تكنولوجيا

المحرك النجمي

بقلم: محمود علام

المحرك النجمي
هاتي ورقة وقلم واكتبي معايا يا ست الكُل، النهارده هحكيلك على طريقة تحريك الشمس، ومعاها كواكب المجموعة الشمسية كلها، لأي مكان إحنا نختاره في المجرة..

فاكراني بهزر؟ طب تعالي أفهمك غلطك بهدوء وعلى رواقة كده، واعمليلنا كوبايتين شاي من إيدك الحلوة.

 

أول حاجة، تخيلي كده إن هييجي يوم في المستقبل البعيد جدًا، ونلاقي كوكب الأرض بتاعنا، أو المجموعة الشمسية كلها، مهددة بخطر كوني كارثي قادر يهدد النظام الشمسي كله بالفناء.. وخلي بالك أنا هنا مش بتكلم عن مجرد نيزك مثلًا، ولا كويكب.. لا كبرنا إحنا على الحاجات دي، أنا بتكلم مثلًا عن انفجار نجم قريب مننا شوية، أو مثلًا سيل من النيازك اللي هو بيقولوا عليه Asteroid Shower.. الحاجات العظيمة دي اللي بنسمع عنها في علوم الفلك، وعمرنا ما بنتصور إنها ممكن تحصلنا!

 

تفتكري ساعتها ممكن نعمل إيه؟ مش عارفة صح؟ قلبي بس الشاي، وحطي نعناع عشان بحبه، وتعالي أحكيلك..

 

النجاة من الكارثة في الحالة دي مش ممكن أبدًا تيجي بأي طريقة غير إننا نهرب، طب إزاي؟ إحنا بنتكلم عن كوكب الأرض كله، ونظام شمسي بحاله، إزاي ممكن نحرك الأجسام الكونية العملاقة دي من مكانها، عشان نهرب من النجم اللي هينفجر، ولا سيل النيازك اللي جاي طاير على 180 ومعاهوش فرامل ده؟

 

قبل ما تسألي، أنا عارف كويس إنك بتتسائلي من جواكي إزاي إحنا هنعرف أصلًا إن حاجة زي كده هتحصل.. والحقيقة إن التطور التكنولوجي اللي وصل له البشر حاليًا في علوم الفلك والفيزياء الكونية Astrophysics، ورصد الفضاء، أقدر أؤكدلك جامد جدًا إننا هنعرف إن كارثة زي كده هتحصل، قبلها بملايين السنين حرفيًا.. يعني هيكون عندنا فترة تقدر بملايين السنين، عشان نقدر نحل المشكلة قبل ما نظامنا الشمسي كله يتلاشى من الوجود.. وقبل ما تتنفسي بارتياح وتقولي إن خلاص المشكلة اتحلت، خليني أقولك إن ملايين السنين دي فترة قليلة جدًا بمقاييس الفلك والكواكب والنجوم!

 

خلينا نتكلم واحدة واحدة..

 

أول حاجة خليني أقولك على العالم العبقري اللي ابتكر الطريقة اللي هحكيلك عنها دي، واتسمت على اسمه.. العالم الأمريكي ماثيو كابلان Matthew Caplan، من جامعة ولاية إيلينوي Illinois الأمريكية.. والحقيقة إنه ابتكر الطريقة دي بناءً على طلب قناة اليوتيوب التعليمية الألمانية الشهيرة kurzgesagt، واللي بعدها عملوا فيديو يوتيوب رائع شرحوا فيه الفكرة، وبعدها هو نشر الموديل اللي هو صممه ده في مجلة Acta Astronautica..

 

طب تعالي نتكلم بقى على الفكرة كده ببساطة..

