بهارماست: للعدالة وجوه كثيرة
المكان: مدينة مارسيليا الفرنسية
الزمان: 23 يونيو عام 1998
الحدث: لقاء البرازيل والنرويج بختام الدور الأول لمونديال 1998
التعادل يسيطر على مجريات المباراة حتى الدقيقة 89 لتنطلق صافرة الحكم الأمريكي ذو الأصول الإيرانية «سفانديار بهارماست»، وتعلن احتساب ركلة جزاء لصالح المنتخب النرويجي في قرار أدهش جميع الحاضرين بالملعب، لينجح في ترجمتها اللاعب ريكيدال ليمنح منتخب بلاده انتصارًا تاريخيًا أمام حامل اللقب، ومعه بطاقة العبور لدور الـ16.
قرار بهارماست كان لديه صداه على بعد كيلومترات في مدينة «سانت إيتيان»، عندما التقى المنتخب المغربي بنظيره الإسكتلندي بحثًا عن بطاقة التأهل الثانية بنفس المجموعة، حيث تفوق أسود الأطلس على أنفسهم محققين الفوز بثلاثية نظيفة لتبدأ الاحتفالات بين اللاعبين على أرض الملعب، في ظل يقينهم بصعوبة تحقيق النرويج للمعجزة بالفوز على المنتخب البرازيلي وسيطرة التعادل على النتيجة هناك حتى اللحظات الأخيرة، إلا أن الأخبار طارت من مارسيليا لملعب «جوفروي جيشار» لتتحول الاحتفالات إلى مشاهد بكاء مرير بين اللاعبين، وفي المدرجات على حد سواء لتودع المغرب البطولة بانتصار معنوي.
لم يكن الأمر مجرد ركلة جزاء اُحتسبت في توقيت صعب من المباراة، بل تحولت إلى وصمة عار على التحكيم في المونديال، إذ هاجمت الصحافة المغربية والفرنسية على حد سواء قرار بهارماست، الذي وصفته بالفضيحة في الوقت الذي اعتبر الجمهور المغربي أن منتخب بلاده قد تعرض لمؤامرة لا تقل عن فضيحة «جيخون» الشهيرة بمونديال 1982 حين اتفق منتخبا ألمانيا والنمسا على نتيجة مباراتهم سويًا من أجل إقصاء الجزائر.
لم يتأثر بهارماست بعاصفة الهجوم ضده ليعلن بعدها ارتياحه التام لقراره، مؤكدًا أنه لن يتردد في اتخاذه مهما تم إعادة اللعبة، وهنا تأتي نقطة التحول الدرامية في القصة، عندما يتلقى الحكم الأمريكي مكالمة هاتفية من زوجته في الصباح الباكر أثناء تواجده بالفندق لتطلب منه الدخول فورًا على أحد المواقع الرياضية، حيث تم عرض لقطة اللعبة المثيرة للجدل من زاوية مختلفة لم تُعرض في الشريط الرسمي للمباراة، وظهر قيام المدافع البرازيلي جونيور بايانو بجذب قميص المهاجم النرويجي توريه أندرو فلو داخل منطقة الجزاء، لتظهر براءة بهارماست الذي حرص على طباعة «بوستر» لتلك اللقطة ليأخذ صورة تذكارية به أمام قوس النصر بالعاصمة باريس، وكأنه يحمل دليل براءته ونزاهته.
تغير حديث الصحافة الفرنسية عن الحكم الأمريكي 180 درجة بعد تلك اللقطة، حيث أثنت على بهارماست الذي نجح في رؤية ما لم تستطع 16 كاميرا بالملعب التقاطه، فيما صنفت مجلة «ريفري» الأمريكية القرار كواحدًا من أفضل القرارات التحكيمية في تاريخ الكرة.
جرم بهارماست
لم تغير تلك المستجدات الوضع في المغرب والعالم العربي في عصر ما قبل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وربما الإنترنت نفسها، فظل الحديث طويلًا عن الجُرم الذي ارتكبه بهارماست في حق المنتخب المغربي، حتى نشرت قناة فيفا الرسمية على موقع «يوتيوب» فيديو لحوار تم تسجيله مع الحكم الأمريكي قبل انطلاق مونديال 2014 بالبرازيل، ليتحدث عن ذكرياته مع تلك الواقعة ويتم عرض دليل البراءة مجددًا على العلن بعد مرور 16 عامًا كاملة، لتسقط نظرية المؤامرة في هوة سحيقة.
ربما يكون اللافت في تلك القصة هو استحالة الاعتماد على زاوية واحدة في تقييم أمور الحياة لتفادي مصادفة المزيد من المتاعب، حيث تظل للعدالة وجوهًا كثيرة تتطلب البحث والاستقصاء بدلًا من الوقوع في فخ النمطية بإطلاق الأحكام.