نفسانى

حقيقة صراع العلم والدين “الجزء الثاني”

صراع العلم والدين – كتب- كريم حسن:

إن الفلسفة تعتمد على الدليل العقلي، ومعيار الصواب عند الفيلسوف هو عدم التناقض المنطقي، ويعتمد في ذلك على مبادئ المنطق الأولية. أما العلم فمبدأه أن ما لا يمكن رصده بالحواس، فلا وجود له، وأن ما لا يقبل القياس التجريبي كذلك لا وجود له، وكلاهما بمعنًى. أما الدين، فيستند في الأصل إلى الدليل النقلي، ومعيار الصواب هو ثبوت الدليل من حيث صحة النسبة، وصراحته من حيث المفهوم. فإلى أي منهم يجب على الإنسان الاستناد في فهم هذه الحياة وظواهرها؟

صراع الدين والعلم

يرى توما الأكويني (1225 – 1274) وهو لاهوتي وفيلسوف أن الإيمان مرتبط بالمنطق بالرغم من اختلاف طبيعة كل منهما، وذلك لأن بعض الحقائق الإيمانية الأساسية يمكن الاستدلال عليها بالمنطق، ومن هذه المقدمات يُتوصل إلى الإيمان، بما يتنافى مع المنطق في الظاهر لنا، فلا يكون ثمة تعارض في الحقيقة بين الإيمان والمنطق، وإنما هو ضعف القدرة العقلية البشرية عن إدراك تلك الحقائق الإيمانية. فهو مثلًا يرى أنه يمكن الاستدلال على وجود خالق رحيم كامل القدرة، وذلك بالنظر إلى الخلق، وإذا كان رحيمًا قديرًا، فإنه لن يدع خلقه هملًا، ولن يخلقهم عبثًا، ويترك حياتهم تنقضي سُدًى، دون أن يوضح لهم الغاية من خلقه لهم، وكيف يحققون هذه الغاية. لذلك يلزم منه إرسال الرسل وتشريع الشرائع، وحينها إذا آمنَّا مستندين إلى العقل، يمكننا أن نؤمن بما تمليه علينا كلمات الله، ولا يكون إيماننا منافيًا للمنطق حينها، لأنَّا آمنَّا بكلمات الله كمصدر مطلق للمعرفة، مستندين في ذلك إلى المنطق.

لكن العلم له طريق آخر، ربما عكس طريق الدين من جهة البدء والانتهاء؛ فحيث ما يبدأ العلم ينتهي الدين، وحيث ما ينتهي الدين يبدأ العلم؛ إذ يرى العلم أنه يجب البدء بالجزئيات التي تكتشفها الملاحظة والتجربة للوصول للكليات أو النظريات، وذلك عكس الدين الذي يصل إلى إثبات وجود الله أولًا، ثم يصل منه إلى إثبات ما يتفرع عن الإيمان به، وذلك بالتسليم المطلق بما يقوله المصدر الإلهي تسليمًا لا شك فيه. أما طريقة العلم فهي قائمة على الشك المستمر فيما تُوصِّل إليه من نتائج، وذلك بإخضاعها للتجربة تحت مختلف الظروف، فإن ثبتت أمامها فهي صحيحة، وصارت الأدلة على صحتها مجرد أمثلة لها، وإلا تم رفضها.

اقرأ أيضًا:

حقيقة الصراع بين العلم والدين الجزء الأول

والحقّ أن العلم والدين مجاليهما مختلفين تمامًا، فإن العلم لا يرفض الدين؛ لأن العلم لا يرفض إلا ما يخالف التجربة، والدين لا يخضع للتجربة، وكذلك فإنه لا يقبله؛ لأن الدين معظمه قائم على الإيمان بالغيبيات التي لا يمكن إدراكها بالحواس، فهي خارجة عن مجال العلم. وقد فشل العلم، بما لا يدعُ له مجالًا للمحاولة مرة أخرى، في فهم وتفسير أكثر الظواهر شمولية وعمقًا، وهي الروح والعقل والخلق. يقول برتراند راسل (1872-1970) في كتابه “النظرة العلمية” أن الصراع بين العلم والدين هو صراع بين منهجين في التفكير، وهما القياس والاستقراء، فالذين يقولون بالقياس، وهم أصحاب الدين، لا بدّ لهم من مقدمة مُسلَّمة يقيسون عليها، وتكون هذه المسلمات عادة مستقاة من الكتاب المقدس. لهذا كان من المنطقيّ أن ترى أهل الدين يثورون على من يشكك في صحة أصولهم، ولهذا أيضًا كان لدى الأقدمين نظريات عن كل شئ في الوجود، لأنه ليس أسهل من أن تجد المقدمات المُسَلَّمِ بها، فما أن جاء جاليليو حتى ارتاب في كلّ هذه الأصول المعرفية.

المراجع

[1] Bertrand Russell, “Religion and Science”

[2] John Chaffee, “The Philosophers Way; Thinking Critically,” Pearson.

[3] Karl Popper, “Conjectures and Refutations; The Growth of Scientific Knowledge,” Routledge Classics.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى