تناسخ الأرواح.. عودة الحياة في جسد آخر!
تناسخ الأرواح، أو الولادة الجديدة، هو مُعتقد ديني وفلسفي، يتحدث عن عودة روح شخص ما في جسد شخص آخر، ليحيا حياة جديدة بعد حياته الأولى، مُلمًا بذكريات الشخص الأول وخبراته.
ويعتقد البعض أن عودة الروح في هذه الحالة تكون من أجل التكفير عن ذنوب سابقة، أو استكمال أعمال لم تتم في حياته الأولى، وهو مُعتقد شائع لدي معتنقي الديانات الهندوسية والسيخية والبوذية وغيرها، بينما يرفضه معتنقي الديانات السماوية، ومعظم العلماء، وقد اشتهرت هذه الفكرة عندما تصدر لها آلان كارديك، وهيلينا بتروفنا بلافاتسكي.
تناسخ الأرواح
يعتقد الباحثين والمهتمين بموضوع تناسخ الأرواح أن هذه الفكرة قديمة قدم التاريخ نفسه، وتضرب بجذورها لأعمق أعماق التاريخ البشري.
وقد تكونت هذه الفكرة نتيجة اعتقاد البعض بأن أرواح البشر لديها القدرة على الانفصال عن الجسد بشكل مؤقت خلال النوم وبشكل دائم عند الموت، كما أن الأرواح يمكن نقلها من كائن حي إلى آخر، وليس شرطًا أن يكون من رجل لرجل أو من امرأة لامرأة، فمن المُمكن أن تكون لأجناس، أو لفصيلة مختلفة كأن تنتقل روح إنسان لطائر أو حيوان.
أفلاطون نفسه كان لديه رؤية في قضية تناسخ الأرواح هذه، وهي رؤية فلسفية عن اتِباع الإنسان لشهواته، فتتجسد بجسده روح الحيوان الذي يشبهه في تصرفاته، ووصل الأمر لمعتنقي نظريته بقيام بعض الأشخاص إلى زيارة أبنائه الذين هم أكبر منه سنًا ظنًا منه أنهم كانوا أبناءه في حياة سابقة.
عودة الأشخاص إلى الحياة
تظهر الدراسات مؤشرات عديدة على عودة بعض الأشخاص إلى الحياة، في جسد جديد، بعد موتهم في حوادث عنيفة كالغرق أو الاحتراق أو الاختناق أو القتل وغيرها.
وهؤلاء العائدين، يحملون في عقولهم كل ذكريات، وتجارب، وخبرات أشخاص آخرين عاشوا في أماكن أخرى، وعائلات أخرى، وربما حضارات أخرى.
ويؤكد دكتور إيان ستيفينسون، أستاذ الطب النفسي في الجامعة الأمريكية بولاية فرجينيا، وهو أحد المُتبحرين في هذا الأمر، بأن العقل له القدرة على فصل هذه الحياة من الحياة السابقة، ويعتقد بأن كل روح تحتاج إلى خبرة معينة لعدم مزج الخبرة السابقة إذا كانت سعيدة أو مؤلمة، بخبرة الحياة الجديدة، وهو شيء لا يتحقق في كل الحالات.
وقد شملت بحوث دكتور «ستيفنسون» جميع أنحاء العالم، وضمت أكثر من 2500 تقرير يدعم نظرية رجوع الروح إلى الأرض بجسد آخر، أو تناسخ الأرواح كما اشتهر الأمر.
وذكر في تقاريره، أن هناك بعض الحالات يتذكرون أماكن عاشوا فيها أو أشياء كانوا يحتفظوا بها في أماكن لم يزوروها في حياتهم الحالية، وبعض الحالات كان لديهم القدرة على تذكر كيف وأين ماتوا. وجميع الحالات تمت على أشخاص عاديين من مذاهب وديانات مختلفة، بعضهم لا يؤمن بالتناسخ نفسه، وبعضهم لا يؤمن بالأديان نفسها.
موضوع تناسخ الأرواح موضوع شائك، ولا يمكن إثباته أو نفيه بدقة، ولكن هناك حالات عديدة تم توثيقها عنه، سأطرح عليكم بعضها:
قصة التوأمتان
هي قصة غريبة تندرج تحت بند القصص المأساوية، وقد وقعت هذه القصة في مدينة ويتلى باي شمال إنجلترا، يوم الأحد شهر مايو عام 1957م، وبدأت القصة عندما قامت الشقيقتان جوانا 11 عاما، وأختها جاكلين 6 أعوام، بالتسابق في الممر المؤدي إلى منزلهما، من أجل عبور الطريق السريع، بقصد الذهاب إلى الكنسية لحضور القداس.
