طلاسم

جرينجا عديمة الرأس

بقلم / محمد جمال

جرينا عديمة الرأس

العالم لم يكن أبدًا مكانًا آمنًا لنا نحن البشر، تعددت مصادر الخطر لكن الخطر المجهول كان دائمًا وأبدًا مؤرقًا لنا، وكل خطر عجزنا عن تفسير وجوده لجأنا لتنحية فكرة وجوده من أصلها، وهكذا ربما نتعايش في وهم الأمان، لكن إنكارنا لوجوده لن يغير أبدًا حقيقة وجوده من عدمها.

 

خلال سنين الحرب.. الحرب العالمية الثانية، كان الجيش الأمريكي يخشى خسارة قناة باناما الإستراتيجية لصالح القوات اليابانية، لذا كان دائم البحث عن مكان يصلح لبناء قاعدة إنذار مبكر له، ولم يكن هناك مكان أفضل من جزر جالاباجوس.

مجموعة جزر صغيرة تبعد عن أقرب يابسة لها بحوالي 500 ميل، لذا كانت مكانًا مثاليًا لقاعدة عسكرية أمريكية، وهكذا سرعان ما اتفقت الحكومة مع حكومة الإكوادور، وتم بناء القاعدة علي أكمل وجه.

 

استمرت القاعدة في العمل حتى فترة قصيرة بعد انتهاء الحرب، وكان يسكنها حوالي 5 آلاف جندي، مع توفير كل سبل الراحة لهم، لذا مهما قام الجنود بدوريات حول الشواطيء، أدركوا إن الحرب لن تأتي أبدًا لباناما، ولن يرى جندي هناك قتالًا أبدًا.

لذا بعد انتهاء الحرب تم تسليم القاعدة لحكومة الإكوادور بعدما غادر الجنود مباشرة، لتحولها الحكومة إلى قاعدتها الخاصة مستخدمة كل مرافقها المتاحة، ولكن يبدو أن الجنود الأمريكيين تركوا خلفهم أكثر من مرافق قاعدة عسكرية.

 

على حسب أحاديث الأسطورة المحلية، كان يعيش جندي أمريكي مع صديقته الأمريكية كذلك داخل القاعدة، لكن سرعان ما اكتشف أن صديقته تخونه مع جنود آخرين، وهكذا في نوبة غضب قتلها الجندي عن طريق إلقائها من فوق حافة جبلية، وبينما كان جسدها يسقط وسط الهواء، اصطدم بالصخور وعلق رأسها بشيء ما، فانفصل الرأس عن الجسد وسقط الجسد بدون رأس، لكن الجندي سرعان ما تحرك وسط حالة من الفزع وأخفى الجثة، وقال للجميع أنها ذهبت للسباحة في مكان ما ولم تعد، وكان هذا التفسير مقنعًا كفاية لاختفائها، فالأمواج في جزر جالاباجوس مخادعة.

 

بعدما غادر الأمريكيون القاعدة ليسكنها الجنود الإكوادوريون بدلًا عنهم، لاحظوا شيئًا غريبًا، حينما يكون الرجال في حراساتهم وحيدين ليلًا كانوا يسمعون خطواتها خلفها، وحينما يلتفتون لمصدر الصوت، كانت أعينهم تتسع في فزع حينما يرون جسد امرأة بلا رأس!

أسموها جرينجا بالإسبانية وتعني المرأة الأوروبية أو الأمريكية، وعلى حسب أحاديث الناس والجنود، فإنها تمتلك قدرة ما على سحر أعين الرجال وجذبهم إليها، بعض الرجال قالوا أن لها رائحة نباتية رائعة، ولكن حين تغضب تتحول رائحتها لرائحة لحم عفن.

 

ولكن تفاعلاتها مع الجنود كانت مقتصرة على بعض المضايقات و الإغراءات، إلى أن جاء ذلك اليوم وقرر أحدهم أن الوقت مناسب ليغرق نفسه وعقله في النبيذ، ثم قام بسرقة شاحنة صغيرة من القاعدة، وهرب بها ليصطدم في النهاية ببرج اتصال، رغم أنه نجى بإصابة بالغة، إلا أنه قال للمحققين أنه رأى فتاة جميلة ليلتها حينما كان وحيدًا، وأنها أغرته ليصرف في الشرب، ثم أمرته أن يسرق الشاحنة ليذهب ويحصل على المزيد، ولكن أقرب مكان للحصول على الخمور كان في جزيرة منفصلة عن الجزيرة التي تقع فيها القاعدة، لذا هناك احتمالين إما أن ذلك الجندي كان غبيًا جدًا وغائبًا عن الوعي بشكل مبالغ فيه، أو أن هناك شبح ما فعلًا كان يقوده لحتفه.

 

حتى هذا اليوم لا تزال أسطورة جرينجا حية في جزر جالاباجوس، وحتى هذا اليوم لا يزال الجنود هناك يأخذون حذرهم جيدًا ليلًا، لا ينامون وحيدين أبدًا، ولا يسمحون للظلام بالسيطرة على عالمهم، ولكن مهما حاولوا حماية أنفسهم، هي لا تزال هناك ترتقب الفرصة المناسبة.

 

مصدر

زر الذهاب إلى الأعلى