الإهداء……
إلى أنا بكل أنانية وشوق لذاتي.
وإلى تلك الجميلة وجميلات الأرض اللواتي يتضورن جوعًا للحُب، ويحملن في قلوبهن من الطيبة ما تستحي منها قسوة آدم..
أما قبل..
كنت كلما قرأت رواية أو مررت بنص مُقفى، رأيتكِ بكامل زينتكِ، وبخفتكِ تلك..
لم يكن الأمر يخيفني، فكنت على يقين أن قلبي لم يعد معي.
تتعدد الأسباب التي تدعوني لأكتب روايتي وانقباضة قلبي واحدة.
فمثلًا في صوت الموسيقى التي تدمنيها كنت أكثر حضورًا.. والمشاهد التي تثيركِ، وعطركِ أيضًا كان يأتيني كلما تيقنتكِ في داخلي.
انفعالات وجهكِ عندما أقولها لكِ دون سابق إنذار..
وجرس صوتكِ ودفء يديكِ عندما تُقرري الرد بكامل أناقتكِ..
كل تلك الأشياء دفعتني لأمتهن الكتابة.
تيقنتكِ في ذاكرتي كلما تعمدت الأيام علي بالنسيان.
فامرأة مثلكِ لا يجوز تجاوزها كما تظنين.
لم تكوني عشقي الأول ولكن كنتِ آخرهم.
كنت أتكئ وحدي وأقلَّب خيبتي.. وشوقي للقاء.
أدري أن الهاتف متفلت وغبي، ينقل لنا ما يريد من انفعالات، ولكن عند لقيانا ستمضي الحياة على نحو جيد.
أتذكر جيدًا عندما حدثتني جدتي أن الحياة شخص يعبر معك ويكن آخر من تلقي عليه السلام.
كنتِ أنتِ الشخص المقصود وما زلتِ، أظن ذلك.
ما بيننا لم يتجاوز العام بعد.. كنت أظن أن الأشياء تنقصكِ أنتِ فقط.
الحب والسلام والدفء وعطر الحياة.
لذا دامت خيبتي في وجهي، وفشلت محاولات الوصول لأنثى سواكِ..
ما زلت أحبكِ وسأحبكِ.
ذلك الطفل الذي أُنجب من بنات أفكارنا وأحلامنا اليوسفية لن يرضى بأم سواكِ، ولن تستلهم قلب أبيه أنثى أخرى لتحظى بهذا الشرف.
ما زال قلبي يرتجف كلما نادى أحدهم باسمكِ.
فهلا تحن لنا الأيام ونلتقي ذات يوم؟!
بوارق أحلام
أتدرين لِما اخترت هذا الاسم لروايتي؟!
بكل بساطة أنا لم اختره، بل كان طيفكِ هو من أوحى إليَّ به، صحيح أنها من نسج خيالي ولكنها خرجت من صميم وجداني ومن أعمق أجزاء عاطفتي، أتمنى لو أنكِ تقرئينها الآن.
=========================
ينصهر معدن القلم بخط حرفي لا أعلم من أي حرف أبدأ قصتي..
أجتاح المأزق، أتلف الكثير من أوراق تلطخت بآلام الماضي البائس!
ماذا أفعل الآن؟
دماغي يسيل خرابًا كلما وليت في وجهة أجدها الوجهة الخاطئة، في حين كنت أتخبط في الاتجاهات والزوايا والارتطامات المتتالية..
أنا أعيش بطقوسي وحالتي الدائمة التي تؤهلني لأكون شخص جيد، ولكن وكما اعتدت أن هذه الحياة لا تمنحني الفرصة التي أستحقها.. إنها تشطبني وكأنها تراني في قائمة الموتى!
ما حيلتي في هذه الحالة ماذا عساني أصنع؟ إني أبتسم وأجهل ذاتي إلى ماذا توحي.
ربما قد خضعت فعلًا في نهاية المطاف؟ من يدري. ولربما الحقيقة اقتربت مني ولأجل ذلك أنا الآن أبتسم.
لست أدري ما الذي يدفعني دفعًا إلى الكتابة؛ ربما اعتقادي أن الجمل هي من تكتبنا وربما لإيماني العميق بأن الكتابة تغيير للواقع..
نكتب لأنفسنا لنزيح بعضًا من الإرهاق ونستريح من طول السفر في دواخلنا؛ ربما لنشعر بالسلام الروحي ولتساعدنا على الحياة وتقبل كل ما فيها من سخف بصدر رحب!
