قصص الرعب

زائر التاسعة

زائر التاسعة
زائر التاسعة .. كل يوم بنجتمع على العشا أنا وزوجتي وإبني (علي)؛ عشان ده الوقت الوحيد اللي بنعرف نتجمع فيه في اليوم، لأن طول اليوم أنا في الشغل وكذلك زوجتي (عفاف)، و(علي) بيكون في المدرسة، بقضي اغلب اليوم بره بحكم مهنتي كطبيب بشري بين المستشفى والعيادة، برجع الساعة ٩ مساءًا علي وقت العشا بالظبط.

بنقعد نتناقش في أمور اليوم، حصل إيه مع كل واحد فينا ونتناقش ونضحك، بعدين كل واحد بيقوم يكمل اللي عايز يعمله، (عفاف) بتنهي ترتيب البيت وأنا بتفرج علي التلفزيون و(علي) بيكمل مذاكرة أو بينام.

إحنا ساكنين في حي هادي بعيد عن زحمة المدينة، مش بيجيلنا زوار كتير غير بعض أقاربنا من البلد اللي أمي بتقرر تخليهم يجو يباتوا عندي لما يزوروا القاهرة عشان والدي عمدة البلد وبيعتبروا بيت إبنه بيت العمدة في القاهرة، كان لازم أمي تتصل تبلغني إن حد جاي عشان أحضر نفسي والبيت للضيف ده، لأن غير كده مش بفتح الباب بسبب أن المنطقة هادية والناس فيها بتقفل الأبواب من بعد الساعة ٨، وفيه حكايات منتشرة بين سكان المنطقة عن العفاريت ولصوص بيخبطوا بليل، بس طبعًا أنا كان كل خوفي من اللصوص اللي عندهم الجرأة يخبطوا علي الباب لكن الكلام علي العفاريت لا يليق بي كدكتور كلها خرافات.

في يوم على العشا بتاعنا المعتاد، الباب خبط وفتحت لقيت شخص شكله غريب ومبتسم بثبات أسنانه صفرا وعينه حمرا، ولابس لبس مبهدل وشايل شنطة لونها أسود باهت قماش متقطعة، طوله متوسط وشعره كثيف وقصير رمادي ومن تعريجات وشه نقدر نقول إنه في منتصف الثلاثينات، فضلت أبصله شويه وأنا خايف منه، لحد ما أخيرًا بدأ يتكلم.

قال” مساء الخير يا أستاذ عزت، أنا (فضل) من عندكم في البلد، والست والدتك بعتتني ليك عشان تشوف لي شغل وربنا يباركلك”
أنا واقف متحفز بسبب شكله المرعب والمريب، وفي نفس اللحظة اللي بينهي فيها جملته تليفوني رن برسالة من أمي بتقولي فيها “هيجيلك ضيف أسمه فضل”، المفروض إنها بتتصل بس قلت مش مهم، اطمنت ودخلته ومراتي كانت لسه بترتب السفرة لباقي العشا.
بدأنا ناكل ونظرات (علي) و(عفاف) بتدل أنهم حاسين بعدم الارتياح اللي أنا حاسة، بس هو كان بيأكل بنهم وبعدم إحراج كأن ده بيته، وبيتكلم علي قرايبي ووراني صور لجدي شايلها في شنطته العجيبة، اللي كان كل شويه بيطلع منها حاجه، شكل الشنطه صغير على كل الحاجات اللي طلعها منها دي.

فتحت غرفه الضيوف ورتبتها وفهمته أماكن الحاجات، بس بسبب الريبة اللي كانت جوايا لقيت نفسي بقوله ” ناوي تقعد أد أيه معانا، عشان أنا عندي شغل بكرة طول اليوم وميصحش تقعد مع المدام في البيت لوحدكوا” ، مع إن البيت دورين واحنا مخصصين الأوضة دي للضيوف في الدور اللي تحت وأحنا معيشتنا كلها في الدور اللي فوق، المطبخ بس هو اللي تحت.

رد عليا مبتسم خجلًا “أنا ماشي الصبح بدري علطول سواد الليل يا أبن عمي”
حسيت بالإحراج من طريقتي الجافة معاه بس مازال الشعور الغريب ده جوايا.

