طلاسم

سكين ملطخ بالقبلات

سكين ملطخ بالقبلات
…سكين ملطخ بالقبلات…

آية:

بعد موت أخي (رامي) مٌنذ ثلاث سنوات في حادث، تسمم بيتنا ومرضت أرواحنا.

أنا آية، عُمري خمس وعشرون عامًا، أعيش مع أبي وأمي، لدي بعض الأصدقاء الذين ظلوا بجانبي بعد موت أخي، ومن بينهم إسلام، أشعر اتجاههُ بمشاعر جميلة، لكني لا أعلم سواء كنت أحبه أم لا.

على الجانب الآخر توجد علاقة بين هشام وسلمى، يتشابهون في كثير من الصفات، يليق كل منهما للآخر.

يعد إسلام صديق هشام المُقرب، لكن دائمًا أشعر أنه مُختلف عنه؛ لأنه على خلاف دائمًا معه وكثير الاعتراض على أمور تدور بينهم، لا يوافقه الرأي بسهولة ولا ينساق له؛ لذلك ربما أعجبت به. يتميز هشام بالمستوى المادي العالي، وذلك يجعله في مكانة أعلى بالنسبة للكثير، لكن ليس لنا.

نخرج أربعتنا كثيرًا، أُحبذ الخروج طالما معي إسلام، فالوقت يمضي معه سريعًا، وفي يوم ذهبنا كالعادة لإحدى المطاعم لتناول العشاء وحينها صدفتُ بشخص ينظر اتجاهنا، لم تكن تلك نظرة عادية، لكن لم أكترث له.

انتهينا من تناول العشاء وخرجنا من المطعم وركبنا السيارة وتحركنا، وأثناء ذلك ظهرت سيارة من العدم تضيق علينا الطريق، حاول هشام الإفلات منها لكنه بالكاد استطاع النجاة من حادثة، ثم توقف ونزلنا من السيارة، نزل أيضًا شخص من السيارة التي تطاردنا ومعه شخصين ضخمين، تفاجأت عندما رأيته؛ هو نفسه الذي كان يبحلق اتجاهنا في المطعم.

وبدون مقدمات شد أجزاء وتقدم حتي وقف أمام هشام، ثم قال وهو ينظر إليه: ادخلي إلى السيارة. بلعت ريقي بصعوبة، للحظة ظننت أنني المعنية.

رد عليه هشام ببرود: هل اليوم عيد ميلادك يا سيف؟، أتحتاج للصُحبة؟

– اصمت ولا تتحدث معي، وأنتِ افعلي ما قلت ولا داعي لإراقة الدماء اليوم.

التفت هشام إلى سلمي وقال ببروده المُعتاد: ها، هل ستركبين أم أركب أنا معه؟

– من الأفضل أن لا تختبر صبري.

عاد هشام قائلًا: أنا أحاول مساعدتك لذلك أقنعها بالركوب معك.

لم أفهم ماذا يدور حولي؟، منع الخوف تشتت ذهني ولحقه همس إسلام بأن استعد في أي لحظة للاختباء.

فكرر سيف طلبه بعصبية هذه المرة: قلت لكِ…

تشتت انتباهه، فلم يدع هشام له فرصة حتي أخذ من يده المسدس وأمسك رأسه بيده وصوب فوهة المسدس إلى رأسه، تعجبت من سرعة رد فعله وشجاعته، حتي رجال سيف لم يكن لهم رد فعل من سرعته، ظل يضحك بصوت عالٍ، ثم قال ببروده المُعتاد: إذا لم تتوقف، سأقتلك يا سيف.

– إذن لا تفرط في فرصتك.

– ليس اليوم، سأجعلك ترحب بفكرة الموت عن استمرار أنفاسك، وحتي ذلك الوقت إن رأيتك سأجعل منك أفضل ذكرياتي؛ سأتذكرها وهي بين أحضاني.

