الحياة والمناخرياضة

رينا كانوكوجي.. المرأة التي فرضت الجودو على الأولمبياد

رينا كانوكوجي.. تعد رياضة الجودو إحدى فنون الدفاع عن النفس، والتي نشأت باليابان عام 1882 على يد المعلم «كانو يجورو»، فهي تعني الطريقة اللينة حيث تهدف إلى كيفية السيطرة على الخصم وشل حركته، وهو ما جعلها تنتشر سريعًا بين الرجال وسط المجتمع الياباني، الذي لم يكن يعطي لرياضة المرأة ذلك القدر من الأهمية في ذلك التوقيت حتى ظهرت الأمريكية رينا كانوكوجي لتنقل تلك الرياضة إلى بُعدًا آخر، وهنا سنتعرف على قصتها.

نشأة صعبة وزعيمة عصابة

وُلدت رينا بمدينة بروكلين الأمريكية بولاية نيويورك يوم 30 يونيو عام 1935 وسط ظروف عائلية مضطربة أجبرتها على النزول للعمل في سن السابعة.

وعملت والدة رينا على بيع شطائر «الهوت دوج» من أجل كسب العيش، فيما باتت رينا زعيمة لإحدى عصابات الشوارع التي تدعى «أباتشي» خلال فترة مراهقتها.

بداية القصة مع الرياضة

فرضت الحياة الصعبة على رينا الاهتمام بقوتها البدنية، فكانت تحرص على استخدام الأثقال الخاصة بشقيقها في أداء بعض التدريبات الرياضية، بالإضافة لاستخدام أكياس الملاكمة الموجودة بإحدى صالات الألعاب الرياضية.

وتزوجت رينا من رجل يدعى ستيوارت لينجبا ولدًا اسمه كريس، إلا أنهما انفصلا سريعًا لتأتي بعدها أولى لحظاتها مع الجودو بعدما قام أحد أصدقائها بتدريبها على إحدى حركات اللعبة، لتقع في غرامها سريعًا.

وتحدثت رينا كثيرًا عن تلك اللحظة بعدما أشارت إلى انجذابها للعبة سريعًا، بسبب ما تمنحه لها من هدوء وثقة وتحكم في النفس.

رينا تتحدى رفض المجتمع

تعلمت رينا الجودو في الحي الذي عاشت فيه حيث أرادت الاشتراك في البطولات المحلية، إلا أن طلبها قوبل بالرفض بسبب اقتصار المنافسات على الرجال فقط.

وصممت رينا على تحقيق حلمها، فأقدمت على خطوة غير تقليدية عام 1959، حين قررت التنكر في هيئة رجل لتقوم بقص شعرها وإخفاء ملامح أنوثتها بطيات ملابسها من أجل المشاركة في بطولة الجودو، التي نظمتها جمعية الشبان المسيحيين لتدخل رينا بالفعل، بدلًا من أحد أعضاء الفريق الذي تعرض للإصابة لتتفوق على جميع منافسيها من الرجال وتحرز الميدالية الذهبية.

وشكت اللجنة المنظمة للبطولة في أمر رينا لتكشف هويتها الحقيقية كأنثى وسط صدمة الجميع، ليتم سحب الميدالية منها في اليوم التالي.

وعلقت رينا لاحقًا على تلك الواقعة بأنها لم تكن تخشى منافسة الرجال مطلقًا أو الاحتكاك بهم في ظل الحياة القاسية، التي عاشتها مبكرًا في الشوارع واضطرارها لحماية نفسها من كافة الأخطار.

الرحلة إلى اليابان

قررت رينا السفر لليابان مهد اللعبة عام 1962 حيث باتت أول امرأة تتدرب في كودوكان «مقر تدريب» الرجال، إذ كانت النساء تتدرب في كودوكان خاص بهم هناك منذ عام 1926.

وحصلت رينا على ترقية حزامها إلى ثاني رتب الدان بالحزام الأسود، لتلتقي هناك بزوجها الثاني «رايوهي كانوكوجي» الحاصل على الدرجة الخامسة من الحزام الأسود باللعبة، ليتم الزفاف في مسقط رأسها بنيويورك عام 1964، حيث أنجبا ولدين.

محاولات لنشر اللعبة بين النساء

سعت رينا إلى إقامة بطولات خاصة بالنساء، فقامت بتنظيم أول بطولة محلية بالمجهود الذاتي في نيويورك عام 1965.

واستمرت محاولات رينا الحثيثة في نشر اللعبة بين الفتيات بعد اعتزالها، فباتت مدربة فريق الولايات المتحدة عام 1976، وقامت بخطوة غير مسبوقة بعدها بأربع أعوام حين رهنت منزلها من أجل إطلاق أول بطولة عالم للسيدات بساحة «ماديسون» في نيويوروك.

معركة رينا الأولمبية

وصفت رينا اللجنة الأولمبية الدولية بالعنصرية وهددت بمقاضاتها، بسبب عدم السماح لرياضة الجودو بالتواجد ضمن الألعاب النسائية، واقتصار الأمر على الرجال منذ دخول اللعبة للأولمبياد عام 1964، لتثمر جهودها أخيرًا عن إقرار اللجنة جودو السيدات كلعبة استعراضية في دورة سيول 1988.

ونالت الأمريكية مارجريت كاسترو (تلميذة رينا) الميدالية البرونزية في دورة سيول 1988، إلا أن الحال تغير بعدها بأربع سنوات، حين دخل جودو السيدات كلعبة رسمية في دورة برشلونة 1992، ليتم وضع اسم رينا في قاعة مشاهير الرياضة النسائية الدولية عام 1991.

وباتت الفرنسية سيسيل نوفاك أول لاعبة تحرز ميدالية ذهبية أولمبية في تاريخ الجودو النسائي، وذلك بمنافسات وزن 48 كلج بدورة برشلونة 1992.

المزيد من التكريم لرينا

نالت رينا وسام الشمس المشرقة من اليابان عام 2004، وهو أحد أرفع الأوسمة التي تُمنح بالدولة الآسيوية، وذلك لدورها في نشر اللعبة.

ومنحت بلدية نيويوروك ميدالية ذهبية لرينا بدلًا من التي سُحبت منها بعد مرور حوالي نصف قرن على الواقعة. وباتت رينا أول سيدة يتم ترقيتها إلى سابع رتب الدان بالحزام الأسود للجودو.

وتواجدت رينا كمعلقة رياضية لدى قناة «إن بي سي»، لتغطية منافسات الجودو في دورة أثينا الأولمبية عام 2004.

وفاة رينا

توفت رينا كانوكوجي يوم 21 نوفمبر عام 2009 بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر يناهز 74 عامًا، إلا أنها أبقت أثرًا لا تزال ملايين الفتيات من ممارسي اللعبة يدينون لها بالفضل حتى يومنا هذا.

زر الذهاب إلى الأعلى