قصص الرعب

حدوتة بتخوف (الجزء الاول)

حدوتة بتخوف (الجزء الاول)
تحركت بخطوات بطيئة مترددة وأنا أتابع في ارتباك نظرات الجالسين تخترقني وأعينهم تتحرك في جميع الاتجاهات الممكنة لاستكشافي, من أعلى لأسفل ترة  ثم تتنقل ليدي ومنها تتأمل وجهي لتعرف ما العلة التي جعلتني انضم إليهم في المكان المخصص للانتظار في أحدى المستشفيات , كان من الواضح وجودهم منذ وقت طويل كان كافيا للانتهاء من فحصهم لبعض البعض وهكذا وجدت الجميع في انتظاري لأساعدهم في تمضية بعض الدقائق قبل أن انضم إليهم و نتأهب جميعا للقادم الجديد.

عشت سنين عمري الواعي لا احب الأطباء واكره شعور المريض او اكون مضطرا  للانتظار في أماكن اختبار الصبر المسماة عيادات ولكني هذه المرة مجبرا ، فالأمر اصبح لا يحتمل! ولو استمر على ذلك أطول قليلا فالمرة القادمة ستكون على الأرجح  في أحد مستشفيات الأمراض العصبية!

-اخرسوا  بقى،كفاية … إيه!! مبتزهقوش!

صحت في عصبية ليكفوا قليلا عن أحاديثهم التي لا تنتهي وكالعادة لم يلتفتوا لما أقول بل ازدادو صخبا بعدها،ولكن مهلا.. لماذا ينظر إلى جميع من حولي وصمتوا بهذا الشكل؟ هل ظنوا أني أحدثهم هم! اللعنة! لابد أن صوتي كان مسموعا فظنوا أني أوجه لهم كلماتي .ماذا  افعل الآن؟ هل أفسر لهم أني ازجر آخرين لا يرونهم ؟ ام علي الانصراف والحفاظ على ما تبقى من مظهري وحماية نفسي من أي رد فعل حماسي ربما يصدر من أحدهم بعد أن ينتهي من تقييم الموقف والتأكد من أنني ليس الشخص الذي يمكنه التسبب في أي أضرار أثناء المواجهات !

نهضت استعدادا للانصراف متجنبا إنشاء أي تواصل بصري وهنا سمعت أسمي يتم مناداته فتعجبت وقلت لنفسي هل يستدعيني المدير لمحاسبتي عن ما قمت به الآن!  قبل أن استوعب أين أنا و بكل سرعة اتجهت لغرفة إجراء الأشعة.

***

-إيه ده …انت بترسم عفاريت!

قالتها “صفاء”ضاحكة!  بضحكتها الرقيقة التي تخطف قلبي في كل مرة  تشرق فيها وتدفعني للتفكير في وحدتي! لماذا لا توجد في حياتي من تمدني بتلك الضحكات الدافئة طوال اليوم متى احتجت و ليس في أوقات العمل بخلاف الإجازات الرسمية طبعا !

و لكن تلك المرة أشعرتني بكل ما حاولت تجاهله و أفشلت تظاهري بالانغماس في ما أفعل لعلي اسرق عدة ساعات بعيدا عن كابوسي اليومي، نظرت لما تشير وأنا اعلم  ما يوجد على الورقة أمامي والذي لا اذكر أني رسمته كالعادة، وجوه غريبة تم رسمها بخطوط سيئة تم تظليلها بطريقة تزيد ما تنشره من مشاعر مقبضة! لم تعد تجذب انتباهي كما كان يحدث في البداية ولا تثير أفكار إيجابية كاكتشافي أخيرا لرسام الكاريكاتير القاطن بداخلي ,الآن أعلم أنها ليست مجرد رسوم عادية وبالتأكيد ليست كاركتير بأي شكل من الأشكال  !

أجبت بلهجة تجاهد أن تخفي توتري المتنامي:

-عفاريت إيه يابنتي،ده فن سريالي ميفهمهوش أمثالك.