وعندما علت ضحكاتهما، وهما يعبران الطريق في مرح، اندفعت نحوهما سيارة مسرعة لم يستطع سائقها إيقافها مع تفاجئه بظهورهما أمامه، فأطاحت بهما السيارة وألقتهما على جانب الطريق فاقدتين الحياة، ولا أحد يمكن أن يتصور صدمة الأب بائع اللبن جون بولوك، ولا زوجته المكلومة فلورنس.
الصدمة المفاجأة زلزلت عالمهما، فتوقفت بهما الحياة لفترة من الزمن عاصرا فيها أحزان كثيرة، ثم عادت ومضت في طريقها، فانجرفا معًا، وأغلقا قلبيهما على حزنهما.
وبعد عامين من تلك الحادثة المروعة، حملت فلورنس وأنجبت توأمتان، هما جنيفر وجوليان، ومن هذه اللحظة كف الوالدان عن ذكر الحادثة، أو تبادل المعلومات عن أي من تفاصيلها، ليحدث الشيء الأعجب.
فبدون أن يخبرهما أي شخص بأي معلومة عن الحادثة المفجعة، أخذت التوأمتان تتحدثان وتذكران تفاصيل كثيرة، من حياة شقيقتيهما المتوفيتين، بشكل أزعج والديهما وأصابهم ببعض القلق والشك.
وما زاد شكوكهم، أن في الأمر شيء غير طبيعي، ويتخطى رؤيتهم القاصرة، أن جينفر كانت نسخة طبق الأصل من شقيقتها المتوفية جاكلين، وليس هذا فقط بل كان هناك على جبينها خط طولي رفيع يشبه أثر جرح، كان متواجدًا على جبين شقيقتها الراحلة جاكلين، نتيجة سقوطها على الأرض وهي في الثالثة من عمرها.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، فلم يكن تشابه الأختان التوأمتان في الشكل والتصرفات والعادات فقط، بل كانوا يتحدثان عن الحادث وكأنه وقع لهما هما، وتتذكران كل تفاصيل يوم الحادث، التي لم يقوم أحد بذكرها لهما.
وفي إحدى المرات، سمعت فلورانس ابنتها جيليان، وهي تصف لأختها التوأم أماكن الجروح التي أصابتها في الحادث، الذي توفيت على أثره.
كما رأتهما جارة لهما، وهما يقفان في موقع الحادث ويبكيان، دون أن يدلهم أي شخص على المكان.
وفي إحدى الليالي، سألت جينفر أمها السيدة فلورانس، عن الشخص المتسبب في الحادث، وعن شعوره بعدها وهل يتعذب، ثم منحتها اسمه ومكان إقامته، ووصف مستفيض لمجريات حياته، ونوع ولون السيارة التي كان يقودها.
ويحكي الأب أنه ذات يوم أخرج للفتاتين صندوق ألعاب شقيقتاها المتوفيتان، فهجمت جليان على الصندوق، وأخرجت منه لعبة على شكل غسالة أطفال، وأشارت بها إلى أبيها وقالت: أبي إنها غسالتي وقد عادت لي، وما أشار إليه الأب بعدها أن هذه اللعبة كانت تخص جوانا وتفضلها كثيرا على باقي الألعاب.
وبرغم كون الأب كاثوليكيا يتبع كنيسة روما، ومن المعروف أن أصحاب هذا المذهب لا يعترفون بعقيدة التناسخ، لكنه عاش حياته كلها مؤمنا بالفكرة، بينما زوجته ظلت ترفض الفكرة حتى ظهرت لها قرائن كثيرة، خاصة بعد تعرف التوأمتان على أماكن وأشخاص لم يزوروها أو يقابلوهم من قبل .
قصة جيني كوكيل (Jenny Cockell)
ولدت جيني كوكيل عام 1953 في إنجلترا، وبدأ الأمر معها بداية مُبكرة جدًا، تحديدًا مع ذلك الحلم المخيف الذي كان يطاردها في طفولتها ويقض مضجعها، فقد كانت تتخيل نفسها محبوسة في غرفة بيضاء شديدة الإضاءة، لها شباك من طراز قديم، وهي لا تستطيع الفرار.
ثم بدأ الحلم يتطور، وبدأت ترى أشخاص وأماكن لم ترها في حياتها من قبل، وأكثر تلك الأماكن وضوحًا، كانت صورة لكوخ صغير، مُحاط بمجموعة أخرى من الأكواخ البسيطة وسط الأشجار، وكان من الواضح أنها بلدة نائية صغيرة، والعجيب أنها برغم صغر سنها في هذا الوقت إلا أنها رسمت خريطة مجهولة لهذا المكان، وعندما بحثت في أطلس الخرائط عنها، كانت المفاجأة.
فالخريطة كانت تقود إلى بلدة صغيرة في شمال دبلن بأيرلندا، تدعى مالهد، وهي بلدة لم تزورها أو تسمع عنها من قبل، وإن نما بأعماقها شعور ملح برغبتها بزيارة هذا المكان.