كنت أعلم أن الحقيقة ستنجلي ذات يوم وأن الصباح سيأتي كعادته ولن يتوقف أبدًا عن المجيء.
وكنت مؤقنًا تمامًا أن الليل لن يرتدي مزيدًا من السواد حدادًا علينا.
كنت أشعر أنني أختنق عندما أخبرتني مربيتي بتفاصيل لم تكن في الحسبان..
آه نسيت إخباركم أني نتاج حب زائف.. جنين نمى في رحم أنثى لعب بها عشيقها وانتهى به المطاف في إحدى الملاجيء كبقية المنبوذين الذين رمتهم أسرهم خوف العار على مكانتهم الرفيعة!
نحن نتاج خطأ لم يكن لنا ذنب فيه ولكنا تحملنا نتاجه ونبذنا عن مجتمعنا بسببه.
لست الوحيد هنا في الدار، تعج بأمثالي ذكورًا وإناثًا وكلنا من أرحام العشق وشهواته!
دار الصمت بيننا لساعات طوال بعد هذه العبارة، استأنفنا الحديث، كانت تلطف زهولي برقتها،
رمقتني بنظرتها الحنونة، ثم قالت أنتم ملائكة الله بعثكم لنا هنا.. وابتسمت.
امتلأت فرحًا من هذه العبارة واستشعرت وجود الله في داخلي، تحدثنا أنا وهي عن مستقبلي المجهول، اطمئننت كثيرًا عندما أخبرتها عن حزني وعن ما بداخلي.
يوم يمر وآخر يأتي وأنا أشتاق لأعرف أمي وأبي.. نعم لا أخفيكم سرًا.. كنت أشتاقهم حد الوجع!
انفطر قلبي في ليالي الانتظار توقفت كثيرًا مع نفسي، تعاهدنا أنا والصادع لأيام وأيام.
كنت في قمة شوقي أن أسمع ضحكات أخوتي أو قصصهم المفرحة، ولكننا جميعًا أُنجِبنا ورُمينا في نفس الجب!
جميع من في الملجأ يشكو عِلته إلا أنا، كنت ذلك الطفل الذي يكاد أن يخلو من الأحاسيس والمشاعر تمامًا!
ما زلت أذكر حين أتتني مربيتي بتلك الرسالة من أبي.
نعم أبي، أبي الذي أنجبني عن حب ثم رماني كما يرمي ثمل زجاجة النبيذ بعد أن شرب محتواها!
كانت رسالته خالية من علامات الندم والأسى وكأنه أحب أن يلقي فلذة كبده في هذا المكان!
بدأها ببسم الله رغم أني أكاد أجزم أنه لم يعرف الله في حياته يومًا، ثم كتب:
لك الحق أن تعرف عن أمك يا فتى، قد كانت بالنسبة لي جميع الخلق وكل العالم وأحب شيء لقلبي، ولكني استبحتها!
كان مداها لا نهاية له، إنها امرأة لا آخر لها ولا أول.
لو تدري كم أهواها! كم أعشق حتى دقيق تفاصيلها.. هي التي أتجرد أمامها من كل شيء، والتي تتجلى أمامي كشمس حرة لا يقدر مخلوق على حجبها!
قد كانت أمك امرأة لا تحجبها سوى قوة إلهية عظمى، امرأة لها القدرة على أن تتسامى حتى حدود السماء، لكنها تعود أدراجها عندما تشتاق إليّ لتعبث معي وتلهو بي من دون أي إحساس بذنب المعصية!
هي مزيج لذيذ تركيبه عجيبة ومثيرة في الوقت ذاته.
سأخبرك سرًا يا فتى.. كانت أمك أحب الخلق إليّ، كنا نسكن في ذات العمارة، كنت أراقبها عندما تصلي بعد ليلة طويلة من السهر في أحلامنا النرجسية، كانت تصلي بعفوية وكأنه لا يحجبها عن الله شيء، ومن ثم تعود إليّ لتلتقط هاتفها لتسمع صوتي.
كانت تخبرني أنها تقدس صوتي بل وتعتبره عبادة لها وسكينة لقلبها وفي عبادتها هذه أكون أنا الإله والمشرع الوحيد.
تشعرني دومًا بأنها تعرف السبيل إلى الله، هي التي قالت لي في لحظة سكر بأننا لا نستدل على الله بل نستدل به.
