تاريخ

رنا مسعد تكتب: عن حقوق المرأة قديمًا

رنا مسعد تكتب: عن حقوق المرأة قديمًا

كل قارئ وكل شخص يهتم بالتاريخ والثقافة يعلم جيدًا أن نظرة المجتمع للمرأة تتحَدد حَسب مدى تحضُر فِكر الشعب واستيعابه لأهمية دورها ومشاركتها، ويترتب على ذلك إما حصول المرأة على حقوقها أو حرمانها منها، فأحوال المرأة في مصر اليوم تختلف عما هي عليه في الدول الأوروبية أو باكستان أو تونس..إلخ.

وفِكر كل شعب يُشكلة مئات العوامل المختلفة، على سبيل المثال: (الوعي المُجتمعي، الحالة الإقتصادية والسياسية والتعليمية والنفسية والجهود الثقافية، وحتى العادات والتقاليد، بالإضافة إلى الفِكر الديني بالطبع كما هو الحال في المجتمعات العربية) فكل هذا يكوِّن أخلاقيات الشعب.

وعلى مدار التاريخ المصري القديم مرَّت الحضارة المصرية بفترات صعود وهبوط، خلالها كانت أحوال البلاد تتغير وبالتالي الفِكر إما يزدهر أو ينحدر، ومن ثم تتحدد كيفية رؤية المجتمع للنساء، وخلال تلك الفترات المُتغيرة تمكنت المرأة المصرية من أن تنال حقوقها تارة وتفقدها تارة، ولكنها بالنهاية تُشبه ما يناضلن من أجلهِ النساء اليوم في مصر والبلاد المختلفة. 

قديمًا مثلًا في الميراث: 

كان لها حق الملكية في العقار، وحق البيع والشراء، وكانت شهادتها في المحاكم يتم قبولها، بل كان يتم تحذير الرجل من التعدي على ملكيتها وكانت له عقوبة إذا فعل، وكانت تتساوى مع الرجُل بالميراث وتُصبح وريثته الوحيدة في حالة عدم وجود أبناء.

وبقانون الميراث الخاص بالأسرة الثالثة، كانت أنصبة الذكور والإناث متساوية إلا في حالة إذا وُجِدَت وصية تنص على غير ذلك. 

وبرغم المدنية والتطور وسيادة القانون اليوم إلا أن في بعض المناطق مازالت بعض النساء لا يرثن، إما بسبب التهميش أو الاحتيال.

وفي حالة الطلاق:

لها الحق في طلب الطلاق لو الزوج خانها أو أساء معاملتها، وعليه كان يُحدد لها نفقة إن تم الطلاق، ورغم أن الطلاق لم يكن مُحبب بالمجتمع إلا إنه شاع بالطبقات الفقيرة.

وعن الصداق: 

 فالزوج كان يمنح هبة كمؤخر صداق، فقد ذُكر لنا من عصر الأسرة السادسة بواسطة (ايماخو): “أن الضيعة التي أعطيتها لزوجتي المحبوبة (دسنك) تُعَد ملكها الخاص وذلك لأنني أحببتها كثيرًا”. وردت زوجته وقالت: “إذا اغتصب أحد هذا الصداق المؤجل رفعت ضده دعوى أمام الإله العظيم”.

وبالزواج وطقوسه:

كان المتعارف عليه آنذاك الزواج في سن مُبكِر كما كان الأمر بالعصر الروماني، حيث الفتى يتزوج في سن الخامسة عشرة والفتيات في الثانية عشرة مثلًا، أما الزواج في ذلك السن اليوم يُعتبر تعدي على حقوق الطفل بالطبع؛ نظرًا لإختلاف الأزمنه وتطور الأفكار.

أما طقوس عقد الزواج كانت تتم بالمعبد بحضور الكاهن والأقارب.. ويوجد بالمتحف المصري نسخة من عقد زواج بين (امحتب وزوجته تاحاتر) وكُتِب فيه حقوق الزوجين التي تعادلت بشكل واضح.

أما في حالة إهانة الزوج لزوجته فقد كان يتعرض  لعقوبة شديدة، وقد تم الحكم على أحد الأزواج بالفعل بجلدهِ مائة جلدة بسبب إهانة زوجته لفظيًا، وكان شرطًا إن تمادى أو كرر ذلك أن يُحرم من أمواله.

وعندما نتحدث عن الزواج لابد وأن نذكر مصير التعدد، ففكرة تعدد الزوجات لم تكن شائعة إلا بين الملوك والمُترفين، أما في بقية المجتمع فلم يكن للرجل سوى زوجة شرعية واحدة.

وكان للملوك ما يسمى بالمحظيات وبنساء الحريم، بجانب تعدد زوجاتهم ولم يكن لهن أي حقوق لأن وضعهن كان غير قانوني، وأحيانًا مُثلن على جدران المقابر كما في مقبرة (تي) بسقارة، و لم يظهرن المحظيات بكثرة على جدران المقابر إلا في الوقت الذي كانت فيه المرأة تحت سيطرة الرجل بشكل كبير مما أثر على مكانة الزوجة وأقل من كرامتها.

العمل والتعليم:

فقد كان للمرأة الحق في التعليم، ونساء الدولة كُن يعملن بالوظائف المختلفة، ويساعدن أيضًا أزواجهن بالزراعة وبالتربية وبالحياة واستطعن العمل ككاهنات وبعضهن عملن ككاتبات، وعلينا أن نفتخر ونتذكر (ميريت بتاح) أول طبيبة مصرية في التاريخ.

 

الأمن والتحرش:

هناك حادثة مشهورة وقعت في عهد الملك سيتي الثاني حيث كان هناك شخص يدعى (بانيب) والذي كان يعمل في بناء مقابر الملوك في الأقصر وقد قام بالتحرش بالسيدات والاعتداء عليهن والسرقة أيضًا، وعندما كُشفت أعماله السيئة تلك طُرد من عمله على الفور، وذُكرت تفاصيل تلك القصة في بردية محفوظة بالمتحف البريطاني. 

وقديمًا اشتهر رمسيس الثالث بحفظ كرامة النساء، فكان يهتم بألا تشعر امرأة باضطهاد وكان يفتخر بأنها في عهده تذهب وتمشي بالطرقات دون أن تُمَس بسوء بل وعمل على انتشار الأمن في المجتمع.

وبالنهاية يمكنكم أيها القُراء الأعزاء أن ترسموا صورة للأنثى المصرية القديمة بأنها قُدرت ووُضِعَت حقوقها بمنتهى الكرامة منذ سنين وعصور سحيقة، فاحترمها المجتمع وعملت ومُثلت على التماثيل بجانب الملوك وكانت مكانة سيدة المنزل كبيرة جدًا.

وإذا اختلط عليكم رؤية المساوئ التي تحدث للنساء اليوم فعليكم مراجعة التاريخ وقراءة المقال مرة أخرى لتعلموا الفارق ولتدركوا أن ما نحن نواجهه اليوم كنساء وسيدات شئ مُهين، فالمجتمع اليوم انحدر انحدارًا مخيفًا.

 فلتبقى ولتحيى دائمًا الأنثى مشاركة محاربة فاعلة قادرة ومنتجة بأي عصر وبكل مكان، فبرغم اختلاف الزمن ومرور آلاف السنين فإن معارك حقوق المرأة لم ولن تنتهي، ولكنها بدأت حينذاك فقط واستمرت حتى اليوم وستستمر.

فقط تذكروا أنها بدأت من أرض كمت الحرة ونسائها العظيمات.

زر الذهاب إلى الأعلى