سجينة المدرسة
بحب مدرستي أوي، عشان يمكن كنت فيها من وأنا صغير لحد ثانوي، وعشان أساتذتي ناس عظيمة وكمان المدرسة نفسها..
المدرسة أصلًا كانت قصر أمير زمان، اتبنى سنة ١٩٠٠ تقريبًا، فكان جميل أوي بكل معالمه الأثرية والزخارف العتيقة اللي في السقف وعلى الجدران، بس للأسف مع الوقت بقى مهجور، لحد ما تم تحويله لمدرسة..
طبعا قصر كبير كان فيه مناطق ممنوع علينا دخولها، وكانوا بيقولوا أن الجزء دا متهالك ومحتاج ترميم فدا السبب أن مينفعش حد يدخل هناك، بس طبعًا فضولنا كان بيخلينا نجرب كذا مرة ندخل الأماكن دي والأمر بينتهي باستدعاء ولي الأمر!
على مدار سنين طفولتي كانت دائمًا بتحصل حرائق في المنطقة المغلقة عننا دي، وحرائق غير معروفة المصدر، ويدخلوا يطفوها وطبعًا أولياء الأمور لما يسألوا بيكون الرد أن الجزء دا مغلق وإن دا ماس كهربائي والدنيا بتمشي.
وفي مرة مش هنساها وأنا صغير كانت حصة ألعاب وفجأة كل المدرسة سمعت صوت صرخة فظيعة لسيدة، مش عارفين الصوت حتى جاي منين بالظبط لأنه رج المدرسة كلها وروحنا واحنا مش فاهمين أي حاجة!! وتاني يوم كان الكلام المنتشر أن واحدة من المدرسين وقعت مش أكتر، وطبعًا دا سبب مش كافي يقنع حتى طفل صغير في سني.
بس كانت بتمر الأيام وبنكبر بس لازم أول ما نعدي من قدام الطرقة المقفولة اللي بتطل على الجزء الممنوع دا لازم نحس بخوف ورعشة غير مفهومة.
لما دخلنا أنا وأصحابي المرحلة الثانوية الفضول وحب الاستكشاف زاد عندنا، ففكرنا إننا لازم نستجوب عم عاطف (حارس المدرسة) لأننا سألنا كل الناس والأستاذة كله كان بيقول أن المكان محتاج ترميم..
عم عاطف دا حكاية لوحده لأنه من أوائل الناس اللي كانت ساكنة المنطقة كحارس عقار من زمان قبل ما يبقى حارس المدرسة..
قعدنا معاه وحاولنا نوقعه في الكلام وهو زي ما يكون ما صدق يحكي..
قالنا أن أبوه كان عايش في المنطقة دي من زمان وعارف قصة القصر اللي تناقلها الخدم وقتها والناس كلها عرفتها وحكهاله.
القصر دا كان بتاع حد كبير مسك مناصب مهمة في وقته، وكان عنده بنت جميلة كل الرجال ذو الشأن والأمراء كانوا بيعملوا المستحيل عشان توافق تتجوز حد فيهم، لحد ما في يوم رفضت أمير مغربي، غروره خلاه يتملي حقد ويقرر أنه يأذيها..
وبالفعل جاب أفضل ناس في ممارسة السحر وبعت رسالة لأبوها أن أي واحدة تتمرد على الأمير لازم تدوق مر فعلتها.
الدنيا اتقلبت في القصر وأبوها جاب شيوخ لأنه عارف إن الأمير المغربي بيلجأ للسحر، و عمل كل التحصينات اللازمة في وجه نظرة، بس للأسف مكنتش كفاية قدام قوة السحر السفلي!
عدت فترة والبنت كويسة محصلش حاجة، فأبوها قال دا أكيد كان مجرد تهديد، بس بعد ١٣ يوم بالظبط صحيوا من النوم على صوت صريخها وهي واقفة قدام المرايا وهتولع في نفسها بعد ما غرقت نفسها بكل أزايز الخمرة بتاعة والدها!
لحقوها وجابولها طبيب وشيخ وكله قال إنها كويسة.. بعد ٣ أيام اتكررت نفس القصة ولحقوها، لحد ما في يوم نجحت في أنها تولع في نفسها فعلًا و كل الناس نايمة، وفضلت تجري وتصرخ في القصر والنار بتمسك في أي حاجة هي تعدي عليها وأبوها صحي جري عليها لقاها في وشه مولعة جري حضنها ظنًا منه أنه هيطفيها بس النار مسكت فيه هو كمان وماتوا اليوم دا، وأمها انتحرت بعد الحادثة البشعة دي بشهر واحد مقدرتش تتحمل.
