سقراط.. أسطورة برازيلية أرادت تغيير شكل كرة القدم
سقراط.. بعد كأس العالم في عام 1970، توجهت أنظار العالم نحو البرازيل وخط هجومها. إلا أن الأمر تغير في عام 1974، فالبرازيل لم تلعب كرة قدم جميلة؛ في الحقيقة، كانت على العكس تماما. اعتمدت الخطة التي خاضت بها المباريات على اللياقة البدنية.
غير أنه في عام 1982 عادت البرازيل لحسن الحظ إلى سابق عهدها بكأس العالم في إسبانيا. كانت تلك المرة الأولى التي شاهدت فيها سقراط وهو يلعب، وأوليته اهتماما خاصا. يرجع إليه الفضل أنني بدأت في متابعة منتخب السيليساو “the seleção” باهتمام خاص.
ظهور سقراط
بداية، برز سقراط بسبب طول قامته، كان طويلا بشكل ملحوظ ويمر بأناقة، شخص ذو أقدام خفيفة الحركة. بالطبع، هناك لاعبون آخرون في وسط الميدان، لكن كان بمقدوري الرؤية بوضوح تام أنه هو الذي أعطى شكل لذلك المنتخب الوطني. ومن الطريف أنه دعاني بقائد الأوركسترا، لأنني رأيته هكذا بالضبط.
وذَكرني سقراط ببطلي حين كنت صبياً، فاس ويلكس “Faas Wilkes”، رجل لعب أيضا كرة قدم أنيقة وجميلة والتي كانت فنية قبل كل شيء، في فرق من ضمنها إنتر ميلان “Inter Milan” وفالنسيا “Valencia”.
ومثل ويلكس تماما، استطاع سقراط أن يفعل كل ما يشاء بالكرة بفضل مهارته ورؤيته الهائلة. عرف أين يتمركز في الملعب. ولم يكن سقراط لاعبا سريعا، ولا يمر بالكرة كثيرا، وغير استثنائي في ضربات الرأس، لكنه عوض ذلك بالكثير من المزايا الأخرى.
أهداف سقراط
كان من أولئك اللاعبين الذين فعلوا القليل من كل شيء، بأفضل ما تحمله الكلمة من معنى. سجل سقراط كثير من الأهداف. بهذا المعنى، ذكرني بدي ستيفانو “Di Stéfano”، الذي سجل أيضا أهدافا عديدة وكان جيدا في جوانب أخرى كثيرة.
لو كان سقراط يلعب هذه الأيام، سيكون على النقيض في كثير من النواحي من ميسي، صغير الجسم والسريع. لم يحتاج سقراط إلى السرعة للتحكم في المباراة. مثل بيب جوارديولا “Pep Guardiola”، أرى أيضا الكثير من التشابه بين منتخب البرازيل في عام 1982 وفي إسبانيا 2010.
مع وجود العديد من اللاعبين على أهبة الاستعداد للهجوم، يصبح لزاما عليك أن تظل مستحوذا. إنها حقيقة لا يمكن إنكارها في كلا المنتخبين بالإضافة إلى فريق برشلونة “Barcelona”. كان من المؤسف جدا إقصاء منتخب البرازيل الجميل على يد منتخب إيطاليا المُدمر عام 1982.
اللعب بالطريقة الإيطالية
كانت خيبة أمل كبيرة لكرة القدم بأكملها لأنه بعد كأس العالم هذا بدأت الفرق في اللعب بأسلوب إيطاليا. لا أحد يعرف ماذا كان سيحدث لو فازت البرازيل. أعتقد أيضا أنه من المؤسف للغاية أن سقراط لعب موسما واحدا فقط في أوروبا، مع فيورنتينا “Fiorentina” في موسم 1984/ 1985.
وفي هذا الموسم بالتحديد بدأت كرة القدم في جميع أنحاء العالم بالتحسن قليلا بعد كأس العالم 1982. لو استمر سقراط في أوروبا لفترة أطول، ربما كان سيصبح نجماً أكبر. رأينا هذا يحدث مع الهولنديين، لقد لعبنا بصورة جيدة بالفعل في بداية السبعينيات، لكن كرة القدم التي كنا نقدمها لم يعرفها بقية العالم سوى في بطولة 1974.
ومن الطريف أن سقراط كان لديه مشروع في 1982 باسم ديمقراطية كورينثيانز “Corinthians Democracy”، ولاحقا أصبح لدي مشروعي أنا أيضا، مؤسسة كرويف “Cruyff Foundation”. لقد فهمت أن هدف سقراط الرئيسي هو إلقاء المزيد من المسؤولية على عاتق اللاعبين. أنا أيضا قاتلت من أجل هذا الهدف. لو منحت اللاعبين مزيد من المسؤولية خارج الملعب، سوف يرغبونها داخل الملعب أيضا.
لعبة كرة القدم
نما إلى أسماعي أن سقراط اقترح تغيير كرة القدم من 11 لاعبا مقابل 11 إلى 9 مقابل 9. بعد أن أمعنت التفكير في اقتراحه، توصلت إلى عدم موافقتي على الفكرة. لو فعلت ذلك ستقوم بتغيير جوهر اللعبة. حاولوا إلغاء التسلل. كانت الفكرة هي جعل كرة القدم أكثر هجومية، لكن العكس هو ما حدث ولذا لم تُدعم الفكرة مطلقا.
اعتقد سقراط أن كرة القدم أصبحت تعتمد على اللياقة البدنية أكثر مما يجب، وفي هذه النقطة أتفق معه. نحن الآن على الطريق الصحيح وبرشلونة مثال عظيم على ذلك. حتى في هولندا نحن نتحسن، ويقود الطريق أياكس “Ajax” وفينورد “Feyenoord”.
خليفة سقراط
من الواضح تماما أن سقراط رجل ذكي. فالرياضي من الطراز الأول يجب أن يكون ذكيا، لا مفر من ذلك. ما لا يُصدق أيضا أنه تخرج في كلية الطب. وأحدث فارقا في ميدان السياسة. نستطيع القول أن روماريو “Romário” يعتبر خليفة سقراط، وإن برؤية مختلفة.
ما لم أستطع فهمه على الإطلاق هو لماذا كان سقراط يُكثر من شرب الكحول؟. أتمنى ألا يكون ذلك لأنه سقط في هوة الفراغ عندما انتهت مسيرته. لقد كان رجلا ذو ثِقل هائل. لطالما أحببت أن أتبادل معه أطراف الحديث عن كرة القدم. تقابلنا في مناسبات قليلة وتبادلنا التحية إلا أن الأمر لم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.. يا للخسارة.
بقلم: يوهان كرويف
ترجمة : وليد سامي