-ياسلام! طب اعذر جهلي وفهمني يا فنان،تقصد إيه برأس واحد مفيهاش غير عيون على جنابها و بق واخد باقي وشه!

***

الجمعة ١ أكتوبر 2010

قررت أن اكتب ملاحظاتي وأفكاري عن ما يحدث كعادتي لشرح لنفسي ما يصعب علي فهمه،مر اليوم خمسة أيام  منذ اقتحمت حياتي تلك العائلة الغريبة ،في الحقيقة لم أكن متأكدا من كونها عائلة أو مجرد مجموعة منهم قررت زيارتي وعدم إنهاء الزيارة حتى الآن,ولكنه على العموم كانت بداية كل شيء.

في البداية ظننت انه أنا من أفكر وأتحدث إلى نفسي،لأنه ليس من الطبيعي أن يتمكن سواك من التحدث في عقلك ثم فطنت لشيء غريب  أنني قد أصبحت أكثر ذكاء وقدرة على تحليل ما حولي , في الحقيقة أسعدني هذا لظني أنها حبوب الفيتامينات التي أصبحت مؤخرا أواظب عليها لعلها تساعد في تقليل وتيرة النسيان و الذي أصبح مشكلة كبيرة تواجهني  مؤخرا ، حتى تأكدت من سذاجتي بأغرب طريقة ممكنة!

كأيام العمل المملة تحركت عقارب الساعة في بطء أو لعلها لا تتحرك من الأساس، فأنا اشعر وكأني هنا منذ أيام وهي مستمرة في إخبازي أنه لم يمر نصف الوقت حتى! طبيعة العمل في مكاتب المحاسبة تجعل من الطبيعي مرور أيام تظل فيها تعمل حتى تنسى ما كنت تفعله في حياتك قبل أن تصل المكتب، وأيام أخرى مثل اليوم تنشغل بالتفكير في سلوك الساعة المريب و تعمدها في التوقف عندما لا تنظر إليها! ولكن قطع حبل أفكاري صوت لململة الأستاذ “سامح” -مدير القسم الذي اعمل فيه- لعدة ملفات ثم تحركه من مكانه باتجاه غرفة الأستاذ “امجد” مدير المكتب ومالكه في الوقت ذاته، ألقيت نظرة سريعة على ساعتي شاعرا بالتوتر كمثل نفس اليوم في كل سنة! ولذلك حاولت مقاومته قبل أن يتمكن مني فقلت في سخرية :

-شكل صاحبك دخل عشان يبلغ التقييم السنوي والزيادات على المرتب،يارب ما يزنبقنا زي السنة اللي فاتت.

قالت  “صفاء” بصوت هامس في شراسة رقيقة ولا اعرف كيف ولكنها فعلتها :

-طب خليه يعملها وأنا المرة دي مش حسكت!

-هتعيطي بصوت عالي السنة دي ولا إيه .

تجاهلت ما قلت بمنتهى الذوق وهي تكمل :

-يعملها وحنشوف مين اللي حيعيط!

ثم نظرت لي في تحدي ثم أردفت :

-لو حصل أنا ناوية على…

ولم تكمل جملتها حين خرج “سامح” من مكتب المدير بدون ذلك الملف مما أكد توقعي ، فحاولت الاستذكار وقلت بلهجة حرصت على أن تكون طبيعية :

-في أخباز عن الزيادات يا أستاذ “سامح”, ولا لسه شغالين في تقفيل السنة؟

وكأي ممثل فاشل زفر في ضيق مصطنع وقال:

-أستاذ “امجد” مش موافق على زيادات السنة دي لان الشغل مكنش قد المطلوب مننا،بس وعدني انه لو الدنيا اتظبطت في خلال الثلاث شهور الجاية حينزلوا علطول.

واكمل في زفر الهواء حتى وهو يطالع شاشة هاتفه وكأن عدم حصولنا على زيادة سنوية يزعجه للغاية ،لم أستطع مقاومة الابتسام وأنا أنظر لصفاء  ففهمت ما أريد قوله لها فأحمر وجهها في خجل وهي تشير بعيدا وكانها تقول أنها كانت تنوي أخذ حقها من “سامح” ولكنه “امجد” هذه المرة!