 

بصي، الجهاز العملاق ده فكرة عمله ببساطة بالظبط زي فكرة عمل الصواريخ مثلًا.. اللي بيحصل بالظبط وبأكبر قدر ممكن من التبسيط هو إننا أول حاجة هنحتاج نشيد محطة فضائية عملاقة، هتكون مجهزة بمفاعلات نووية إندماجية Fusion زي اللي اتكلمنا عنها قبل كده.. المحطة الفضائية العملاقة دي هتكون موجودة قدام الشمس بالظبط، وبتشتغل بالظبط زي الصواريخ.. باستعمال حقول عملاقة من الطاقة الكهرومغناطيسية، بتاخد طاقة الرياح الشمسية أو الـ Solar Winds، وتحولها لهيدروجين Hydrogen وهيليوم Helium..

 

ملايين المليارات من أطنان الطاقة بتستخلصها بالطريقة دي، وتحولها من خلال المفاعلات الإندماجية اللي جواها، لطاقة دفع، بطريقة بسيطة جدًا.. بتحول الهيليوم من خلال حرقه بداخل المفاعلات الإندماجية، إلى حاجة اسمها (أكسجين 14) (Oxygen 14)، وده نوع من الأكسجين المطور، بيكون مُشِع.. وبعدين بتطلق الأكسجين المشع ده من خلال محرك نفاث زي الطيارات النفاثة بالظبط.. بتطلق الأكسجين ده من المحرك النفاث اللي ورا، بسرعة لا تصدق، تقدر مثلًا بـ 1% من سرعة الضوء كبداية!! والسرعة دي بتتعاظم مع مرور الوقت..

 

خلي بالك كمان إن الحقول الكهرومغناطيسية دي لوحدها مش هتكون كفاية عشان تستخلص قدر الطاقة المطلوب لتحقيق ده.. وعشان نقدر نوصل للقدر العملاق ده من الطاقة، هنحتاج إننا نصمم بناء عظيم حوالين الشمس اسمه (كرة دايسون Dyson Sphere).. ده باختصار هو عبارة عن مرايات أو ألواح طاقة شمسية Solar Panels عملاقة تحيط بالشمس كلها، وتركز الطاقة بتاعتها كلها على نقطة معينة على سطح الشمس، قدام (محرك كابلان) بتاعنا بالظبط، وبتخلي حرارة الجزء ده من الشمس تزيد بمعدلات فلكية، بيبلغ تأثيرها إن مليارات الأطنان من الطاقة بتطير من فوق سطح الشمس، ويتم استهلاكها في المفاعلات الإندماجية للمحرك بتاعنا.. وده بيزود المدخلات أو الـ Input بتاعنا لدرجات فوق الاستيعاب أساسًا.

 

طيب.. سامعك بتسأليني طب وبعدين.. ما هو لو المحرك ده ضرب النفاث من ورا، مش هيقع جوه الشمس؟ خليني أقولك لا.. بس سؤالك حلو، وهجاوبلك عليه حالًا..

 

اللي أنا مقلتهوش هو إن المحرك بتاعنا ده، مالوش فوهة واحدة، لا هو في الواقع ليه فوهتين، واحدة ورا وواحدة قدام.. اللي ورا دي هي اللي بيطلق منها وقود الأكسجين 14 عشان يدفع نفسه للأمام بسرعة فلكية.. لكن اللي قدام دي بقى بيعمل منها حاجة مهمة جدًا..

فاكرة لما قلتلك إن الطاقة اللي بيستخلصها المحرك ده من الشمس بتتحول لهيدروجين وهيليوم؟ طيب إحنا حرقنا الهيليوم في المفاعل الإندماجي.. أومال الهيدروجين راح فين؟ أنا أقولك راح فين..

 

الهيدروجين يا ست الكل، بندخله جوه معجل تصادمي هائل، زي اللي موجود في معجل سيرن CERN Collider اللي موجود في سويسرا كده، بس بحجم أكبر.. المعجل الهائل ده، بنسرع من خلاله ذرات الهيدروجين دي باستعمال حقول طاقة كهرومغناطيسية مركزة، وبنزود سرعتها لحدود غير مسبوقة، وبعدين بنطلقها برده من الفوهة الأمامية للمحرك اللي اتكلمنا عنها دي.. الهيدروجين ده بعد كده بيخبط في سطح الشمس، وبيزقها لقدام، عشان متخبطش في المحرك.. وبكده بنكون خلقنا توازن فريد من نوعه.