لا أزال حتى هذه اللحظة غير مدرك كيف تستشهد امرأة في آخر مراحل الثمالة بأحاديث قدسية!
أتصدقني لو أخبرتك أنها كانت متدينة؟! بل أشد أنواع التدين، ولكن الحب إذا دخل قلبًا أفسده!
كنت أتوق كثيرًا لأن أفهم موروثها اللامنطقي؛ لأن أدرك مخزونها من المتناقضات اللامتناهية مثلما يغريني أن أراقب طاعتها لخالق قطعت علاقتي به منذ زمن.
لم يكن يخيفني شيء بعد معرفتي لها سوى أن أخسرها.
أخاف كثيرًا أن تختفي فجأة مثلما ظهرت، لذلك فعلت ما فعلت.
أتعلم يا فتى.. لقد عشقت أمك حد الثمالة.. كنت أراقب خصرها وأسب جميع المقدسات.
كنت أغني والكأس في يدي أغنيات الحب والجمال وأرى عينيها حينها يسقط كأسي من الدهشة!
الحب يا فتى أن تداعب يدك أنثى لا تمت لك بصلة، ومن ثم يثيرك عطرها، لا لشيء فقط بذنب ليلة لم تكتمل أُنجِبت أنت.
قرأت رسالته مرارًا.. كان كرهي له يشتد يومًا بعد يوم، كيف لشخص تسلل الحب إلى قلبه أن يسلك درب الفجور؟ كيف لمن وثقت به تلك الفتاة أن يهتك كل عهود الثقة ويتجرد من إيمانه وإنسانيته لمجرد غريزة لا تمد للحب بصلة؟
علمت أن أمي أحبته صادقة ولكنه غدر بها واستباح جسدها ثم اختفى وتركها تتحمل نتيجة ثقتها به، وتركني مرميًا كما ترمى الكلاب المشردة!
أيقنت أنه يكرهني؛ لأنه لم ينادني بابني حتى فكلما أراد مخاطبتي ناداني يا فتى!
حمدت الله على ذلك، فلم أكن لأفخر أني ابن لذلك الوقح العربيد.
مرت الأيام وكبرنا ونحن بين براثين الملجأ.. بلغنا الرشد ولم يعد المكان يستهوينا فقد ضاق بنتاج حب العشاق.
ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ شيء ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺃﻋﺘﻘﺪ أن أﺳﻮﺃ أﻳﺎﻡ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ هنا، ﻛﻞ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ لعبنا ﻣﻌﻬﻢ في عمر السابعة ﻭﺟﺪﻭﺍ ﻣﻦ ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﻢ إﻻ أﻧﺎ وصديقي، فقد كنا ضعيفي البنية ﻻ نقوى على ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ، كنا ﻛﻘﻄﻌﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﻋﺰ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺳﺮ ﻟﺸﺮﺍﺀ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﺩﻭﻥ ﺛﻤﻦ، ﻳﺮﻣﻘﻮﻧﺎ ﺑﻨﻈﺮﺍﺕ ﺍلاﺳﺘﻌﻄﺎﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻣﻘﺘﻬﺎ، ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ ﻧﺤﻴﻞ ﻭﻫﺬﺍ ﺃﺳﻮﺩ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﻢ ﺛﻢ ﻳﺨﺘﺎﺭﻭﻥ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﻟﻴﺘﺒﻨﻮﻩ.
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﺠﺄ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻧﺎ ﺍﻟﻘﺮﺍءة ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﻳﻄﻌﻤﻮﻧﺎ ﻋلى ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻱ ﻣﻨﺎ ﻟﻢ يحظى ﺑﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﺠﺮ ﺃﻣﻪ ﺍﻟﺤﺎﻧﻲ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ كنت صغيرًا تغذيت بالأﻧﺎﺑﻴﺐ ﻭﺍﻟﺪﺭﺑﺎﺕ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺩت ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺸﻲ ﻟﻢ ﻳﻤﺴﻚ أبي بيدي.