وفجأة سمعت نفسي في ذهني أقول:

-ده كداب! هو اللي طلب من المدير يأجل الزيادة بتاعتكم لحد متخلصوا شغل “شركات الشندويلي” بسبب الوقت المضغوط فتقبلوا تسهروا و تشتغلوا من البيت  عشان تاخدو الزيادات بس هو حتنزلوا الزيادة الشهر ده عادي.

لم أكن من المعهود عنهم الشجاعة ولكني شعرت بالغضب الشديد مما سمعته في عقلي لأنه كان منطقيا و متماشيا مع طريقة تفكير “سامح”، فصحت وأنا أهب واقفا:

-مش حينفع اللي بيحصل ده يا أستاذ “سامح”! ,و زي ماكلمت صاحب المكتب يوقف زيادتنا لحد مالشغل يخلص، فالعدل انك كمان تاخد معانا مش لوحدك ،انا و “صفاء” مش حنكمل إلا بكده!

وانا التفت إلى “صفاء” في آخر جملتي , ولا اعلم كيف كانت  النظرات التي تلقتها مني و لكنها جعلتها تقف هي أيضا متضامنة معي فيما اقول وان كنت اشك انها قامت باستيعاب نتيجته من الأساس!

امتقع وجه “سامح”  فلم ينطق لدقيقة تقريبا..ثم قال بصوت مضطرب كمن تم ضبطه وهو يسرق:

بتتجسس علينا يا “حسام” ؟!

فقلت في ظفر:

-يعني الكلام صح بقه؟

أوقعته جملتي في حيرة،هل فعلا كنت أعلم ما أتحدث عنه أو أنني قمت بإيقاعه في فخ..فقرر تجاهل تلك النقطة فقال ناظرا  لنا :

-يا جماعة إحنا هنا فريق واحد و ميرضنيش زعلكم! أنا حدخل لأستاذ “امجد” تاني واوعده إننا هنحقق المطلوب وناخد زيادتنا في وقتها.

واستدار عائدا وقبل أن يختفي عن ناظري استدار ونظر لي بنظره  لم افهمها ثم اكمل طريقه،كنت فخورا بفطنتي فالتفت إلي “صفاء” لأزهو بنفسي قليلا فوجدتها محدقة  ناحيتي في صمت قبل أن تنطق أخيرا قائلة باستغراب :

-عرفت منين اللي قولته ده.

هممت بقول شيء مضحك عن ذكائي الذي لا يتم تقديره ولكن مر بخاطري شيء غريب, هل كان الحديث في ذهني بخصوص ما فعل “سامح” قيل   بصوتي فعلا! لماذا أشعر الآن أنه كان صوتا غريبا على أذني،صوت لم يشبه أصوات البشر من الأساس!

***

الأحد ٣ أكتوبر ٢٠١٠

اليوم يكون قد مر أسبوعا  كاملا على تلك الواقعة ولم تحدثني تلك الأصوات، والآن ينتابني الشك في حدوثها من الأساس.

***

الخميس ٧ أكتوبر ٢٠١٠

كعادتي في أيام الخميس عدت متأخرا للمنزل بعد تمضية بضع ساعات على مقهاي المفضل، كنت قد تناولت بعض السندويتشات ولذلك لم يمر وقت طويلا حتى كنت في الفراش استعد للنوم  ويبدو أنها مجرد ضلالات توهمت حدوثها.

***

الجمعة ٨ أكتوبر ٢٠١٠

الساعة ٤ صباحا

ضربات قلبي المتصاعدة تؤلمني، لا يزال جسدي يستجلب المزيد والمزيد من الأكسحين و أري صدري يعلو ويهبط وكأني قد توقفت لتوي من سباق عدو ، ومع هذا لا أشعر بأي استغراب فما رأيته كان ابشع كوابيسي وأطلق عليه كابوسا فقط اصطلاحا ولكنه بالنسبة لي كان حقيقيا بكل تأكيد وإذا لم تكن فكيف ستكون الحقيقة إذا.