لم تتوقف مشاهدات جيني على الأحلام أو الكوابيس، بل كانت تفاجأها رؤى كثيرة أثناء يقظتها، وظلت عبر السنوات تطاردها رؤى ذلك الكوخ الصغير القابع بين الأشجار، حتى بعد أن تزوجت وأنجبت.
بل وتطور الأمر فصارت ترى أطفال آخرين غير أبنائها، وتعلقت روحها بهم، لدرجة أنها كانت تشعر بقلق وخوف عليهم، حتى أصبح الأمر هاجس مزعج يطاردها.
وعلى أثره قررت جيني زيارة بلدة مالهد في أيرلندا، وكان هذا في عام 1988، فشدت الرحال إلى هناك، وما أن وصلت إلى البلدة حتى بدأت تشعر بشعور هائل بالحميمية، وبرغم تبدل البلدة عبر السنوات إلا أنها كانت تعرف طريقها جيدًا، بل وتعرف تفاصيل كثيرة في هذه البلدة الغريبة عنها، وأكثر رؤية كانت ملحة عليها، هي رؤيتها لأسرة تتكون من أب وأم وثمانية أطفال، لكنها لم تستطع تذكر اسم العائلة أو أي فرد من أفرادها.
وصلت جيني في النهاية إلى الكوخ ودون مجهود، وللأسف، وجدته مهجورًا ولم تجد تلك الأسرة، فكتبت رسالة إلى مالك الأرض التي شيد عليها الكوخ، وطلبت منه مساعدتها في الوصول إلى هذه العائلة.
وبعد وقت بسيط جاءها الرد على رسالتها، ليخبرها مالك الأرض أن التفاصيل التي كتبتها في رسالتها، لا تنطبق إلا على عائلة جون وماري سوتون وأطفالهم الثمانية التي لم يعد يعرف عنها أي تفاصيل، والعجيب أنهم كانوا يقطنون الكوخ في الثلاثينات، أي قبل وجودها على الأرض بربع قرن.
وبرغم ما احتوته الرسالة من أخبار قاصرة، إلا أن حماسها قد زاد، وقررت البحث عن أطفال تلك العائلة مهما كلفها الأمر، فعلى الأقل فهي قد حصلت على طرف خيط قوي من مالك الأرض، فكتبت مجموعة من الرسائل وجهتها إلى دور الأيتام، والكنائس، والمستشفيات في دبلن والمناطق المحيطة بها، تستعلم منهم عن مصير هؤلاء الأطفال.
وبعد مدة جاءها الرد من أحد القساوسة والذي استعان في بحثه بسجلات كنيسته، التي تحتوي معلومات عن تعميد الأطفال، وجاءتها المعلومات ناقصة، فقد أخبرها عن جون (1923) فيلومنا (1925) كريستوفر (1926) فرانسيس (1928) بريجيت (1929) إليزابيث (1932)، وبإحصاء العدد كان هناك اثنان من الأطفال مجهولين ولا معلومات عنهم.
ولأن الموضوع تحول إلى هاجس عند جيني، فقد قامت بنشر إعلان صغير في إحدى جرائد دبلن متوسطة الشُهرة، كتبت فيه أسماء الأطفال، وطلبت ممن يمتلكون أي معلومات عن هؤلاء الأطفال، مهاتفتها.
وبرغم عدم يقينها من جدوى هذه الخطوة، إلا أن المكالمة جاءتها، والمفاجأة أنها كانت من جون الابن الأكبر للعائلة، وقد كان عجوزًا هرمًا في الخامسة والستين من العمر، ولما أخبرته بقصتها، لم تجد لديه أي قبول لقصتها وادعاءاتها، فكيف يمكن أن يصدق أن هناك امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها، تخبره أنها روح أمه التي توفيت قبل 56 عامًا قد تجسدت في جسدها. وبرغم انكاره للأمر ونفوره منها، منحها هاتفي أشقائه، سوني وفرانسيس.
وعندما حصلت على أرقام الهواتف لم تتأخر لحظة، وهاتفت سوني وأخبرته قصتها، وقصت عليه بعض تفاصيل حياته، والتي لا تعرفها عنه إلا أمه. وأخبرها سوني أنه برغم صدقها أنه لا يصدق حرف مما تتدعيه، وأنه يشعر أنه يتحدث مع شبح.
