيار أخر ؟ ”
ليجيب بجمود
” لا … ستتحرك و تنضم للفريق بعد أسبوع لتجهزوا للعملية ”
ثم قام و غادر الغرفة … لا أعلم يا أمي حقا هل سأعود من هذه العملية أو لا ولكن أرجوا أن تحميني دعواتك … وداعا …
………………………
رسائل إلى أمي …. الرسالة الثالثة …
مرحبا يا أمي … اشتقت إليك كثيرا و لأخي …
لقد مضي شهر منذ أخر رسالة أرسلتها … و أنا أستعد لعملية جديده سننطلق إليها بعد يومين … و لكن حدث الكثير هذا الشهر لذا دعيني أخبرك يا أمي بما حدث …
بعد أسبوع من أخر رسالة لي … انضممت لمجموعة من الجنود …كلهم شاهدوا هذه المسوخ و كلهم فقدوا أصدقائهم بسببهم .. لذا نحن حقا كنا المجموعة المناسبة لهذه المهمة فقد كانت مشاعرنا للانتقام دافعنا الأساسي لخوض مهمة خطيرة خلف خطوط العدو …
كانت قيادة المخابرات قد حددت منزل الجنرال الألماني المسئول عن عملية المسوخ هذه … و كانت مهمتنا بسيطة … سيسقطوننا بالمظلات حول المنزل … سنقبض على الجنرال و نخرج به لنقطة التقاط و نعود به إلى القيادة حيث سيتم استجوابه … مهمة بسيطة …
لذا تحركنا بسرعه و ركبنا طائرتنا التي ستتسلل بنا خلف الخطوط الألمانية…. كنا نجلس بمظلاتنا أمام بعض .. كان عددنا حوالي الشعرة جنود … لا أحد منا يتحدث إلى الأخر فقط … لا أتحدث عن نفسي فقط هنا و لكن الرعب على وجوه هؤلاء الجنود يحكي الكثير عما رأوه …
أسقطتنا الطائرة في إحدى غابات ضواحي مدينة دريزدن ….هبطنا إلى الأرض و تحركنا بهدوء بين الأشجار إلى أن وصلنا إلى ذلك المنزل الكبير الذي يسكنه الجنرال …
كان واضحا من عدم وجود حراسة أنه منزل خاص يقضي فيه الجنرال أجازته بعيدا عن أجواء الحرب … تقدمنا إلى المنزل بحذر و استغللنا ظلام الليل … و تسللنا من خلال نوافذه …
سأكون صريحا معكي يا أمي لقد كنت أشعر بشيء ما داخلي و لكن لم أستطع تحديد ملامحه … فقط لم أكن مطمئنا من هذا الهدوء الغريب …
دخلنا إلى المنزل و قسمنا أنفسنا إلى فرق و بدأنا بتمشيطه … لم نعثر على أي شيء لا حراس و لا عائله و لا أي شيء كان المنزل فارغا تماما مما جعلني أشعر بالتوتر …
بعد دقائق و أثناء عملية تمشيطنا تحدث أحدنا إلينا على جهاز اللاسلكي ليقول
” تعالوا إلى غرفة المكتب في الدور العلوي بسرعه لقد عثرنا عليه ”
و بخطوات يسبق بعضها بعضا صعدنا إلى الدور العلوي و منه إلى غرفة المكتب لنجتمع هناك و نحاصر الجنرال و لكن ذلك المشهد و تلك النظرات التي نظر بها إلينا … هذه ليست نظرات شخص محاصر …
حافظ على صمته وهو ينظر إلينا لأتقدم الفريق و أتحدث إليه
” الجنرال ألبرت شتروهايم … عليك أن تأتي معنا الآن ”
ليبتسم و يتحدث الإنجليزية بلهجة ألمانية و لكن الفزع قد سيطر على صوته
” أتي معكم ؟ … أنتم لا تفهمون … لقد عثر علي قبلكم … لقد انتهى كل شيء بالنسبة إلي … وأرجو أن ينتهي معي … أظن أن عليكم الهرب الآن ! ”
ليرفع يده بمسدس و يوجهه إلى رأسه في ثوان ويطلق النار على نفسه قبل أن نستطيع فعل شيء… و فجأه تنقطع الكهرباء و يعم الظلام و قبل أن ندرك ما يحدث يخترق ذلك الصوت الغريب البخاري أذاننا …
تسسسس
تسسسس
لندرك أننا لسنا وحدنا قبل أن يصرخ أحدنا …
” يا للهو …”
و يصمت إلى الأبد لنشعل كشافتنا و نرى ذلك المسخ وهو يتحرك بسرعه حولنا و نحن نحاول إطلاق النار عليه ليتجه إلى نافذة الغرفة و هو يمسك بأحدنا وهو يصرخ
” لا تتركوني أرجوكم … أقتلوه … أقتلوه !! ”
ليحطم المسخ النافذة و يقفز منها مع صديقنا الذي أمسك به …
ركضت إلى النافذة بسرعه لأحاول اللحاق بالمسخ بنظراتي لأحدد الاتجاه الذي هرب منه و لكن كل ما رأيته هو جثة صديقنا و الذي يبدو أن المسخ استخدمها ليسقط عليها قبل أن يهرب و يختفي في الظلام …
و هنا فشلت مهمتنا لنعود إلى قاعدتنا خائبين و قد فقدنا إثنين من أصدقائنا …
ما حدث بعد ذلك أنهم أبقونا معا في مكان خاص بنا قبل أن يتم استدعائي لمكتب جنرال في الجيش البريطاني اسمه أندرو دايف و الذي أراد أن يتحدث معي بشكل خاص ….