ﻟﻢ ﺗﺬﻫﺐ أمي ﻟﺘﺴﺠﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻛﻨﺖ ﺃﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺃﻣﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻮﻥ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﻋﻠﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻳﻮﻣًﺎ ﻟﺘﺄﺧﺬﻧﻲ إلى ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ، ﺭﺑﻤﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻲ ﺍلآن، ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﻭﺃﻧﺘﻈﺮ حتى ﺟﺎءت ﺇﺣﺪﺍﻫﻦ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪﻕ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻩ ﺍلأطفاﻝ ﺟﻴﺪًا ﺛﻢ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﺗﻔﺤﺼﺘﻨﻲ ﺑﺮﻫة ﺛﻢ اﻧﻜﺒﺖ عليّ ﺗﻘﺒﻠﻨﻲ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﻭﺗﻀﻤﻨﻲ إلى ﺻﺪﺭﻫﺎ، ﻛﺎﻧﺖ ﺭﺍﺋﺤﺘﻬﺎ ﻋﺘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮًﺍ، ﺃﻋﻄﺘﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻠﻮى ﻭﺫﻫﺒﺖ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ ﺩﻭﻣًﺎ ﻟﺘﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﺗﺮﺟﻊ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﺗﺖ، أﺣﺒﺒﺘﻬﺎ ﺟﺪًﺍ ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ: أﻧﺖِ ﻣﺎﻣﺎ؟
ﻓﺒﻜﺖ..
ﻧﻈﺮﺕ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻲ ﻃﻮيلًا ﻭﻟﻢ ﺃﺭﻫﺎ ﻣﺮﺓ أخرى..
وحين مرت سنتين على انقطاعها وﺑﻠﻐﺖ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻱ ﻋﻠﻤﺖ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى ﺃﻣﻲ ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﻠﺖ ﻋﻨﻲ خوف العار.
باعت شرفها وأخلاقها لتحظى بلحظة من النشوة مع ذلك العربيد.
أنا لا ألومها فالجميع قد يفعل ذلك وحتى أن بعضهم يتخلص من الجنين إجهاضًا إن لزم الأمر.
قررت الهرب من الملجأ عند صغري.. كنت أعتقد أنه ﺭﺑﻤﺎ أجد ﺃﺑﻲ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻲ فأبكي ﺃﻣﺎﻣﻪ ﻛﺜﻴﺮًﺍ، ربما ﻳﺨﺒﺮﻧﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻢ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ فنبتسم وننسى كل ما مضي.
سأﺩﺧﻞ ﻳﺪﻱ ﻓﻲ ﺟﻴﺒﻪ ﻭﺃﻋﺒﺚ بأﺷﻴﺎﺋﻪ، سألعب ﻣﻌﻪ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﺃيضًا.
كانت أضغاث أحلام وآن ليوسف قلبي أن يفيق!
الآن صار هدف هروبي هو البحث عن أبي لقتله واستعادت عذرية أمي المسلوبة.
خرجت أنا وصديقي من غير هدف أو مقصد متجهين صوب المجهول.. كان عمري في الخامسة عشر ولكني كنت بأوجاع شخص في الثمانين من عمره.
رغم ذلك كنا نبتسم كلما تذكرنا لحظات سعيدة ونزعم أننا بخير.
نمنا ليلتنا ﺍلأﻭلى ﺑﺎﻟﺴﻮﻕ ﻭﻟﻢ ﻳﺄﺗﻲ أحد، ﻭﺗﻤﺮ ﺍلأﻳﺎﻡ علينا والليالي والشهور ونحن نقاسي أشد أنواع الألم.
ﺗﻌﺮﻓﺖ على ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ في حفر المجاري
بعضهم نتاج العشق والبعض الآخر رموهم ﺁﺑﺎﺅﻫﻢ بحجة عدم مقدرتهم على إعالتهم.
ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺎﻡ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﺭﻱ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻧﻨﺎﻡ ﺩﺍﺧﻞ أكياﺱ ﺍﻟﻘﻤﺎﻣﺔ، ﻧﻠﻌﺐ ﺍﻟﻘﻤﺎﺭ حتى ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻧﺘﻌﺎطى ﻛﻞ شيء ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ، ﻧﻘﺮﺃ ﺍﻟﻤﺠﻼﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﻤﻤﺰﻗﺔ، ﻧﺮﺳﻢ على ﺟﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻤﺠﺎﺭﻱ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺮﺍﻫﻢ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻤﺘﺴﺨﺔ ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺮﺳﻤﻬﻢ ﻣﺘﺴﺨﻴﻦ أيضًا.
ﺭﺳﻤﺖ ﺃﺑﻲ ﻭﺣﻮﻝ ﻋﻨﻘﻪ ﺣﺒﻞ ﻣﻔﺘﻮﻝ وأسفل قدميه نار مشتعلة، ﻭﺭﺳﻤﺖ ﺃﻣﻲ ﺣﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻣﻴﻦ تجوب بقاع المجهول.
