فاكرين التريند اللي كان مستولي على الإنترنت من فترة، بتاع الانفجار النووي اللي حصل في نيونوسكا ف روسيا، وكل اللي اتقال عن كونه تشيرنوبل التانية؟ طب إيه رأيكم لو قلتلكم إن ده كله حصل عشان ده مفاعل نووي بيشتغل بطريقة الانشطار النووي Nuclear Fission، واللي في المعتاد بيكون غير آمن، بالإضافة لإنه بيخلف إشعاع Radiation كتير، وكمان مخلفات نووية Nuclear Waste بتدمر البيئة تدريجيًا لعدم قدرتنا على التخلص منها بكفاءة.
ماذا لو قلتلكم إننا حاليًا في الطريق لإننا نطور أكبر مفاعل نووي بيعمل بتقنية الاندماج النووي Nuclear Fusion، واللي هيكون ديناميكية استعماله، هي نفس ذات الديناميكة الموجودة في الشمس والنجوم نفسها ؟! جذبت انتباهك، صح؟
طب خليني أحكيلك أكتر عن مشروع ITER..
المشروع ده اسمه الكامل هو (المفاعل النووي الحراري التجريبي العالمي International Thermonuclear Experimental Reactor)، بدأ إنشاؤه الرسمي والفعلي سنة ٢٠١٠ بتعاون ما بين حوالي ٣٥ دولة، أبرزهم هما الكيانات السبعة الرئيسية اللي هما (الصين – اليابان – كوريا الجنوبية – روسيا – الولايات المتحدة الأمريكية – الاتحاد الأوروبي بكامل أعضاءه).. موقعه في جنوب فرنسا، في منطقة إسمها Cadarache. المشروع ده يا سيدي يعتبر أكبر مفاعل نووي في تاريخ البشرية، وأول مفاعل نووي بالحجم ده، يتم تصنيعه مخصوص لاختبار توليد الطاقة باستعمال الاندماج النووي Nuclear Fusion.
طب يعني ايه الكلام ده؟
الاندماج النووي هو العملية اللي بتتم في قلب النجوم والشموس، وبينتج عنها الطاقة الحرارية المهولة اللي بتصدر منهم، إزاي بقى؟ ببساطة اللي بيحصل إن بسبب الضغط الهائل والجاذبية الهائلة الموجودة في مراكز النجوم، ذرات الهيدروجين نفسها اللي في المراكز دي بتندمج مع بعضها بسبب عدم قدرتها على التنافر، تحت تأثير الضغط والجاذبية الهائلة، وبينتج عن الاندماج ده تكوين ذرات الهيليوم الثقيلة، وانبعاث قدر مهول أسطوري من الطاقة، لا يمكن استيعابه. قدر الطاقة ده هو اللي بيخرج في صورة الحرارة والإشعاع والنور اللي بيصدر من النجوم والشمس، اللي احنا بنشوفه وبيحدد شكل حياتنا نفسها.
وحسب علوم الفيزياء النووية Nuclear Physics، الشكل الأكثر كفاءة للاندماج النووي ده اسمه DT. وده بيرمز للذرتين الأكثر كفاءة، واللي هما عبارة عن نظائر طبيعية للهيدروجين، اللي اسمهم (الديوتيريوم Deuterium) و (التريتيوم Tritium). ومن هنا جت تسمية الـ DT.. الذرات دي بقى لما بتندمج مع بعضها بتنتج أكبر قدر ممكن من الطاقة، تحت تأثير أقل قدر ممكن من الحرارة والضغط.
اللي المفاعل ده هيعمله بالظبط إنه تحت تأثير حرارة هائلة بتوصل لـ ١٠٠ مليون درجة مئوية، بيدمج ذرات التريتيوم والديوتيريوم اللي موجودة جوه بلازما معينة في ال Core بتاعه، ومع الوقت بيتم حفظ استقرار واستمرار عملية الاندماج دي، واللي بينتج عن ده بيكون طاقة هائلة لا تستوعب. بالظبط كإننا عملنا شمس صغيرة صناعية على كوكبنا، تخيلوا انتوا بقى.
المفاعل ده حاليًا في مرحلة التصنيع والتركيب، واللي بدأت رسميًا سنة ٢٠١٨، ومحدد ليه إنه يدخل مرحلة التشغيل سنة ٢٠٢٤. ومتوقع إننا نقدر نوصل لأول بلازما عشان نستعملها فيه بحلول سنة ٢٠٢٥. وبعد أبحاث وتجارب، مقدر إنه يبدأ عملية دمج ال DT في سنة ٢٠٣٥.
يعني احنا هنعمل أول شمس صناعية على كوكب الأرض في سنة ٢٠٣٥..
وبرغم إن المفاعل في الأول مش مصمم لتوليد الكهرباء بشكل حصري، وإنه لسه في مرحلة تجريبية ودراسية، لكن نجاحه هيمهد الطريق للمفاعلات التجارية والاستهلاكية في المستقبل. هو هدفه الأساسي دراسة تأثير الاندماج النووي ده، وكمان بيهدف لتخليق مادة الديوتيريوم والتريتيوم صناعيًا، لإن الكمية اللي موجودة منهم على كوكب الأرض كله مش هتكفي إننا نستعملها في مفاعلات إندماجية بشكل تجاري، عشان كده لازم نخلق منها المزيد الأول.
متوقع إن المفاعل ده هيقدر يولد طاقة يبلغ قدرها ٥٠٠ ميجا وات، وهي أعلى من أكبر رقم طاقة من مفاعل اندماجي، تم تسجيله في التاريخ البشري الحديث، اللي سجلها مفاعل JET.. الأوروبي سنة ١٩٩٨، واللي كانت ١٦ ميجا وات بس.
كمان خدوا بالكوا من حاجة.. المفاعلات الاندماجية في الواقع بنتتج طاقة أكبر بمئات الأضعاف من الطاقة الداخلة في إنتاجها، يعني لو استعملها ١ميجا وات في تشغيله، ممكن ينتجلنا ٥٠٠ و ٦٠٠ ميجا وات من الهوا كده. كمان المفاعلات الاندماجية مش بتخلف أي إشعاع، ولا أي مخلفات نووية، ومش بتلوث البيئة.
يعني من المستحيل إن اللي حصل في تشيرنوبل، واللي بيحصل كل شوية ف روسيا ده، يحصل بسبب مفاعل اندماجي؛ لإنه مصدر طاقة نظيفة صديقة للبيئة بالكامل. بالإضافة لإن تطبيقه بالشكل الأمثل مستقبلًا هيقدر يوفرلنا طاقة كهربا تقدر تنور الكوكب بأكمله، من مفاعلين تلاتة.
تخيلوا إنتم بقى شكل المستقبل.. العالم هيكون فيه شموس صغيرة صناعية بتولد طاقة النجوم نفسها عشان نستعملها على كوكبنا.
