العلم والتكنولوجياتكنولوجيا

الاتصالات وقضايا المجتمع.. «الناس في طيبة والتحول الرقمي»

الاتصالات وقضايا المجتمع.. “الناس في طيبة والتحول الرقمي”.. الناس في طيبة، هو اسم لمسرحية من تأليف الكاتب الكبير د. عبد العزيز حمودة، كُتبت في فترة زمنية بعد هزيمة عام 67، وتم عرضها على مسرح الطليعة في 1981، وتُعبر بشكل مُبهر عن الحالة المصرية وتفترض أن المصريين بطبعهم طيبون وتروي الصراع بين الخير والشر (أوزيريس وست) من منظور كيفية التغيير في حياة المصريين، وهل يأتى التغيير بالمشاركة والتمكين أم يأتي بالزعيم الفرد وباقي أفراد المجتمع يكتفون بالتهليل.

ما زلت أتذكر أستاذا لنا أثناء الدراسة بالمرحلة الثانوية قد سأل سؤالا مضمونه، لماذا يتقدم الغرب ونحن هنا نتأخر- وتحمس طلبة الفصل لإعطاء إجابات مختلفة على هذا السؤال- ولكن الأستاذ كان له رأى وإجابة مختلفة وفي ظل ترقب الطلبة لإجابة الأستاذ وصمت من الجميع يخرج علينا الأستاذ بأن الطقس البارد هو ما يجعلهم متقدمين.

الناس في طيبة والتحول الرقمي

هنا يتناسى أستاذ الفصل أننا تسيدنا البشرية في مراحل زمنية سابقة، ولم تشهد منطقتنا إنقلابا بالطقس بمعنى مناخنا هو هو، إذا طبيعة التغيير وتخطى فجوات التخلف لها أسباب أخرى غير تلك الأسباب القدرية ونفس هؤلاء الناس في طيبة، وكذلك العرب، هم من تسيدوا مراحل زمنية في تاريخ البشرية.
والآن ونحن نعاني من الفجوة الرقمية، وفي عصرنا الحديث ونحن نعاصر التحول الرقمي للمجتمعات النامية فهل هناك علاقة بين طبيعة المصريين في التغيير والتحول الرقمي، بمعناه أنه ليس حول التكنولوجيا ولكن بمعناه التغييرات المرتبطة بتطبيق التكنولوجيا الرقمية والاندماج في جميع جوانب الحياة البشرية والمجتمع.

التغييرات الرقمية

إنها الانتقال من التعبير عن الأشياء والمعاملات طبيعيا أو بالطرق المعتادة والشائعة إلى الرقمية- فالتكنولوجيا ليست غاية وإنما وسيلة- وأى تغيير يتطلب بالضرورة تحديد استراتيجية ماذا نريد من استخدامنا للتغييرات الرقمية في حياتنا ولا خلاف على أننا بالأساس نريد سرعة تحسين حياة المصريين.
يصطدم هذا مع سيادة النظرة الاستهلاكية باعتبار أدوات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات باعتبارها سلع معلوماتية، وليست أدوات تمكين محورية في التنمية، وكما نجدها في تجارب الدول الأخرى التي تسبقنا في مجال عبور الفجوة الرقمية، التغيير في حد ذاته ليس بتلك السهولة.

قرار التحول الرقمي

عندما نتحدث عن التحول الرقمي فالتغيير هنا يشمل جميع التوجهات وأنظمة الإدارة، وكذلك السياسات والهياكل التنظيمية وقد يمتد ليشمل تغيير شامل في منظومات العمل مع الشركاء، كل ذلك لا بد له من أن يستنفذ الكثير من الوقت والجهد والمال، وهذه أهم العوامل الرئيسية التي تؤهل المجتمعات لاتخاذ قرار التحول الرقمي.
إذ تلعب الرؤية والفهم الاستراتيجي دورها في تهيئة البيئة المناسبة لهذا التحول على المدى القريب والبعيد من بناء القدرات التنظيمية، ودعم مبادئ التصميم وعمليات التغيير البسيطة والمستمرة والتي بدورها تعجل من عملية التحول الرقمي أبسط وأسرع.
كذلك يجب الاهتمام بتعزيز التعاون والتشارك الداخلي والخارجي ودعم المواهب والابتكارات الإبداعية، لتسهيل عملية التحول في الحاضر المعاصر حيث تشارك المصريين بتنفيذ تفريعة قناة السويس، والممولة بالكامل من جيب المواطن المصري ومدخراته؛ بفضل حماسه وروح المعنوية التي ارتفعت لعنان السماء بفضل الثورة العظيمة، وفي تمانية أيام جمعوا 64 مليار، إذا شروط التغيير بالمشاركة متوفرة.

التحول الرقمي والتغيير

التحول الرقمي يتطلب أن نكون قادرين على خلق بيئة اجتماعية إبداعية مناسبة، مع دعم أكثر للمواهب بين أفراد المجتمع لمواكبة هذا التغيير، والذي يعتمد أساسا على ربط التكنولوجيا الرقمية بجميع قطاعات العمل لتوفير قدرة إنتاجية تطورية تواكب التحديات.
ويمكن وصف التحول الرقمي بالتغيير الذي يمكن أن يكون جذريا لنظام وسياسات الأعمال داخل الكيانات الاجتماعية بأشكالها المختلفة إلى أن يطال الناتج النهائي، ولذلك بينما تكون فكرة التحول الرقمي مطروحة على الساحة تنشأ مقاومة لهذا التغيير للإبقاء على الوضع الراهن بوجه الضغوط التي تدفع لتغييره. ولكن ما السبب وراء مقاومة هذا التغيير؟.. لتلك المقاومة أسباب علمية وجيهة أهمها أن هذا التحول الرقمي في بدايته يكون غير واضح المعالم للأشخاص الذين سوف يتأثرون بهذا التغيير سواء أكانوا من عاملين أو عاملين بتلك الكيانات.
أيضا إذا كانت طبيعة التغيير غير واضحة وتحتمل تفسيرات أخرى واسعة، أو ربما أن هذا التغيير يحدث على حساب مناصب أو أسس شخصية؛ يكون سببًا أساسيًا لرفض هذا التحول أو التغيير.

الابتكار الرقمي

لذلك وجب على قيادات التغيير الانتباه لهذا النوع من المقاومة واحتوائها بل وجعلها تلعب دورا إيجابيا في التحول الرقمي، وذلك عن طريق إنشاء استراتيجية مدروسة وواضحة يقوم على أساسها هذا التحول فضلا عن أهمية الاستعانة بفريق منفصل عن أفراد الكيان خاص بالابتكار الرقمي يعمل على إحداث التحول، ومن ثم توعية باقي أفراد الكيان بأهميته وفوائده وتعزيز الاندماج بينهم وبين التحول الرقمي- الكيانات القائمة تعتمد نمطا شديد الروتينية- فكلٌ له وظيفته المحددة والتي لا تتضمن أي مجال للإبداع أو إبراز المواهب الفردية أو حتى الجماعية منها؛ والذي بدوره يشكل عائقًا كبيرًا عند التفكير في التحول الرقمي لهذه الأنظمة شديدة الروتينية.
وبرغم الاسقاطات الواردة بمسرحية الناس في طيبة عن نظرتهم للتغيير والقائد الفرد والقائد الذى يخطط للتمكين والمشاركة، إلا أن تاريخ المصريين قديما ومعاصرا مليء بالأمثلة الممكن تحقيق اجتياز الفجوة الرقمية والتحول الرقمي.

زر الذهاب إلى الأعلى