لم يكن سوني برغم غرابة المكالمة يشعر بنفور منها، لذا فإنه تباسط معها، وقص عليها كيف كانت أمه تقاسي مع والده الذي كان يعمل بناء، وكيف أنه كان يضربها ويضربهم كلما عاد إلى البيت مخمورًا، وكيف أنه أنهكها بالإنجاب، حتى توفت لتؤكد نبوءة الطبيب الذي حذرها من أن كثرة الانجاب ستقتلها، وكيف تخلى عنهم الأب واقتيدت شقيقاته بعد وفاتها إلى أحد دور الأيتام بصحبة بعض الراهبات، وبعدها ذهب بعض أشقائه إلى أحد دور الأيتام الأخرى، ولم يتبقى غيره وغير شقيقته الصغرى، التي من أجلها تحمل أن يصير خادمًا لأبيه العنيف، إلى أن جاء أحد أعمامه وتكفل بها ليهرب هو في النهاية من جحيم أبيه.
بعدها تتبعت جيني مصير الأبناء جميعًا حتى وصلت إلى الأبنة الصغيرة بيتي، التي كانت تحيا مع زوجها دون أن تعلم أي شيء عن أسرتها المشتتة.
وكان لقاء بيتي بسوني عاصفًا وعرفا بعضهما على الفور دون أن يدلهم أحدهما على الآخر، من وسط جميع الحاضرين لهذا الموقف المؤثر.
سوني أخبر بيتي بالقصة، وأخبرها أنه برغم كونه كاثوليكي ويرفض عقيدة تناسخ الأرواح، إلا أن التفاصيل التي كانت تقصها عليه لا تعرفها إلا أمه، ولا يجد تفسير حقيقي للأمر، بينما بيتي، أخبرته أنها لن تستطيع مساعدته في حسم الأمر، لأنها لا تعرف أمها من الأساس، البعض أنكر والبعض آمن بالقصة خاصة الشقيقات الإناث، وقالوا إنهم شعروا مع جيني بروح أمهم.
ذاعت شهرة جيني، وتلك الأسرة التي جمع شملها على يدها، وظهرت جيني مع الأبناء الثمانية في العديد من البرامج التلفزيونية، وبرغم ما يقصه الجميع، ظل الأمر بين مكذب ومصدق.
لقد تحققت معجزة على يد جيني، دون أن يمنحهم الزمن أي تفسير منطقي.
قصة الطفل السوري المقتول
الطفل كان من مواليد منطقة الجولان بسوريا، لم يتجاوز عمره في هذا الوقت الثلاث سنوات، وهو من الدروز الذين يؤمنون بالتقمص، وقد ولد بوحمة حمراء في جبهته، وفي هذا العمر المبكر بدأ الطفل يحكي عن طريقة موته في حياته السابقة، وكيف أنه لم يمت موتة طبيعية بل أنه قُتل على يد أحد الأشخاص الأحياء.
ولم يتوقف الأمر عند هذا بل وأخبرهم عن المكان الذي دفنت فيه جثته، مما تسبب في هلع والديه، وكل المحيطين به، ورغم إنكارهم لصغر سنه، إلا أن القلق والشك تسرب إلى نفوسهم، فالأطفال في هذا السن غير قادرين على حبك قصة مماثلة.
فقد أخبرهم الطفل الصغير، بأنه قُتل بضربة فأس على رأسه، والغريب أنه كان يحمل وحمة في نفس المكان الذي أخبرهم أنه أصيب فيه بالضربة.
وعندما صار الأمر هاجسًا مُزعجًا، وللتخلص من إزعاجه، قرر والداه وبعض المهتمين ومعهم «إيلي لاش»، وهو طبيب إسرائيلي من المهتمين بهذه الحالة، وهو الذي قام بعد تحديد المكان بالتنسيق مع الخدمات الصحية في قطاع غزة للتحري عن الأمر.
مروا بقريتين أخبرهم فيها الطفل أن المكان بعيد عنهما، وفي الثالثة عثروا في المكان المحدد بعد الحفر العميق تحت الصخور على بقايا الجثة، وبعدها أرشدهم إلى مكان آخر بالحفر فيه عثروا على الفأس أداة الجريمة.
بعدها أرشدهم الطفل إلى القاتل، وواجهه بجريمته، وعندما تم أخذه لموقع الجريمة، فأصابه رعب شديد واعترف بجريمته، ولكن لم يتم تسليمه إلى الشرطة. اقترح الدكتور لاش عقوبة مناسبة للقاتل، وما زالت العقوبة غير معروفة.
وذكر هذه القصة المعالج الألماني، تروتز هاردو في كتاب «الأطفال الذين عاشوا من قبل». ويحتوي الكتاب على قصص لأطفال تذكروا قصص ميلادهم السابقة. وتم إدراج قصصهم بعد التحقق الدقيق.
ولسبب غامض لم يتم الكشف عن اسم الصبي البالغ من العمر 3 سنوات أو الضحية أو القاتل.
وتوفي الدكتور إيلي لاش في عام 2009، وبعد ذلك تعذر التحقيق في القضية.