رنا مسعد تكتب: عن معركة الكتابة
لحظات الكتابة تُحيي أصحاب الأقلام..
تكوّن واقعهم وترسم أزمنة حياتهم..
يتجردون فيها من مساوئ البشرية..
فهي الأوقات التي تسمو فيها الصراحة وتنهزم الأنانية..
الكُتّاب الحقيقيون أصحاب رسالة..
أو ناقلين للعلوم وهائمين في الكوّن وأسراره
بعضهم يحلمون بتأمُل في أحضان الطبيعة
وأحيانًا هم البشر المتعبون من الذكريات المريرة
هم القادرون على هدم تلك الأصنام الاجتماعية التي نحتتها الدنيا قهرًا فوق أجسادهم
هم الأحرار بتمرد.. ولكن سجناء الشعور!
عندهم تتلاقى الأزمنة بين ما مضى وما يحدث وما قد يحدث
ويرون المخلوقات والأشياء ككيانات لغتها الشعور.
فَلَك الكُتّاب والكاتبات هو فضاء خيالهم الحُر
فيه مشاعرهم تُحلّق.. ويتناثر كتيب هنا وقلم هناك
وقد يأتي شبح حزن قديم يدهس مسودةً منسية!
أو يُخرِج من كلمةٍ ما كل طعنات الماضي!
فيشعرون بتلك التقلبات ويرونها فينكسرون قهرًا من أثر الواقعة، ولا يعلم أحد شيئًا عما حدث بداخل عالمهم.
ومن حزنهم الصامت المتكرر هذا، روحهم تحيى!
لأنهم يكتبون..
عقل الكاتب عالم متناقض عجيب مكتظ بألوان برّاقة بعضها معروف لأعين الناس ولكن أكثرها لم يُرَ بعد!
تنضج خلاياه الخلاقة مع كل كلمة جديدة يقرأها،
وتكثُر أفكاره باكتمال هضم المضمون
ولكنه يبدع كلما تألم!
ليسوا فقط مجرد كتبة يكتبون ما يُملى عليهم..
بل إنهم أناس ملئتهم نزاعات الأفكار الداخلية حد الاختناق
وتشبعوا بالأحرف واتخذوها ملجئًا وأمانًا سواء قرأوها أو كتبوها!
أؤمن أن القراءة هي طريق الحرية وأن الكتابة هي وسيلة الوصول، فسيصل ممارسهما لذاتهِ الحقيقة أو لطريق آمن.
وكلما امتلأ الكأس سيفيض المحتوى خارجًا مُحققًا صدى ما في عقل أحدهم..
وكلمة سوف تليها آلاف أخرى وبنفس النمط الذي تنحت به الأمطار الصخور يتشكل عقل القارئ
ولأن الكُتاب يعلمون ذلك جيدًا فتجدهم دائمًا في حالة قلق على وعي المجتمع.
فكل كاتب قارئ وكل قارئ قد يكتب يومًا ما.
إن تلك الحالة التي ينعزل فيها الإنسان لفترة مصطحب معه ورقة وقلم فقط، تستحق الوقوف عندها، ودراستها، ومراقبة انفعالات الشخص الذي يضحك إن كتب جملة ساخرة، ويبكي عند التعبير عن أشد لحظات يومه قسوة، ويشرد غير مبالٍ بما حوله عندما يكتب عن مجاله المحبب لقلبه..
في هذه اللحظات يتعرى أصحاب الأقلام من ذواتهم المزيفة ويكتبون لُب آرائهم ورؤيتهم ومعاناتهم تجاه قضايا الظلم والعدل والخير والشر والمعرفة والجهل والحقيقة والكذب والإنسان وتعقيداته والخيال والواقع..
ويشعر الكاتب المسكين والمحارب -في الوقت ذاته- بكل ذلك في لحظة واحدة وعليه أن ينسقه ويلفظه على الورق مع رغبة قوية في الإيضاح والإفصاح لكل العالم..
لعله يحيى مطمئِنًا في النهاية نفسه ومجتمعه.
فالكتابة هي معركة فعلية يحارب فيها الكاتب مع نفسه ولنفسه ومع الناس وللناس، ولكنه يغامر بوجودهِ لأن في انتصارهِ حياة وفي هزيمته انكماش مُخجِل.