طلعت الدور التاني وقررت أنام، بتصل بأمي مش بترد، نمت بس قلقت الساعة ٣، حسيت إني لازم أنزل أطمن إذا الضيف اللي تحت ده سرقنا ومشي ولا لا، الصراحة مكنش عندي غير التخيلات السيئة.

نزلت السلم براحه وفتحت غرفه الضيوف براحه عشان أبص عليه، وكان كما توقعت مش موجود في سريره، فتحت نور الأوضة بسرعه ومكنش موجود فيها بردو، جريت فتحت نور الدور كله بدور عليه وأخدت في أيدي سكينه من المطبخ، دخلت أوضة المكتب لقيته فيها واقف في الضلمه باصص للشباك في صمت رهيب، حتي متهزش لدخولي الأوضة وفتح النور.

قولتله ” أنت بتعمل إيه وليه مش في اوضتك، مين أدلك المساحة تتنقل في البيت دي قله ذوق”

رد ببرود ” مجاليش نوم، قلت أدخل المكتب أقرا حاجة من الكتب، أنا معايا شهادة بردو”

كلامه أثار غضبي أكتر بسبب بروده وقولتله بعصبيه وتكشير “كتب أيه اللي تقراها؟! دي كلها كُتب علمية وطبية، لو سمحت اتفضل علي أوضة الضيوف ومتخرجش منها لحد ما أجي أنا الصبح افتحلك وقت الفطار، ده بيتي ودي شروطي”.

ابتسم ابتسامة غير مناسبه مع رد فعلي الجاف وراح قعد علي الكنبة وشاور بأيده على المكان جنبه عشان يخليني أقعد، حاولت أهدي ورحت فعلاً قعدت جنبه وبعكس النبرة الجافة اللي أتكلمت بيها من شوية قولتله
” بكل هدوء أهو فهمني انت بتتصرف بطريقة غريبة ليه.. وازاي بارد كده ”

رد ونظره علي الشباك مش عليا، قالي “عدم تصديقك لوجود العفاريت مش معناه إنك هتسلم من أذيتهم” وضحك ضحكة عالية جدًا وقطعها فجأة عشان يكمل كلامه وقال “انت سمحت لي أدخل ودي هتفضل غلطتك الوحيدة.”

خلص جملته والكهربا قطعت، جريت علي المكتب أجيب الكشاف اللي في الدرج، ونورت بيه عشان أتفاجأ أنه مش موجود في مكانه، فضلت أتلفت حوليا برعب وخوف حقيقي والنور بيترعش بسبب إن إيدي بتتهز من التوتر والخوف، بلعت ريقي بصعوبة وحاولت أجمع اللي جوايا من شجاعة وحركني خوفي علي عفاف وعلي، صرخت بإسمهم بصوت عالي واتحركت ناحيه السلم وطلعت كانو صحيوا علي صوتي، حاولت مبينش خوفي واطمنهم بس خليتهم خرجوا برا البيت وطلبت الشرطة، وفضلت أدور على (فضل) في البيت كله لحد ما الشرطة جت ومكنش ليه أي أثر ولا لشنطته العجيبة، طلبت من صديق ليا في الشرطة يرفع البصمات بالرغم أنه غير مسموح في الحالات دي لأن مفيش حد مصاب ولا محاوله اقتحام وكمان مفيش حاجه أتسرقت، الأغرب من اختفاء (فضل) هو أن مكنش فيه أي بصمات لحد غيري أنا وأسرتي!! وكمان لما كلمت أمي بخصوص الرسالة قالت إنها مبعتتش حاجة ومتعرفش حد اسمه (فضل) ده غير أن الرسالة أصلًا مش موجودة علي التليفون!!!

ركبت كاميرات مراقبه وجهاز إنذار، وتخطينا التجربة المرعبة دي، لكن بعد أسبوع صحيت الفجر ونزلت المطبخ أشرب، المطبخ قدام المكتب بالظبط، شفت خيال في أوضة المكتب وأنا في المطبخ، دخلت المكتب بهدوء عشان أتفاجأ بيه.. ب(فضل) واقف قدام الشباك باصص للسما وعاقد أيديه ورا ضهره ومبتسم!!! وقتها حسيت برعب حقيقي وكأن الوقت بقي بطئ وأنا مش عارف أتحرك ومثبت عنيا عليه بس، مش عارف هو بني آدم ولا عفريت.. أيوة بقيت أصدق في العفاريت، وفعلًا الكهربا قطعت تاني و(فضل) اختفي تاني، راجعت الكاميرات ومكنش ليه أي أثر، المشهد جايبني أنا واقف زي المشلول ومفيش أي حاجه في الأوضة!!!
ولما طلعت أوضتي عشان أنام كنت بشوف خياله في كل مكان، توقعت إني مش عارف أتخطي التجربة نفسيًا وعشان كده بشوف هلاوس.