جلست معه في مكتبه ليجلس أمامي بزيه العسكري و رأسه الأصلع و ملامحه القاسية … لم أعلم لماذا يريد الحديث معي لذا التزمت الصمت و قرر هو الأخذ بالمبادرة …
” نحن نعلم بتلك الرسائل التي ترسلها إلى أمك ”
لتتغير ملامحي و أشعر بالخوف و قبل أن أحاول تبرير موقفي يكمل حديثه
” و أنت تعلم أن ما هو مكتوب فيها أسرار عسكريه لا يمكن البوح بها لذا نحن نحتفظ بهذه الرسائل … يجب أن تعرف أننا لا نمانع فكرة أن يكتب الجنود رسائلهم فهذا يحافظ على حالتهم العقلية من الجنون خلال أهوال الحرب و لذلك نحن نحتفظ بالرسائل إلى أن تنتهي الحرب ثم سنعيدها إليك … اتفقنا ؟ ”
لأجيبه و أنا أحمد الله داخلي
” اتفقنا حضرة الجنرال و لكن … أظن أنني لست هنا بسبب الرسائل فقط أليس كذلك ؟ ”
ليبتسم ويجيبني
” بالطبع … أنت هنا لأنك ستتولى قيادة فرقتك في مهمة جديده … كما تري فقد استطاع علمائنا تحديد طبيعة هذه المسوخ بعدما نجحنا في إمساك أحدهم … و قد توصلوا أنه يتم التحكم به عن طريق إشارات كهرومغناطيسية مصدرها مكان ما على الحدود الفرنسية البولندية لذا ستتحرك أنت و فرقتك إلى هذا المكان و تنهوا كل شيء هناك … نريد منكم تدمير كل شيء …”
” و المسوخ حضرة القائد ؟ … إنهم يفوقننا قوة و سرعة و لا يمكن لفرقتي أن تخترق هذا المكان إذا كان كما قلت هو مصدرهم سنحتاج إلى جيش حتي نستطيع اختراقه فقط ”
” دع هذا الأمر إلى علمائنا … فقد استطاعوا تصميم جهاز تشويش سيقطع هذه الإشارات عنهم و بالتالي سيبقون في حالة ثبات … لقد تم تجربة الجهاز بالفعل على أسيرنا المسخ و لكن لم تتم تجربته بعد في الجبهة و هذا هو الوقت المناسب ”
” و لكنها ستكون مجازفة ”
” الحرب مجازفة … و لا يجب أن أخبرك أنها أوامر بالطبع ”
” بالطبع حضرة الجنرال ”
و كان هذا نهاية اجتماعنا يا أمي … و بما أني قد علمت أن رسائلي هذه لن تصلك فقد شعرت ببعض الراحة على الأقل لن انتظر ردا … فقط أتمنى أنك تستمرين بالدعاء لي … نحن الآن نستعد لمهمتنا … سأكتب رسالة أخري بمجرد أن أعود …. إن عدت حيا
………………………
رسائلي إلى أمي …. الرسالة الأخيرة …
أمي … أشتاق إليكي كثيرا … أحاول الحفاظ علي وعيي و أنا كتب هذه الكلمات بيد أكاد أفقد السيطرة عليها و بينما دموعي تنسال من عيني …
لقد إنتقمت ممن قتل جاين و هولي يا أمي …
في البداية … وصلنا الي المكان المقصود … قاعدة المسوخ … كانت عباة عن مستشفي مهجور وسط محيط من أشجار الغابه … إختبئنا خلف الأشجارو راقبنا المكان لساعات … رأينا المسوخ وهي تجر ورائها جثث الجنود لداخل المبني … جنود بريطانيين وأمريكيين و سوفييت و ألمان !! ..
