حكايات كرة القدم الإفريقية.. «الصياد والفريسة» صراع الساحرة المستديرة
الصياد والفريسة.. في عام 1898 قام نادي دولة أورانج الحرة البانتو، من جنوب إفريقيا، والذي كان كل أعضائه من ذوي البشرة السوداء، بزيارة المملكة الأم، سيدة الإمبراطوريات، ربة الاحتلال، بريطانيا العظمى. لعب الفريق العديد من المباريات مع فرق من إنجلترا واسكتلندا وويلز، وبالطبع انهزم فيها جميعا.
وفي تلك الفترة كانت زيارة الفريق قد أثارت عاصفة من التعليقات من قبل العاملين بمجال كرة القدم، وخصوصا من قبل المتعاطفين مع حكومة جنوب إفريقيا العنصرية. ولكن أكثر تعليق قام بتفسير ماهية لاعب كرة القدم الإفريقي بالنسبة إلى الأوروبيين في تلك الحقبة، كان تعليق أ.ج. باركر مدير فريق كورينثيانز لكرة القدم الإنجليزي في إحدى المقابلات الصحفية: “يلعبون بشكل عجيب، لم أر مثل ذلك في حياتي”.
طريقة لعب جديدة بين الصياد والفريسة
الذي دفع باركر للتعليق بتلك الجملة، هو أداء لاعبي فريق دولة أورانج، فقد كان اللاعبون يركضون أمام الكرة وخلفها وبجوارها، كانت طريق اللعب هذه غير مبررة لدى باركر أو باقي الذين شاهدوا مباريات ذلك الفريق. ولكن الحقيقة التي غابت عن ذهن هؤلاء، بأن ما كانوا يرونه لم يكن نتيجة أن هؤلاء اللاعبين لم يكونوا يجيدون اللعب، بل كانوا يركضون كما تعودوا لمئات السنين، خائفين من الاصطياد، كانوا يركضون كما تعلموا من آبائهم، هربا من شباك صيادي العبيد.
وحاولوا مرارا وتكرارا أن يلعبوا كما تعودوا هناك في قراهم ومدنهم وبين أقاربهم وأصدقائهم، ولكن عبثا، فهنا وبين المئات والآلاف من الصيادين المتربصين في المدرجات، كانوا يشعرون بأنهم فرائس، ولذلك كانوا يركضون هربا.
وفي العصر الوسيط، حينما تم اكتشاف لعبة كرة القدم في نفس تلك الفترة التي تم فيها اكتشاف تجارة العبيد، كانت التجارتان تصبان الربح في جيوب الأوروبيين، لأن كرة القدم لم تمنح المال الكافي لجعلها الباب الأول للثراء، في حين أن تجارة العبيد كانت هي الباب الأوسع والأكبر، وأحيانا الأقدس من أجل تحقيق الثروات، ومن قبلها بالطبع كما قال المسيحيون الأوائل حينما ذهبوا إلى إفريقيا، لإخراجهم من الوثنية إلى نور الملكوت ورحمة الرب، اختار الأوروبيون بموافقة الدولة والملك والكنيسة والشعب أن تكون تجارة الأفارقة في خدمة الرب.
صراع كرة القدم
بالطبع لم تكن في خدمة الرب القديم في روما، بقدر ما كانت في خدمة الرب الجديد، الذي تمثل بمزارع قصب السكر والتبغ والقطن في العالم الجديد. فالرب الجديد الذي كان عمره لا يتجاوز العشرات من الأعوام، كان هو القارة الأمريكية، تلك التي كان عمرها لدى الشعوب الأصلية هناك أقدم من عمر الرب، لكنها كانت فاقدة للهيكل والتناول.
اقتيد العبيد من كل مكان في إفريقيا، وتم شحنهم لأقرب نقطة على الساحل الإفريقي في مواجهة الساحل الأمريكي، وكانت السنغال.
في السنغال كان يتم تجميع الآلاف وعشرات الآلاف بل مئات الآلاف والملايين، على مدى ثلاثة قرون من الزمن، ويتم شحنهم كقطعان إلى العالم الجديد، من أجل الرب الجديد. وفي السنغال أصبح لتجارة العبيد قواعدها وقوانينها، ولربما أيضا أخلاقياتها وواجباتها. في السنغال تم تفريغ القارة الإفريقية من الملايين من سكانها، ونقلهم إلى قارة أخرى، بالطبع بعد قتل سكانها القدامى، وجلب آخرين جددا، كي يحلوا محلهم، إنها لعبة كرة القدم في المستقبل، تهزم فريقا، لتأتي بغيره لتهزمه، وهكذا حتى تصل إلى نهائي الكأس، ومن ثم تكون البطل، ولذلك كانت لعبة كرة القدم دوما تنحاز إلى المستعمرين.