 

فاكرة جهاز عبعاطي كفتة اللي بياخد الفيروس من المريض يحوله كفتة يتغذى عليها؟!

أهو احنا بقى المحرك بتاعنا بياخد طاقة الرياح الشمسية يحولها لهيدروجين وهيليوم، ويحول الهيليوم لأكسجين 14 ويطلقه من محرك نفاث يزقه لقدام، وفي نفس الوقت بيحول الهيدروجين لما يشبه شراع، بيطلقه كحزمة من الطاقة من الفوهة الأمامية، عشان يزق الشمس قدامه.. بالظبط زي المراكب السحابة كده Tugboats.

 

متخيلة عظمة الفكرة؟! إحنا باستعمال محطة فضاء عملاقة، بتحمل جواها محرك نفاث عملاق، ومعجل تصادمي هائل، ومفاعل نووي إندماجي عظيم، وشوية مرايات عملاقة حوالين الشمس، قدرنا إننا نصمم مركب سحب يزق قدامه الشمس كلها لمكان إحنا نختاره مسبقًا، وبسرعة تساوي 50 سنة ضوئية كل مليون سنة!! وأحلى حاجة بقى إننا مش هنحتاج نصمم المشروع الهائل ده عند كل كوكب لوحده عشان نحركهم كلهم مع بعض.. لا هو احنا هنعمله عند الشمس بس، وهي بجاذبيتها هتشد كل الكواكب معاها وهي بتتحرك، يعني إحنا مش هنسوق عربية ولا طيارة ولا سفينة فضاء حتى.. إحنا هنسوق الشمس كلها، ومعاها بتأثير الجاذبية، الكواكب كلها وده بسرعة 50 سنة ضوئية كل مليون سنة!

 

سامعك وأنتِ بتقولي إنك مش فاهمة مدى عظمة الرقم ده.. خليني أقولك إنه رقم عظيم جدًا، وسرعة خيالية.. بالإضافة لإن الحدث اللي ممكن يحصل، ويجبر الجنس البشري على إنه يصمم المشروع الهائل ده عشان ينقذ نفسه وينقذ النظام الشمسي من الفناء، مش هيكون بالظبط حدث مفاجيء.. لا إحنا هنكون عارفين إنه هيحصل قبلها بآلاف وربما ملايين السنين.. وهيكون عندنا كل الوقت اللي نحتاجه عشان نصمم المشروع ده كله..

 

ده كمان بالإضافة لإن تصميم مشروع زي ده، هيحدد رسميًا انتقال الجنس البشري كله لدرجة النوع الثاني Type II على مقياس كارداشيف Kardashev Scale للحضارات الذكية.. يعني هنكون قدرنا نصبح سادة المجموعة الشمسية بالكامل، وعلى الطريق لنصبح سادة المجرة.. لو مش عارفة إيه هو مقياس كارداشيف ده، هنتكلم عنه قريب..

 

متنسيش تبصي على الفيديو ده عشان تعرفي شكل المحرك العملاق الأسطوري ده، وطريقة عمله، هتتبسطي..

محمود علام

محمود علام هو كاتب روائي وباحث، وسيناريست مصري، بدأ النشر منذ سنة 2016، وصدر له العديد من الأعمال هي (كتاب الشمس ٢٠١٦ - الله لا يرمي النرد ٢٠١٧ - التنظيم ٢٠١٧ - السائرون ٢٠١٨ - الجيل الثالث ٢٠١٩ تخت النشر)، و التي نالت كلها صدى واسع في أوساط القراء، جاعلة إياه من أشهر الكتاب الشباب المتواجدين على الساحة وأكثرهم نشاطًا..
زر الذهاب إلى الأعلى