تاني يوم الصبح رحت لجاري الحاج (عبده) راجل عجوز في السبعينات عايش لوحده من وقت ما زوجته وبنته ماتوا في حادث ماس كهربائي من سنين، حكيتله كل اللي حصل، وهو كان بيستقبل كلامي ووشه مكشر بس مش متفاجأ، سابني خلصت كلامي وقام بهدوء وأتأخر شويه ودخل بكوبايه شاي قدمها لي.

وقال لي “زمان أيام ما كنت شاب في سنك سكنت هنا واتحكالي عن (فضل زائر الليل)، بس مكنتش بصدق زيك كده وهو بيحب التحدي، زرني وفتحت الباب ودي كانت غلطتي الوحيدة ومن بعدها كل حاجه أتغيرت بقيت أشوفه في كل حته بيبتسم بأسنانه الصفرة وبيدخل جوه دماغي لحد ما بقيت زي المجانين.. مراتي وبنتي بقوا خايفين مني” سكت شويه عشان دموعه غلبت كلامه، وأنا مندهش من كلامه لأن حسيت بالخطر أكتر.

كمل الحاج(عبده) كلامه وقال” ياما سمعت من الناس عنه وأني لزم مفتحش الباب بعد الساعة ٩، بس كنت بقول خرافات، بيقولو أنه في الأساس أسطورة وفيه ناس بتقول أنه شخص كان ساكن هنا زمان أوي والناس كانت بتعذبه ويحدفوا عليه بواقي الأكل عشان فاكرينه مجنون، كان مجذوب من مجاذيب الشارع، وفي مرة كان عمال يصرخ ويقول هنتقم هنتقم والناس مكنتش عارفه تنام، أتلموا عليه وضربوه لحد ما مات كانت الساعة ٩، ومن وقتها وكل يوم الساعة ٩ بيت مختلف بيتخبط عليه وراح ضحيته الكتير لحد ما عرفوا أنه فعلًا رجع ينتقم.. فضل رجع ينتقم وبقي معروف باسم “فضل زائر الليل”
كمل الحاج عبده كلامه وهو بيبكي ” أنت لازم تمشي من هنا بأسرع وقت يا ابني مدام زارك مش هيسيبك إلا لما ينتقم أهرب..أهرررررب يمكن يكون ده حل، كل الناس فاكرة أن مراتي وبنتي ماتوا بسبب ماس كهربا في البيت، بس أنا مكنش قصدي… ده …ده هو اللي خلاني أعمل كده..لقيتني بفك أسلاك الكهربا وبفتعل ماس كهربائي وجريت خرجت من البيت رحت عند أمي عشان يبان أنه حادثه…سيبتهم نايمين …مش متخيل أنا أزاي عملت كده وإزاي هما أتعذبوا بسببي، وسابوني أنا لوحدي أتعذب طول عمري وبتمني الموت كل دقيقه”

مقدرتش أتمالك أعصابي وأنا شايفه بيبكي بالمنظر ده، وتخيلت (علي وعفاف) مكان مراته وبنته، جريت وأنا ببكي لحد بيتي وقولتلهم يلموا هدومهم ويمشوا من البيت بسرعه تروح البلد عند أمي وبلغت أمي بالكلام ده، وفضلت أنا عشان أبيع البيت الملعون اللي روح فضل زائر الليل مش هتفارقه.
بعد ساعتين من وقت ما (عفاف وعلي) مشيوا جالي تليفون أن العربية أتقلبت بيهم!!!
حسيت بالشلل ودموعي نزلت دون إرادتي، أنا حاولت أحميهم وأخليهم يهربوا، بس معرفتش أحمي نفسي من وساوس (فضل) بأني أقطع سير الفرامل.

اقرأ أيضًا

القاتل المجهول

شبح ماري الغيور

زر الذهاب إلى الأعلى