رمضان في عين نجيب محفوظ
كتب نجيب محفوظ عن رمضان فقال: “قالوا في حكمة الصيام أنه فرض على المؤمنين ليخبروا في أنفسهم آلام الجوع فتنعطف قلوبهم نحو الفقراء وأنه وسيلة تربوية لشحذ الإرادة واعتياد الصبر وأنه سبيل إلى تهذيب نوازع النفس وتطهير الروح، كل هذا حق غير أن المؤمن لا يقبل على الصيام لداعٍ من هذه الدواعي بقدر ما يقبل عليه من طاعة الله ومحبة فيه، وهو يجد في ذلك السعادة دون تعليل أو تأويل، و الصيام تذكرة لمن شاء أن يوجه ضميره نحو هذه الواجبات لتأملها والعمل على تحقيقها، فليكن لنا في شهر الصوم فرصة طيبة لمراجعة النفس في سلوكها حيال الحياة والناس ، على ضوء مبادئ الدين الخالدة، وأول هذه المبادئ التوحيد وتحرير هذه الروح من عبادة أي شيء أو أي شخص، فلا نعبد إلا الله، وأيضا روح التضامن في المجتمع الإنساني التي جعلت للفقير حقا في مال الغنى ومن هذه المبادئ أيضا التسامح الإنساني، والدعوة الحقة إلى الأخوة الإنسانية والاجتهاد للمؤمن المفكر في إيجاد حلول جديدة في ظروف اجتماعية جديدة.”
ورد هذا النص ضمن مجموعة مقالات نشرتها جريدة الجمهورية سنة 1957 بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك بعنوان حديث الصيام كتب فيها مجموعة من الأدباء منهم نجيب محفوظ، ومن المصادفات أن شهر رمضان في سنة 1957 جاء في شهر أبريل مثل عامنا هذا.
وكما هو واضح من المقال كيف أن رمضان في عين نجيب محفوظ كان له معزة خاصة، فنجيب يتكلم في رمضان بلسان المشايخ فيتحدث عن إخلاص العبادة لله وعن مراجعة النفس وعن فضل رمضان الذي يشمل التضامن الإنساني بين الأغنياء والفقراء ويرتفع ليصل إلى كمال التسليم لأوامر الله واجتناب ما نهى عنه.
كما يرى نجيب محفوظ أن رمضان هو فرصة لشغل النفس بالتفكر في الدين وفي الاتحاد لإيجاد حلول لمشاكل المجتمع في ظل هذا التلاحم الإنساني والروحي الذي يفرضه شهر رمضان على جميع الناس.
ولم يكن هذا مجرد كلامه يورده نجيب محفوظ كأديب محترف لأن جريدة طلبت منه أن يكتب مقال.. بل كان هذا واقع نجيب محفوظ مع رمضان.
فنجيب محفوظ الذي نشأ بين أحضان القاهرة القديمة فتنقل في طفولته بين الجمالية والحسين والعباسية عايش في طفولته كل مظاهر رمضان التي تخطف النفس من جمالها.
وكما هو معلوم فإن عيون الأطفال لها مقدرة أكبر على تذوق الجمال لأنها تكون متعطشة بفضول المعرفة وخالية من المشوشات الخارجية. عاين نجيب محفوظ رمضان بعيون طفل لذلك لم يستطع طول عمره حتى مات عن 95 عام.
فقد كانت ذكرى رمضان بالنسبة لطفولة نجيب محفوظ بأنه شهر الحرية، فإن الأهل في رمضان يسمحون لأطفالهم بأشياء لا يسمحون لهم بها بقية العام، فالأطفال في رمضان يظلون في الشوارع حتى ميعاد السحور يلعبون ويجرون بين الحارات ويقيمون الدورات الرمضانية والمنافسات الكثيرة التي تملأ الجو فرحة وسرور.
كما أن الجميع في رمضان يتنافس على إعطاء الحلوى للأطفال، وهو أمر يمنع عنهم في كافة أيام السنة حفاظًا على صحتهم.. لكن في رمضان إذا ذهبت للمسجد في صلاة التراويح ستجد كهلًا يوزع حلوى على الأطفال، وإذا مشيت في الشارع عند آذان المغرب ستجد شخصًا يوزع عصائر شهية على الجميع وبخاصة الأطفال. وإذا عاد الطفل للمنزل يجد أمه قد صنعت له أجمل الحلويات من كنافة وقطائف وهريسة.
وبالطبع يحصل الأطفال على لعبتهم المشهورة في رمضان وهي الفانوس، وبمجرد حصولهم عليه يبدأ الأطفال رحلتهم على بيوت الجيران يحركون فوانيسهم ويغنون أغاني مبهجة ليحصلوا على العادة، وهي مقدار من المال يحصل عليه الأطفال من كل جار، لذا يكون مع الأطفال في رمضان مالًا لا يحصلون عليه طوال العام. وكان نجيب أيضًا يعشق حلقات الإنشاد التي كان يقيمها الأغنياء في ميدان القاضي في القاهرة القديمة.
كل تلك الذكريات كانت تملأ عقل نجيب وظهرت جلية في رواياته، فظهرت على سبيل المثال في رواية خان الخليلي التي كانت أحداثها تدور في الحسين.
وورد أن نجيب كان ينقطع عن الكتابة تمامًا في رمضان ويتفرغ للعبادة ولجلسات الأصدقاء بعد الإفطار. وكان يتحين كل فرصة ليحي في نفس ذكريات رمضان لتغمره تلك السعادة البالغة التي كان يشعر بها في طفولته خلال هذا الشهر.
وكان إذا حل رمضان في الصيف سافر إلى الإسكندرية لأنها تكون هادئة وخالية من المصيفين في شهر رمضان، لذا كان نجيب يرى أنها فرصة جيدة للتعرف على العاصمة الثانية لمصر. وكان يداوم على تناول إفطاره في المطاعم العامة لدراسة أحوال الناس هناك.. وذلك رغم أن أسرته كانت تفضل البقاء في القاهرة. رأى نجيب في رمضان فرصة للقرب من الله ولشحذ النفس للعمل بقية العام، ولغمر النفس بفرحة لا يمكن الحصول عليها إلا من نفحات هذا الشهر الكريم.
لرمضان حكاية وذكرى لدى الجميع فما هي حكاياتك ذكرياتك في رمضان؟
اقرأ أيضاً
المتحف المصري يقيم محاضرة افتراضية حول فوتوغرافية الإثار المصرية