صرخ أحد الجنود معي
” يا للهول إنهم يقتلون الجنود الألمان أيضا ! … هل تفهم ما يحدث هنا ؟؟ ”
لأجيبه و أنا أراقبهم بحذر
” لا … أنا لا أفهم …. و لكن علينا التحرك الأن ”
أخرجنا ذلك الجهاز الذي صممه علماء الحلفاء … كان جهازا مكعب الشكل و كبير الحجم …و يحمل مقياسا ما لم أفهم ماذا يقيس و زرا كبيرا في منتصفه … بالطبع قبل أن ننطلق أخبرونا أن الزر الكبير هو ما سيجعله يعمل لذا ضغط عليه ثم عدنا لمراقبة المسوخ …
و قد حدث ما توقعوه تماما … لقد توقفوا جميعا في أماكنهم و كأنهم تحولوا لتماثيل …خرجنا من بين صف الأشجار لنتقدم باتجاه المبني بحذر بين أجساد المسوخ التي تجمدت …
مررت بينهم لألحظ ذلك المسخ ذو وجه المألوف … يا إلهي … لم أرهم عن قرب من قبل … المسوخ كانوا عبارة عن أجساد جنود موتي مندمجين مع ما يشبه الأطراف الصناعيه .. و … و رأيت بينهم وجه والتر …
يا الله … لقد حولوه لمسخ …
شعرت بذلك الحزن يخترق جسدي و يعتصر قلبي … لقد أنقذني هذا الفتي من قبل و لا يستحق هذا المصير …
كان علينا أن نتابع … تحركنا الي داخل المبني .. و بدأنا بتمشيطه … وجدنا شيئا يشبه السير الميكانيكي توضع عليه جثث الجنود … و هذا السير يقود الجثث الي آلة عملاقة تخرجهم كمسوخ علي الجانب الأخر …
و أمام هذه الألة كان يوجد مكتب شخص ما … و لكن المكتب كان مليئا بالغبار و فارغا إلا من مذكرات شبه مهترئة قديمه …
أمرت الجنود بأن يكملوا تمشيط المكان فلابد أن يكون هناك شخص مسئول هنا عن هذه الآلة الوحشية …. و تقدمت من المكتب لأمسك هذه المذكرات و الذي كتب علي غلافها …
” مذكرات البروفيسور إبراهام شتاين ”
فتحت المذكرات و بدأت بتقليب الصفحات و التي كانت قد إهترئت لتعلن عن زمن طويل قد مر عليها هنا … و لكن في الصفحة لأخيره كان هناك مقطع ما بالإنجليزيه يمكن قرائته …
” هذا اليوم الأخير لي قبل أن أدخل نفسي في الألة …. لقد صممتها لأنقذ إبنتي من الموت … و قد فشلت … أرادني الألمان أن أصنع لهم سلاحا من جثث جنودهم … و الأن البريطانيين يريدون أن أفعل لهم نفس الشيء … و لكن لا …سأنهي هذه الحرب بنفسي و سيكون غضبي عليهم هو ما سيجعل الألة تدمرهم … الأن سأندمج معها … الأن سيحرق غضبي من قتلوا إبنتي ”
” شيء محزن أليس كذلك ؟ ”
فاجئني ذلك الصوت ن خلفي و قد كان مألوفا لألتفت و أراه يقف أمامي …
الجنرال أندرو دايف يقف وسط فرقة من جنوده و الذين يوجهوا بنادقهم باتجاهي …
نظرت و إليه و أجبته
” أنا لا أفهم … ما الذي يحدث هنا حضرة الجنرال و لماذا أنت هنا ؟ ”
تقدم الي الأمام و إبتسهم ليجيبني
” أنا هنا لأشرف علي نهاية كل شيء و نهاية الشهود كذلك ”
قالها ليأتي أحد الجنود من خلفه راكضا و يحدثه أمامي و يقول
” لقد إنتهينا … كل أفراد الفرقة قتلوا … لم يبقي الي هو حضرة الجنرال ”
قالها وهو يشير إلي … شعرت بالحيره … أنا لا أفهم ما يحدث و لكني صرخت
” قتلتهم ؟؟ … لماذا ؟؟ ”
ليجيبني
” و هل يجب أن تعرف ؟؟ … دعني أفكر قليلا ”
إلتزمت الصمت بينما يكمل حديثه