كمل عم عاطف وقالنا: بس ومن ساعتها ولسه لحد دلوقتي النار بتولع في الركن المقفول دا ومحدش يعرف ليه ولا إزاي؟!! وكمان العمائر اللي بتطل على المدرسة بيقولوا إنهم بيشوفوا خيال بنت في المكان بليل، بس أبويا قالي أن روح الست اللي ولعت في نفسها دي مش مرتاحة وإن اللي بيموت بالطريقة دي روحه بتفضل في المكان، بس متصدقوش أي حاجة بقولها دي حكاوي خدم كلها جايز مش صح.
عدت الأيام واتخرجنا من ثانوي، وكنا بنروح المدرسة نسلم على أساتذتنا وصحابنا الأصغر مننا..
بس احنا كان عندنا هدف تاني، كنا مخططين إننا لازم نيجي المدرسة بالليل وندخل القسم اللي طول عمرنا مش عارفين ندخله، ونشوف أي دليل ونشبع فضولنا، خاصةً إننا عملنا بحث كبير عن القصر وعرفنا قصته وطلع كلام عم عاطف صح.
وجه اليوم الموعود اللي قررنا فيه إننا ننط على القصر بالليل، كنا أربعة طبعًا خايفين، بس دي مدرستنا اللي عشنا فيها عمرنا هنخاف من إيه!!
نطينا من على السور من حتة واطية سهلة ودخلنا المدرسة اللي بالمناسبة مرعبة جدًا بالليل، ودخلنا القسم المهجور كسرنا القفل اللي على الطرقة ودخلنا مكان لا يقل جمالًا عن باقي القصر، المكان دا كان أوض نوم السلطان وبنته وحاشيته فكان الاهتمام بيه أزيد..
من أول ما دخلنا حسينا برعشة، قعدنا نتفرج ونهزر أن مفيش حاجة اهو، وحسام صاحبي قعد يقول أنا عايز أشوف البنت اللي كان بيجيلها أمراء وترفضهم دي!
قبل ما ينهي جملته كان خيالها معدي من قدامنا!! عم الصمت المكان وفضلنا نتقدم وندخل الأوض نتفرج على جمالها، ودخلنا أوضة البنت وشوفنا لوحة ليها بالحجم الطبيعي فعلًا كانت جميلة، فضلنا متنحين للصورة لحد ما ملامح الصورة ابتدت تتغير ونيران صغيرة ابتدت تتكون من لا شيء في كل حاجة حوالينا!!
قعدنا نصرخ وملحقناش نوصل للباب كان اتقفل علينا، رعب وصدمة حاسين بيه وبنتشاهد، لحد ما كل دا فجأة خلص ولقينا إن محصلش حاجة كانت تهيؤات،
لسه بناخد نفسنا سمعت صرختها!! أنا فاكرها من ساعة أول مرة سمعتها في ابتدائي.. هي نفس الصوت صرخة بألم، صرخة حد بيتحرق حي!
كلنا نشف دمنا وجرينا على الباب، وسمعنا صوتها عالي مع الصريخ بتقول محدش يقرب من مكاني، وابتدت النار تتوجد من لا شيء ورانا بتطردنا من المكان!! طبعًا خرجنا من القصر بسرعة البرق وفضلنا أسبوع محدش يعرف حاجة عن التاني ومحدش بينزل كليته.
بس أنا قررت أن أكيد فيه حل ولازم أدور عليه، أنا مرتبط بالمكان دا جدًا ولازم اتصرف، عملت بحث لحد ما توصلت إني لازم أجيب حاجة من بتاعة البنت دي يعني حاجة خاصة بيها، وتتحفظ بطريقة معينة في مكان مقدس..
تاني يوم روحت لشيخ المسجد ومعروف عنه أنه بيعالج السحر والكلام دا وسألته وحكيتله القصة اللي هو عارفها وحكيتله القصة اللي حصلت معانا، والبحث اللي عملته، فالشيخ كان مرحب جدًا بالفكرة وقالي هي فيها خطر عليك عشان هي مش هتسيبك تلمس حاجتها، بس لو عرفت ساعتها هتبقى مشكلة القصر دا اتحلت للأبد.