***

الجمعة ٨ أكتوبر ٢٠١٠

الساعة 6 صباحا

فشلت في جميع محاولات أخباز عقلي على النوم، في الواقع اقنعني منطقه في اختيار الأرق،أنه يخشى أن يستكمل بإرادته ما استطاع الهرب منه بشق الأنفس، لقد كان كابوسا مرعبا بحق.أشك في قدرتي على كتابته تفصيليا بتلك الأصابع المرتعشة ولكني سأقوم بالمحاولة على أي حال.

#الكابوس

إنها غرفتي  بكل تأكيد ، الظلام في كل مكان تقريبا لولا خيوط ضوء مصباح الشارع المتسللة من فراغات النافذة المتهالكة , لن أفشل في التعرف على أكوام الكتب المكدسة في جوانب الغرفة،السرير الذي يزين ظهره الخشبي صورة “مطربتي” المفضلة والغطاء البائس الذي كالعادة يفشل في مهمته ويتركني أوجهة بمفردي لسعات برد أكتوبر وها أنا اسعل تحته مادا يدي بعيون مغمضة محاولا فعل لا شيء..وهنا لفت انتباهي أنني أزاني! 

تقدمت -نحوي- بخطوات مرتعشة..لا مجال للشك انه جسدي و صوت شخيري -الذي لا اسمعه بكل تأكيد أثناء نومي- لكني اعلم انه هو! بتردد مددت يدي و أزحت الغطاء بحركة واحدة!..الحمد لله لم يكن أنا!

-لااااااا…لااااااا…أية ده… ايييه ده!

أخذت في الصراخ وأنا أتراجع مثبتا نظري عليه-من سيعطي ظهره لذلك المسخ- كان جسده هو جسدي تماما ولكن ما استقر فوق كتفيه كان أبشع ما رأيت منذ أن تعلمت الأبصار!  لو أطلقنا عليها مجازا رأسا فهي لن تشبه أي رأس قد تراها في حياتك؛ لم تكن دائرية تماما أو بيضاوية بالكامل، كانت شيء أخر مزيج بينهم ،شكل دائري في ثلثه الأسفل يحتوي بأكمله على ما يشبه الفم ولكنه غليظ الحدود ويحتوي بداخله على غشاء الوردي بملء مساحته، أما الجزء الأعلى فكان شكل بيضاوي لا يحوي سوى عينين خضراوين يتواجدان أقصى كل جانب حيث يمتدا من أول حدود الرأس  إلي بداية الفم، كل هذا هينا أمام ما تواجد فوق تلك الرأس الغريبة! انساب من منتصفها سائل ما يشبه ما ينتج عن احتراق الشموع لكن للغرابة فأنه لا يسقط خارج حدودها وكأنه يتم امتصاصه ليعاود الخروج من الأعلى مرة أخرى كدائرة مغلقة! وكان هذا واضحا في الظلام بسبب توهجه بلون وردي سخيف أعطاه لمحة أنثوية لا تليق مع صفاته الشكلية المرعبة!

لم اعرف هل هو نائم أم مستيقظا، تلك الأعين بدون جفون لا تدل على شيء ولكن صوت الشخير لم يتوقف وأظنها علامة جيدة،لم يوقظه صريخي وهذا شيء رائع..ولكن أين الباب اللعين! احسبني أتراجع منذ ساعات..التفت خلفي بحركة لا إرادية فتأكدت أنني قد أسأت الظن في الباب المسكين! فهو في مكانه الطبيعي ولكني من لم يتحرك من مكانه! وهنا تنبهت للصمت واختفاء صوت شخيري المزعج! استدرت بسرعة وكما توقعت لم يكن هناك أي مسوخ! فلعله الوقت المناسب للانهيار..فسقطت أرضا ولا اعلم ما جرى بعد ذلك!

اقرأ أيضاً

مأساة كارل تانزلر

لغز رجل الرف المعدني

زر الذهاب إلى الأعلى