الحياة والمناخرياضة

جايتنز.. بطل مفاجأة القرن الذي غدرت به السياسة

جايتنز.. تصنع المفاجآت جزءًا كبيرًا من إثارة وشعبية كرة القدم حول العالم، فهي ليست مثل الألعاب الفردية الرقمية التي يبقى فيها هامش المفاجآت ضئيلًا قبل انطلاق منافساتها، ومن هنا تصنع المفاجأة الحدث وتكتب التاريخ في عالم الساحرة المستديرة.

وهنا سنلقي الضوء على بطل حقق ما تم وصفه بأبرز مفاجآت القرن العشرين في اللعبة، فهيا بنا نتعرف بشكل أقرب على جو جايتنز.

البداية من هاييتي

وُلد جو جايتنز يوم 19 مارس عام 1924 في مدينة «بورت أوه برينس» عاصمة هاييتي لأسرة ميسورة الحال.

وتمتد جذور عائلة جايتنز إلى الجد الأكبر «توماس»، الذي وُلد في مدينة «بريمن» بشمال ألمانيا، حيث تم إرساله إلى هايتي من قبل «فريدريك ويليام الثالث»، ملك بوروسيا، كمبعوث تجاري عام 1825.

وفقدت عائلة جايتنز جزءًا من ثروتها عقب الاحتلال الأمريكي للبلاد الذي دام في الفترة من 1915-1934، إلا أن ذلك لم يؤثر على وضعهم الاقتصادي ضمن طبقة الأثرياء في هاييتي.

رحلة مبشرة مع الكرة

بدأ جايتنز رحلته مع كرة القدم عندما لعب لفريق «إيتوال» في عمر الرابعة عشر، ليستمر معهم تسع سنوات كاملة، كان أبرز لاعبي الفريق بها حتى قرر والديه إرساله لدراسة المحاسبة بالولايات المتحدة من أجل تأمين مستقبله، حيث كانت كرة القدم مجرد هواية في ذلك الوقت.

ولم ينس جايتنز شغفه بالكرة بعد رحيله لبلاد العام سام، فالتحق بفريق «بروكهاتن»، بالإضافة لعمله بغسل الصحون في أحد مطاعم نيويورك ليلا من أجل كسب العيش.

جايتنز يصنع مفاجأة القرن

لفت جايتنز الأنظار بشدة خلال مسيرته مع فريق بروكهاتن، حيث عُرف عنه مهارته بالتسجيل برأسه ليطلب منه ويليام جيفري مدرب المنتخب الأمريكي اللعب معهم في مونديال 1950، علمًا بأن جايتنز قد خاض ثلاث مباريات دولية بقميص هاييتي من قبل، غير أن قوانين فيفا في ذلك الوقت لم تكن تضع عوائق أمام تمثيل اللاعبين لبلدان أخرى، في حال خوض مباريات سابقة بألوان وطنهم الأصلي.

وافق جايتنز على طلب جيفري لينضم لقائمة المنتخب الأمريكي، التي ضمت العديد من الهواة بجانب بعض المحترفين، فكان منهم من يعمل نادلًا، مدرسًا، سائقًا لعربات دفن الموتى وساعيًا للبريد.

وخسر المنتخب الأمريكي مباراته الأولى كما كان متوقعًا أمام إسبانيا بنتيجة 3-1 لتأتي المواجهة الثانية أمام المنتخب الإنجليزي المدجج بالعديد من نجوم اللعبة وقتها؛ مثل ستانلي ماتيوس، توم فيني وألف رامسي، حيث توقع الجميع خسارة الأمريكان بحفنة أهداف، إلا أن جايتنز سجل هدفًا في الدقيقة 37، لينجح منتخب العم سام في الحفاظ عليه محققًا المفاجأة الأبرز في تاريخ المونديال حتى يومنا هذا من وجهة نظر العديد من خبراء اللعبة، علمًا بأن البعض قد اعتبرها أبرز مفاجأة بالقرن العشرين.