كلمت أصحابي وطلبت نتقابل، وقولتلهم على اللي حصل بيني وبين الشيخ، وإني لما دورت في صورها لقيت أن في كل الصور لابسة مشبك شعر معين، فأكيد هي مرتبطة بدا هندور عليه، وعلى غير المتوقع أنهم وافقوا!
قررنا اليوم ودخلنا القصر بنفس الطريقة، بس المرة دي أول ما دخلنا القسم المهجور مسمعناش صرختها، سمعنا ضحكتها بس ضحكة مريبة مرعبة فيها تحدي لينا، زي ما تكون عايزة تقول أنتم متعلمتوش!!
دخلنا على أوضتها والباب اترزع ورانا، فضلنا ندور بالكشاف من غير ما نلمس حاجة، ولقيت صندوق على التسريحة قولت ممكن نلاقي هنا.
كنا لازقين في ضهر بعض.. أول ما قربت من الصندوق اتفتح لوحده وطلعت منه موسيقى وبلارينا بتلف،
جيت ألمسه تاني عشان افتح أدراجه قاطعتني صرختها اللي رجت المكان، بس صممت أكمل.. فتحت درج صغير في صندوق الموسيقى دا ولقيت خاتم وسلسلة ومشبك الشعر اللي بدور عليه..
أول ما أخدته، النار ولعت في كل حاجة تاني، وصوت صرختها بيرج القصر حرفيًا وكان بيقع النجف وطوب على رأسنا وإحنا بنجري، بس الطرقة كانت بتطول بينا، وفجأة سمعنا صوت حد مننا صوته بيبعد! حاجة سحبته، واحنا مش شايفين حاجة لأن الكشاف وقع من إيدي واحنا بنجري، وعمالين بنحاول نجري بس بنجري في مكاننا لأن الطرقة عمالة تطول علينا، وخرجنا بأعجوبة بس خرجنا اتنين بس!!
فيه اتنين جوة مش عارفين اختفوا مننا إزاي!! الشيخ كان مستنينا في مكان قريب ومجهز هو هيعمل إيه عشان يحتوي الشر دا، فإديت مشبك الشعر لصاحبي وقولتله يروح يديه للشيخ بسرعة وأنا هنقذ الاتنين اللي جوه.
دخلت القصر تاني وسامع صوت ضحكتها، والنار والانهيارات في كل حتة، فضلت أنادي على صحابي ويردوا عليا بس مش شايفين بعض وصوت ضحكتها المستفز الخبيث بيرج المكان، قولتلها أنا مش خايف منك ومش هسيبك تاخدي صحابي، أنا عرفت هدمرك إزاي.
حصلتلي هلاوس كتير مش قادر أميز الحقيقة من الهلوسة، شوفت النار بتمسك فيا بس أول ما أمد إيدي ملاقيش حاجة، شوفت صاحبي بيتشنق أجري عليه وأفكه وبعدين ألاقي أنه مكنش فيه حد!! مبقتش عارف أنا صاحي ولا ميت ولا بهلوس ولا حقيقي، آخر حاجة شوفت صاحبي مرمي والنار هتمسك فيه جريت شديته وطلع هو فعلًا مش هلوسة، وطبعًا هو كمان عنده هلوسه لأنه أول ما فاق ضربني عشان فاكرني مش حقيقي!
عدى وقت مش عارف أد إيه لحد ما فجأة سمعنا صوت صريخها بس متواصل، ولقيت صاحبي التاني اترمى قدامنا فجأة وكل حاجة ابتدت تهدى والنار راحت، وبعد وقت قصير الفجر أذن واحنا في طريقنا خارجين من المدرسة.. المدرسة اللي عيشنا فيها طول عمرنا جنب البنت الشريرة دي واحنا مش عارفين!
خرجنا لقينا صاحبنا بره ومعاه الشيخ وبيقولنا كله تمام وهي دلوقتي روحها اتحررت ومفيش حرائق هتحصل تاني في القصر.
بعد فترة المدرسة فعلًا لما لقيت أن مبقاش فيه حرائق فتحت الجزء دا وبعتوا الآثار اللي فيه للمتحف وتم ضم القسم لباقي أقسام المدرسة.
الصورة لنسرين الخطيب في قصر سعيد حليم باشا.