تقع جزيرة باندا في بحر باندا بجزر الملوك في إندونيسيا، على بعد 2500 كيلو متر من جاكرتا، لآلاف السنين كانت تلك الجزر المكونة من 10 جزر مصدرًا لجوز الطيب في العالم وقبل وصول الأوربيون حكمها النبلاء، كان يطلق عليهم اسم “orang kaya” وكانوا يتبادلون التجارة مع العرب والهنود، والذين قاموا ببيع التوابل للأوربيين بأسعار باهظة، وفي تلك الأثناء كانت قيمة جوزة الطيب أغلى من الذهب.
في تلك الأثناء كان الناس يعتقدون أن التوابل تعالج الأمراض مثل الطاعون المخيف، وأبقى العرب مكان التوابل سرًا مما ساعد على الحفاظ على قيمة الجزر وارتفاع الأسعار، وظل الأمر كذلك حتى عام 1511م عندما حارب ملك البرتغال أفونسو دي ألبوكيرك جزيرة باندا والجزر المجاورة لها، وسرعان ما أصبحت الجزيرة مركزًا لتجارة التوابل.
دخول البرتغاليون جزيرة باندا
حاول البرتغاليون دخول جزيرة باندا ولكنهم فشلوا كان السكان معادون لأي شيء ما عدا التجارة، وحتى القرن السادس عشر كل ما فعله البرتغاليون هو زيارة الجزيرة كل بضع سنوات والعودة بسفنهم محملة بالتوابل وجوزة الطيب والقرنفل، وفي أحد المرات حاول كابتن غارسيا إنريكس بناء حصن ولكن السكان هاجموه وحينما أدرك أن القتال مكلف بدأ البرتغاليون في تجنب الجزيرة وفضلوا شراء جزيرة الطيب من التجار في ملقا.
سيطرة الهولنديون على جزيرة جوزة الطيب
خطى الهولنديون على أثر البرتغاليون ولكنهم حاولوا فرض احتكار تجارة التوابل وأمروا سكان الجزيرة ببيع التوابل للهولنديين فقط ولكنهم رفضوا، وأرادوا التجارة الحرة وبيع منتجاتهم لمن يدفع أعلى سعر، وكانت المفاوضات شاقة، وذات مرة استدرج السكان أمير هولندي وقتلوه مما أدى لاقتحام الجنود لعدد من القرى ونهبها.
اقرأ أيضًا: أقدم جزيرة بالعالم ” جزيرة هاواي ” .. كيف تكونت ومن اكتشفها
ولكن هذا الحادث المؤسف كان في صالح الهولنديون الذين أبرموا معاهدة للسلام خضعت الجزيرة بعدها للسلطة الهولندية واحتكار تجارة التوابل، وفي نفس العام بنى الهولنديون حصن هناك للسيطرة على تجارة التوابل وبالأخص جوزة الطيب.
وعلى الرغم من السلام المفترض استاء السكان من الهولنديون وانتهكوا المعاهدة عن عمد، من خلال التجارة مع الماليزيين والإنجليز، مما تفاقم من حدة العداء، وترتب عليه ذبح الهولنديون لعدد من السكان واضطروا الهولنديون لجلب العبيد من الهند والصين للعمل في المزارع.
تنافس الإنجليز كثيرًا على هذه التجارة المربحة، مما أدى في عام 1615م لطرد الهولنديون للإنجليز من الأرخبيل ولكنهم استمروا في التمسك بها لعام 1667م، حتى حولوا وجهتهم لجزيرة نيو أمستردام على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، وفي غضون 350 عام أصبحت نيو أمستردام مركزًا للتجارة العالمية وهي معروفة اليوم باسم مانهاتن.
اقرأ أيضًا: هل تعرف طائر الدودو كان سببًا في انهيار شرطة الهند الشرقية الهولندية
نهاية ازدهار الجزيرة
وخلال الحروب النابليونية وبعد سقوط هولندا في يد فرنسا، انتهز الإنجليز الفرصة واستولوا مؤقتًا على جزيرة باندا، واقتلع الإنجليز مئات الأشجار ونقلوها لمستعمراتهم في سيلان وسنغافورة والهند لكسر الاحتكار وتم تدمير الحصن ولم تعد الجزر كما كانت.
اليوم لا يزال جوز الطيب مصدرًا لدخل كثير من سكان الجزيرة ولكن ذهب زمن الإزدهار الاقتصادي، لأن التوابل اليوم تُزرع في كثير من البلدان بالرغم من أن إندونيسيا مازالت تقود التجارة ولكن لم يعد سكان باندا يسيطرون عليها، وأصبحت الجزيرة منطقة استوائية نائية عدد سكانها أقل من 20 ألف، ولكن مازال طعم جوز الطيب الموجود بها هو الأفضل في العالم بفضل تأثيرات المناخ.