ثم دفعه اتجاه رجاله وصوب المسدس نحوهم، قائلًا: أرحل ومعك رجالك حتي لا يقتلهم الخوف.

ركب سيف سيارته في غضب وذهب إلي العدم.

علمت من إسلام سبب الخلاف لاحقًا، وسبب مطاردة سيف لسلمى وليس الأمر وليد الحاضر، فكان سيف يحبها منذ سنوات لكنها دائمًا تتجاهله. بالنظر إليه فهو في مثابة غناء هشام، من عائلة كبيرة أيضًا، لكن في النهاية يمارس سلطته في محاولة أخذ ما يريده دون سؤال نفسه: هل أستحقها أو تستحقني؟، هل حقًا أريد ذلك الشيء أم لأنه أبى الخضوع إليَّ؟.

قال إسلام أيضًا: أعتقد لو أن هشام حفى وراء سلمي كما يفعل سيف لكان مصيره مثله.

– تقصد ما يجعل سلمي تحب هشام أنه يستطيع الاستغناء عنها في لحظة.

– وليس ذلك فقط، فهو يترك لها حرية كبيرة، لكن في النهاية تعود له كالعبد المخلص لسيده.

– لكن يستطيع أن يجد سيف الكثير من الجميلات.

– لكن لا أحد سيرفضه مثلما فعلت سلمى.

في نفسي أشفقت عليهم جميعًا، شعرت كأنني أقف على جبل عالٍ؛ لم أراهم لصغر حجمهم.

أقترب موعد عيد ميلاد سلمى، حرص إسلام على تواجده معي أثناء اختيار هدية لها، تحجج بأننا سنتحدث في موضوع يشغل باله مؤخرًا، انتهى وذهبنا جلسنا في مكان هادئ، بدأ الحديث قائلًا: جميع الجميلات خادعات، وأول ما يخدعن أنفسهن بأن جمالهن سبب في التميز.

– أنت دائمًا تملك رأي صادم ومثير للجدل، ما الذي جعل منك مُتعصب ضد الجميلات؟

– إحداهن.

– ماذا عن تلك الحكاية؟، هل يحق لي معرفتها؟

– لا يهم؛ ماضي ومر.. لكني أنوي بدأ قصة جديدة وأثق في وجود شواذ لكل قاعدة.

اخفيت ابتسامتي وقلت في أرتباك طفيف: ماذا تقصد؟

أخرج علبة صغيرة وفتحها أمامي قائلًا: أقصد أنني أقع في حبكِ يا جميلة وأعرض عليكِ الزواج.. هل تقبليني زوجًا لكِ؟..

أعلم أنه فكر طويلًا قبل الانخراط معي في هذا الحديث، وتأكد أكثر من مرة مشاعري اتجاهه، وأيضًا حديثه عن الجميلات وغرورهن وتمردهن؛ وجدت أنه يثق فيَّ أكثر مما ظننت؛ لذلك أجبته بالموافقة وقبلت هديته. أمسك يدي وقبلها ووضع بها الخاتم، ثم قال: لا تجعلي جمالكِ يقف بيننا، لا أريد أن يفطر قلبي ثانيةً.

لديه طريقة غريبة في الحديث؛ لكن مُرحب بها.

ذهبنا معًا إلي عيد ميلاد سلمى، وسهرنا في بيتها بعد رحيل الضيوف وبقى أربعتنا، فوجدت أن الوقت تأخر فهممت بالرحيل فقام معي إسلام ليوصلني.

استيقظت صباحًا على خبر مفجع وهو وفاة سلمى في شقتها مقتولة، اتصلت بإسلام أعرف منه التفاصيل فقال لي بأن قد نُحرت عنقها ولازال القاتل مجهول، وبعد مدة طُلبنا من أجل التحقيق وأخذ أقوالنا.