أسطورة ارتبطت بمفاجأة القرن

انتشرت أسطورة تداولتها الكثير من مواقع الكرة العالمية حول تلك المباراة، مفادها عدم تصديق الصحف البريطانية لخبر خسارة منتخب بلادها عند تلقيها تلغرافًا بنتيجتها، فتخيلوا انتهاء المباراة بنتيجة 10-1 لصالح إنجلترا، وهو ما صدر في عناوين اليوم التالي إلا أن الأرشيف الوطني لصحف بريطانيا نفى تلك المعلومة تمامًا في السنوات الأخيرة.

نهاية مشوار جايتنز الكروي

لم يكن جايتنز راغبًا في استكمال مسيرته الكروية مع الولايات المتحدة أو تمثيل منتخبها مجددًا، فرفض جنسيتها ليرحل لفرنسا للعب لفريق «أولمبياك آليه» عام 1953.

وعاد جايتز لهاييتي في العام التالي، حيث خاض مباراة وحيدة بقميص منتخب بلاده أمام المكسيك في تصفيات مونديال 1954.

ولعب جايتنز لفريق «إيتوال»، الذي شهد بدايته الكروية حتى أعلن اعتزاله اللعب عام 1957 بعد تعرضه لإصابة قوية.

السياسة تغدر بجايتنز

عاش جايتنز حياة هادئة في هاييتي بعد اعتزاله الكرة، فتزوج وأنجب ثلاثة أطفال، وكان مشهورًا بكرمه الشديد ومساعدته للفقراء، حيث كان من أصحاب الأعمال بامتلاكه سلسلة من المغاسل بالبلاد.

وكان لعائلة جايتنز اهتمامًا كبيرًا بالشأن السياسي بالبلاد، فساندت العائلة «لويس ديجوي»، الذي خسر الانتخابات الرئاسية عام 1957 ليصبحوا من أشد المعارضين لنظام الرئيس «دوفالييه»، فرحل شقيقاه «جين» و«فريدي» للدومينيكان لتكوين جبهة معارضة ضد النظام.

وعُرف الرئيس دوفالييه بقمعه الشديد للمعارضة واتباع سياسة العقاب الجماعي ضدهم، فكان اعتقال عائلات بأكملها والزج بهم في السجون أمرًا معتادًا خلال سنوات حكمه ليأتي يوم 8 يوليو 1964، ليتم القبض على جايتنز بواسطة الشرطة السرية واقتياده لسجن «فورت ديمانش» المشهور عنه بشدة التعذيب.

ولم تتمكن «ليليان» زوجة جايتنز من معرفة أي معلومة حول مصير زوجها، الذي ظل غامضًا لسنوات حتى تم الإعلان عن وفاته عام 1972 بعد عام وحيد من وفاة الطاغية دوفالييه.

ولم تتسلم عائلة جايتنز جثته التي لا يزال مصيرها مجهولًا حتى يومنا هذا، إلا أن نجله «ليسلي» قد صرح من قبل في حواره مع شبكة «بي بي سي» البريطانية عام 2014 عن اعتقاده بدفن والده في سجن فورت ديمانش، حيث تم إعدامه بأوامر من دوفالييه، وفقًا لوثائق مسربة من وكالة الاستخبارات الأمريكية.

السينما تخلد هدف جايتنز

وُضعت صورة جايتنز في قاعة مشاهير كرة القدم الأمريكية، وذلك عام 1976 تكريمًا له على عطائه للمنتخب في مونديال 1950.

وأرادت السينما الأمريكية تخليد ذكرى المباراة الشهيرة، التي جرت في ملعب «بليوهوريزونتي» بالبرازيل بين الولايات المتحدة وإنجلترا من خلال فيلم «مباراة عمرهم»، الذي تم إنتاجه عام 1995 لتسجل شاشات السينما ما عجزت عنه كاميرات التليفزيون وقتها، التي لم تبث هدف جايتنز الشهير في مرمى الإنجليز .

ولاقى الفيلم غضبًا شديدًا من عائلة جايتنز بسبب ظهوره أثناء ممارسته لبعض طقوس سحر «الفودو»، في الوقت الذي عُرف عن اللاعب الهاييتي تدينه الشديد كمسيحي كاثوليكي.

واختارت مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية الشهيرة جايتنز كأحد أهم 100 بطلًا ظهروا في تاريخ المونديال عام 1994، وذلك بسبب مساهمته في الفوز التاريخي على إنجلترا.

زر الذهاب إلى الأعلى