السنغال، المستعمرة الفرنسية الشهيرة ببيع البشر، هي أيضا كانت ملكية خاصة لفرنسا طوال ثلاثمائة عام. ولكن في عام 2002 في بطولة كأس العالم في كوريا واليابان، كانت السنغال تحتفل بعيد استقلالها الحقيقي، وذلك حينما هزمت فرنسا بطلة العالم 1 – 0، لتتحرر من عبوديتها الأزلية.
الفريسة والصياد
الفريسة التي كانت تركض في الملعب لكي تهرب من الصياد، تغير حالها، أدركت في لحظة الخوف بأن لديها أنيابا وأظافر، فقررت أن تلعب دور الصياد.
في 31 مايو من عام 2002، في ملعب سيول بكوريا الجنوبية التي كانت مع جارتها اليابان تستضيفان كأس العالم، التقى الصياد والفريسة، كان الصياد يحمل الكأس والفريسة تحمل الخوف، كانا متساويين بتاريخ مشترك يبلغ ثلاثمائة عام من الاستعمار، لكن الكفة كانت تميل لصالح الأقوى في التاريخ السياسي والاستعماري والكروي أيضا.
كان فريق فرنسا هو الأقوى على مستوى قائمة الأسماء، فمن بين الإحدى عشرة قدما زرقاء التي شاركت في كأس العالم السابق، كان هناك ثمانية لاعبين لم يتغيروا، ولاعب واحد فقط كان حديث العهد بالمنتخب وهو سيلفان ويلتورد، الذي لعب أول مباراة له مع المنتخب الفرنسي أمام المنتخب الإنجليزي في عام 1999، وفازت فيها فرنسا 2 – 0، بينما خرج كل من زين الدين زيدان وديشامب، وحلّ بدلاً منهما، تريزيجيه وديفيد هنري.
إنجازات المنتخب الفرنسي
في المحصلة لم يكن الفريق الفرنسي مرشحا للهزيمة بأي حال من الأحوال، فهذا الصياد كان يحمل وهو ينزل الملعب كأسين من أقوى الكؤوس في العالم في تلك الفترة الزمنية القليلة وهما، كأس العالم 1998، وكأس الأمم الأوروبية 2000، بينما هذا الأسد الآتي من أدغال غرب إفريقيا، كان قد خرج في نفس المدة الزمنية، من الدور ربع النهائي في بطولة الأمم الإفريقية 2000، وخسر النهائي في بطولة الأمم الإفريقية 2002 أمام الكاميرون بضربات الجزاء الترجيحية.
لقد كان خالي الوفاض من البطولات والميداليات، فهو الفريق الوحيد الذي كان يشارك في كأس العالم كفريق إفريقي، لم يكن قد حصل ولو لمرة واحدة على كأس القارة السمراء طوال تاريخ مشاركاته، وكذلك لم يحصل أي نادي سنغالي على أي بطولة في إفريقيا، والأصعب أنها كانت المرة الأولى التي تشارك فيها السنغال في كأس العالم.
خبرة الفريسة الوحيدة، كانت في الهرب، بينما الصياد، كان قد أعلن عن بيع لحم فريسته قبل أن يصطادها. وفي الدقيقة 29 من زمن المباراة، استطاع بابا ديوب أن ينتزع الكرة من لاعب الوسط الفرنسي، ويمررها للحجي ضيوف على الجانب الأيسر من وسط ملعب فرنسا، لينطلق بها الحجي ضيوف على حواف منطقة الجزاء من الناحية اليسرى، مراوغا فرانك ليبوبوف، تاركا إياه على الأرض.
مشاركة السنغال في كأس العالم
بتمريرة ساحرة من قدمه اليمنى، يسدد الكرة زاحفة، بين الثلاثي الفرنسي، مارسيل مارسيل ديسايي وإيمانويل بوتي وحارس المرمى فابيان بارتيز، ليأتي بابا ديوب، الذي كان قد أتى منطلقا من وسط الملعب، متابعا بعينيه الحجي ضيوف، وكأنه مدرك، ومتأكد من أنه سيعيد إليه الكرة مرة أخرى، ومن بين الثلاثي الفرنسي، يطير منزلقا ليضع الكرة المارقة في الشباك، وإلى حيث ركض بابا ديوب ناحية الراية اليمنى للملعب، تحلق حوله ستة لاعبين من فريقه، ورقصوا كما تعود آبائهم أن يرقصوا حينما يصطادون فريسة.
في تلك اللحظة فقط، استطاع الأفارقة أن يستعيدوا ذاكرتهم، تلك التي انتزعت منهم على مدى قرون. أدركوا أنهم الصيادون وليسوا الفريسة، وهناك في أبعد مكان عن غرب إفريقيا، في الناحية الأخرى من العالم، في كوريا، عادت للصياد مهارته، وأعلن بالرقص، أنه لم يولد فريسة، بل ولد كما ولد أجداده: صيادا.