********

المحقق محمود سعد:

بعد وجود جثت القتيلة ومعاينة المكان بدأت في التحقيق، وأخذ الأقوال من الشواهد الأخيرة بالضحية، علمت أن يوم مقتلها كان عيد ميلادها وحضر الكثير من الضيوف والأصدقاء، بالطبع أخذت أقوال الجميع لكن ضيقت دائرة البحث، وبالتدقيق علمت أن الضحية رأت أربع أشخاص قبل موتها، جلست مع آية وعرفت منها أنها رحلت مع إسلام وتبقى هشام في شقتها وأكد كلامها إسلام، وبالتحقيق مع هشام وأخذ أقواله قال أنه بالفعل بقي مع الضحية وأثناء جلوسه معها آتى شخص وخرجت له سلمى وتحدثت معه لدقائق قليلة ورحل، وعلم منها أنه سيف، قالت أنه كان مخمور وفي حالة يزرى لها وأقنعته بصعوبة للرحيل حتي لا يصطدم معه؛ خصوصًا لِمَ حل آخر مرة تقابلوا، فاستشهدت بكلامه عن تلك الواقعة من آية وإسلام.

استدعيت سيف لأخذ أقواله، حيث قلت: هل رأيت سلمى يوم تسعة من الشهر الجاري؟

كان يبدو عليه الحزن ومتأثر لِمَ حدث، قال: نعم رأيتها.

– متى بالتحديد؟

– ليلًا.

– هل كنتَ ثَمِل حينها؟

– بعض الشيء.

– أنت لا تنكر إذًا أنك قتلتها.

صمت إلىَّ ثوانٍ ثم نظر لي باكيًا: قتلتها، لو كنت أريد قتلها لفلعت من سنوات، فأنا أحبها والعاشق لا يَقْتل بل يُقْتل.

– أتفهم موقفك لكن كل الأدلة ضدك.

– حقًا، هل وجدتم أداة الجريمة.

– هذا لا يمنع أنك المُشتبه الأول في هذه القضية.

– صدقني لم أقتلها.

– سأسالك سؤال غريب بعض الشيء، إن لم تقتلها فمن قتلها؟

– لا أعلم.

– أكتب.. يحبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيق.

كان بسهولة يستطيع أن يزيف موقعة ليلة الجريمة، وبدلًا من ذلك كان يظهر حبه لها، لو قتلها بالفعل ويصطنع ذلك فهو مغفل حقًا.

استدعيته ثانية ربما أخرج منه بمعلومة، حيث قلت: قلت أنك تحبها منذ سنوات؟

– نعم.

– هل هشام وقف في طريقك إليها؟

– ربما لكن هي كانت السبب الحقيقي.

– كيف؟

– ربما لم تبادلني الحب.

– وبذلك ظللت تطاردها وتعبر لها عن مشاعرك.

– كانت نقطة ضعفي.

– أنصحك بأن تعين محامي ينوب عليك، فكل كلامك يزيد تورطك في هذه القضية.

ضحك قائلًا: هل تُشفق عليَّ أم تعلم أنني بريئًا؟

– لاتزال حلقة مفقودة وأحاول الوصول إليها ولا أريد أن تكون ضحية ضعفك.

– أنا لستُ ضعيف، أنا أحبها، أفتقدها وأشفق علينا بسبب ما وصلنا إليه، لو أحبتني منذ البداية لكنت سخرت لها أنفاسي كي تدفء، وكنت حاوطتها بأحضاني كي تأمن، وكنت درت ظهري لأي معتدي وأخذت الطعنة مكانها.. لكنها يا سيدي كانت تفضل الجميع عليَّ وهذه ليست أول مرة ولو كنت أريد قتلها حقًا؛ لقتلتها من زمن، لكن كيف وأنا لا أستطيع قتلها داخلي؟

– ماذا تقصد هذه ليست أول مرة؟

– تكرر الأمر.. عندما فضلت رجل آخر عليَّ.