ﻛﻨﺖ أمقتهم ﺟﺪًﺍ ﻛﻠﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺣﺪ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﻳﺪﻩ ﻟﻌﺒﺔ أو ﻳﺮﺗﺪﻱ ﻗﺒﻌﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ.
ﻛﻨﺎ ﻧﻜﺮﻩ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻭﻳﻮﻡ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﺎﻟﺴﻮﻕ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﻓﺘﺎﺕ ﻃﻌﺎﻡ ﻧﻘﺘﺎﺗﻪ.
ﺟﺎﺋﻨﺎ أﺣﺪﻫﻢ ﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺃﻋﻄﺎﻧﺎ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺻﻨﺎﺩﻳﻖ المسكرات ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻼﺑﺲ ﺍﻟﺒﺎﻟﻴﺔ ﻗﺎﻝ ﻟﻨﺎ: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺼﻮﺗﻮن ﻟﻤﺮﺷﺢ حزب المؤتمر الوطني ﺳﺘﻨﺎﻟﻮﻥ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ.
ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮﻱ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﻜﻨﻲ ﻫﺘﻔﺖ ﻛﺜﻴﺮًا باﺳﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺰﺏ حينها ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮى ﺑﻌﺪ ﺍلاﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ!
ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺎﻡ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻳﻮﻗﻈﻮﻧﺎ ﺑﺄﺭﺟﻠﻬﻢ ﻓﻼ ﻧﺘﺰﻣﺮ ﻭﻻ ﻧﻐﻀﺐ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺪﺭﻙ تمامًا ﺃﻧﻨﺎ كلاب ضالة وﻣﺸﺮدة ﻭﻫﻢ ﺃﻧﺎﺱ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﺗﻄﻮﻑ ﺑﺄﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﻕ ليلًا، خرجنا من حفر المجاري ﻟﻨﺄﺗﻲ ببعض الخمر ﻣﻦ ﺿﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﻕ، أذكر أننا ﺷﺮﺑﻨﺎ ﺣﺪ ﺍﻟﺜﻤﺎﻟﺔ.
ﻧﺎﻡ ﺻﺪﻳﻘﻲ محمد ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﺟﻠﺴﺖ ﺃﻧﺎ ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴﺪ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻠﺬﺓ حتى ﺟﺎﺋﺖ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻣﺴﺮﻋﺔ ﻭﺗﻄﺎﻳﺮ ﺍﻟﺪﻡ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻲ، ﺗﻮﻗﻔﻮﺍ ﺑﺮﻫﺔ ﻗﺎﻝ أﺣﺪﻫﻢ: هو أحد الصعاليك لن يفقده أحد، ﺛﻢ ﺍﻧﻄﻠﻘﻮﺍ في سبيلهم.
اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﻪ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﻔﺎﺳﻪ ﻣﺘﻮﻗﻔﺔ ﻭﻋﻴﻨﺎﻩ ﺟﺎﺣﻈﺘﺎﻥ ﻭﺃﺣﺸﺎﺅﻩ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭج! ﻗﺒﻀﺖ على ﺭﺃﺳﻪ ﺍﻟﻤﺠﻌﺪ ﺑﻜﻠﺘﺎ ﻳﺪﻱ: محمد؟ محمد؟ محممممد؟
لم ﻳﻨﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ، مسكين ﻻ ﻳﺪﺭﻱ ﺑﺄﻥ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻻ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﺛﻤﻦ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻭﻓﺎﺗﻪ!
ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺰﻑ ﺑﺸﺪﺓ ﺧﻠﻌﺖ ﻗﻤﻴﺼﻲ ﻭﻭﺿﻌﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ أﺧﺬﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻭﺃﻏﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ، ﺃﺧﺮﺟﺖ ﺍﻟﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﻓﻤﻪ فقد كان يضع معجون السلسيون عليها لتمنحه قليلًا من اللذة.
ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺭﺑﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﻓﻴﺤﻤﻠﻮﻩ ﻭﻳﺄﺧﺬﻭﻧﻲ إلى ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻷﻣﻮﺕ ﻫﻨﺎﻙ أيضًا.. ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﺭﺣﻢ ﻛﺜﻴﺮًﺍ من هذه الحياة!!!
يتبع..