” حسنا … أظن أن هذا حقك بما أنك ستموت الأن …ذلك العالم الذي تمسك مذكراته … إبراهام شتاين هو عالم ألماني كان يحاول صنع آلة تبقي إبنته المريضة حية باستخدام نقود النازيين لكن الألمان كانوا يضغطون عليه ليصنع لهم سلاح يغير كفة الحرب و حين لم يجدوا منه نتيجة أوقفوا دعمهم له … و هنا تدخلت أنا و أقنعته بالعمل عندي مقابل الدعم الذي سيبقي إبنته حيه الي أن ينهي آلته تلك و لكن بدا أنه كان يحتاج لبعض التحفيز لذا قتلت إبتنه و طريقتي بالفعل قد نجحت فقد أنهي آلته بعدها بوقت قصير …
المشكلة الأن أنني أردت إستخدام الآلة بأسرع وقت ممكن و لذك كنت أحتاج لتأييد القيادة العسكرية … فقررت أن ألعب لعبة صغيره و أؤخر صوت إنذار القصف علي لندن ليموت الكثير من المدنيين و بالتالي أقنعهم باستخدام الآله و هذا ما حدث و لكن بمجرد أن شغلناها فقدنا السيطرة علي المسوخ و أصبحت تشكل تهديدا لنا بل و أصبح الشهود علي وجود المسوخ أمثالكم تهديدا مباشرا لي … لذا كان يجب تجربة جهازي الجديد الذي يعطل إشارات هذه الآله و أتخلص من الشهود و الذين هم أنتم في عملية واحده …
عصفورين بحجر واحد كما يقولون ”
لم أصدق … إنهرت علي الأرض أمامه و أنا أبكي من الألم … طوال هذا الوقت كنت أبحث عن الإنتقام ممن قتل عائلتي … و كان هو ذلك الجنرال …
إنضممت الي الحرب لأٌقتل النازيين و كان عدوي أمامي طوال الوقت … رفعت رأسي لأنظر إليه و أنا أرفع سلاحي لأطلق عليه النار و أقتله و لكن حراسه كانوا أسرع و أطلقوا علي النار لأسقط غارقا في دمائي …
إستطعت سماع صوت خطواته تقترب مني ليقف أمامي و ينظر إلي وهو يقول لجنوده
” هيا ألقوا بجسده في الآله سنعيد تشغيلها ”
و لكني لم أمت بعد … حملوا جسدي و تحركوا به باتجاه السير … و لكني لم أمت بعد …وضعوا جسدي علي السير و شغلوا الآلة ليتحرك ساحبا جسدي الي داخلها … و لكني لم أمت بعد …
دخلت الآلة و شعرت بألم المسامير وهي تخترق عمودي الفقري و قطع المعدن التي تخترق رأٍسي لتشعل بها الألم … ولكني لم أمت بعد …
إخترقت شرائح المعدن جسدي و أطرافي لتحولني الي مسخ … و لكني لم أمت بعد …
خرجت من الآلة مسخا بشعا … و لم أمت بعد …
كنت ما أزال حيا … كنت أستطيع سماع إشارة الآلة وهي تصدر لي الأوامر بعدما شغلوها مرة أخري ولكني كنت حيا … كنت ما زلت بإرادتي الحرة …
قاومت سيطرة الألة …تحركت باتجاه جنود الجنرال و الذين لم يتوقعوا ما حدث … هجمت عليهم بسرعة كمفترس علي طعامه … مزقت جثثهم و حولتهم لأشلاء …
حاول الجنرال الركض … و لكني كنت أسرع … حاول التوسل و لكني قد فقدت بشريتي … حاول قتل نفسه و لكني قد أنقذته …
قيدته بالألة … و سأشعل النار في كل شيء … سأدمر كل شيء … المسوخ و الآلة و الجنرال … الجنود و المسوخ و الجثث و ذكرياتي … سيحترق كل شيء في هذه النار …. و ستكون محرقتي و محرقتهم …. سأترك هذا الرسالة في الخارج عسي أن يجدها شخص ما مع المذكرات …
و داعا يا أمي …
………………….
تم العثور علي مذكرات البروفيسور إبراهام شتاين و داخلها رسالة هذا الجندي المجهول … أنكر الألمان و البريطانيون بعد الحرب علاقتهم بما يسمي مشروع الآلة السري…و قيل أن الجنرال أندرو ديف قتل خلال إشرافه المباشر علي معارك الجبهه …و كذلك الجنرال الألماني ألبرت شتروهايم ..
المذكرات و رسائل الجندي المجهول يتم الإحتفاظ بها حتي الأن في الطابق المحذور داخل مبني المخابرات البريطانيه ….
اقرأ أيضاً