لم أصل لنتيجة معه، وأخذ التحقيق مجرى سيء، لكني أشعر أنني قريب من القاتل، وأتى خبر أربك كل حساباتي فقد قُتل هشام في شقته بنفس طريقة موت سلمى، لكن هذه المرة وجدنا أداة الجريمة بجانب الجثة وبأخذ البصمات من عليها وجدنا أنها تطابق بصمات إسلام صديق هشام، وفُتح التحقيق من جديد وبدأت التحقيق مع إسلام، حيث قلت: أين كنتُ يوم ثلاثة عشر من الشهر الجاري؟

– قابلت آية نهارًا وكنت في بيتي ليلًا.

– هل يوجد شاهد على كلامك؟

– لا فأنا أعيش وحدي.

– الكذب لا يفيد، وخصوصًا أننا وجدنا أداة الجريمتين وعليها بصماتك.

– أنا لا أكذب وأقول الصدق فبعد موت سلمى، حزن عليها هشام وكان قليل الخروج، حاولت معه أكثر من مرة لكنه كان يفضل البقاء وحيدًا.

– أخبرني ماذا تعلم عن سلمى في الماضي؟

– لا شئ، عرفتها منذ ظهورها في حياة هشام.

– أكتب.. يحبس خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيق.

بعدما انتهيت مع إسلام، أخذت أقوال آية ولم يكن هناك جديد يذكر، وبعدها أخذت أقوال سيف مرة أخري، حيث قلت: قتل هشام وظهرت أداة الجريمة وعليها بصمات القاتل.

– من؟

– إسلام صديق هشام المقرب.

– إسلام؟ ولماذا يفعل ذلك؟

– هذا السؤال ما يشغل بالي؟، أخبرني منذ متى يعرف إسلام سلمى؟

– بالتأكيد منذ سنوات كثيرة حتي قبل علاقتها مع هشام.

– لكنه قال أعرفها منذ ظهورها في حياة هشام.

– ولِمَ يكذب بهذا الشأن؟

– ما الذي يجعلك متأكد لتلك الدرجة؟

– قلت لك أنه يعرفها قبل علاقتها مع هشام، لأن قبل ذلك كنت على علاقة مع صديقهم رامي، لكنه توفي منذ ثلاث سنوات

– وما سبب الوفاء؟

– لا أعلم لكن سمعت أنها كانت حادثة.

– من أي نوع؟

– لا أعلم.

– أكتب.. يخلى سبيل المتهم ويتابع سيل التحقيق في القضية.

شئ ما داخلي قال لي أن لاتزال توجد حلقة مفقودة، فبحثت من يكون المدعو رامي؟، واكتشفت أنه يكون أخ آية، رجعت للتحقيق مع إسلام وسألته: هل تتذكر صديقك رامي؟

ظهر عليه الارتباك بعض الشيء ثم أجابني: بالتأكيد.

سألته: كيف توفي؟

– أثر حادث.

– أحتاج إلى التفاصيل يا إسلام.

– كان رامي صديقنا أنا وهشام، كنا دائمًا نتواجد سويًا، وذات يوم نتج خلاف بينه وبين هشام، وصل الأمر أن هشام هدده بالمسدس لكن لا يكترث وقام رامي بمهاجمته فخرجت رصاصة واخترقت جسد رامي، فمات قبل وصولنا إلى المستشفى.

– هل كانت سلمى تتواجد أثناء الحادثة؟

– نعم.

ضحكتُ قائلًا: والآن فهمت، قل لي ما كان سبب الخلاف؟

– لا أتذكر.

– حاول.. وبالطبع دُفنت الجريمة بالتكتم وساعدتم هشام على ذلك.

ظهر القلق عليه والتوتر وبدأ يتعرق، ثم باغته بقولي: هل كنت تعلم أن آية تكون أخت رامي؟

جحظت عيناه من الدهشة وقال بصوت متقطع: ما.. ماذا؟

انتهى سير التحقيق وقفلت القضية وحُكم على إسلام بالإعدام شنقًا.

محمد حسام الدين

خريج كلية تجارة قسم محاسبة، صدر لي رواية شافع مؤخرا
زر الذهاب إلى الأعلى