سمية بنت مسرور والحصان مسحور الجزء الأخير “سمية” من حكايا العرب
في المساء حضر شيبة ومعه العشاء والشراب والجمر لإيقاد النار، حكى له الحازم عن خيانة ابن عمه له، لكنه لم يخبره بأمر السحر وتحوله لحصان، فقد رأى أنه من الأفضل ألا يذكر هذا الأمر، فقد كان يظن أن ابن عمه قد أشاع خبر اشتغاله بالسحر، لكن يبدو أنه لم يفعل، فقد قال فقط أنه اختفى ولم يعرفوا له مكان. فكان من الأفضل ألا ينشر هو عن نفسه هذا الأمر.
قال لشيبة: أما وقد علمت الخيانة فإني أذكرك بالعهد الذي قطعته على نفسك بأن تقف إلى جانبي في الحرب والسلم.. أريد منك المعونة لاستعادة سيادتي.. ولك مني كل تكاليف الحرب بل لك مني ضعف ما تكلفك المعركة.
رد: يا بني عمي الأمر ليس تكاليف، لكن الحرب دمار ولا أريد أن أرمي بأبناء قبيلتي في هذه المحرقة وأنت تعلم أن مقاتل ابن عمك ليس بالخصم السهل.
قال: لم أعهدك جبانًا يا شيبة!
قال وقد أحمر وجهه: ورب الكعبة ما كنت جبانًا، ولو أردت لهجمنا الآن على ابن عمك معًا، ولا أخشى الموت لكن الأمر ليس مصيري وحدي بل هو مصير القبيلة بأكملها.
قال الحازم: لا تخف، كل ما علينا أن نضرب حامية مقاتل ودع مقاتل لي، أما عن أهلي وعشيرتي فإنهم يظنون أني مت، وعندما يروني حي أرزق سيقفون إلى جانبي أنا.
رد: لك السمع والطاعة والعهد يا ابن العم.
هجمة سرية من 50 رجلًا يتقدمهم الحازم وشيبة واستطاعوا تفريق حامية مقاتل، ونزل الحازم من على فرسه بسيفه يمشي الهوينا واثق الخطى متقدمًا تجاه ابن عمه الخائن الذي كان مفزوعًا مأخوذًا على فجأة، وانتشر رجال السرية يخبروا بني مرة أن سيدهم لم يمت وأن مقاتل قد خانه وحاول قتله.
ظلت المبارزة سجال بين الحازم ومقاتل، حتى هجم مقاتل على الحازم بضربة من أعلى يطلب شج رأسه، فتحرك الحازم برشاقة بعيدًا عنه ومد طرف سيفه ليسكن جنب مقاتل.. أخرج الحازم سيفه من جنب مقاتل ثم ضرب فوق عنقه فأطار رأسه.
عرض الحازم على سمية الزواج فقبلت وأقاما حفل زفاف عظيم، وفي يوم الحفل خطب في قبيلته عن ثأر زوجته وأخبرهم أنهم سيخرجوا في سرية للهجوم على بني منذور للثأر لزوجته من قاتلي أخوها، الذي أكرمه وحماه في محنته.
فهلل الجميع موافقين على كلام سيدهم، وتعالت أبيات المدح والفداء من الأفواه.
وبالفعل هجم بنو مرة على بني منذور فانهزم بنو منذور بدون مقاومة تذكر، وأحضر الحازم لزوجته، إيزام وأمه مكبلين بالسلاسل لتقتص هي منهما كما وعدها.
قالت الشهباء بنبرة ملؤها الحقد: لا يهمني لو قتلت الآن ما يهمني أني أخذت ثأري من مسرور وعلقت رأس ابنه على حائطي، ادخلي ستجديها في بيتي معلقة من يومها، أراها فتشفي غليلي، ولو كنتي وقعتي في يدي لسقيتك المر يومًا بعد يوم حتى تموتي كمدًا، لكنكم بنو أصلان بسبعة أرواح، تجدون دائمًا طريقًا للنجاة.
ناول الحازم سيفه إلى سمية وقال لها: اقطعي رأس هذه الحية.
أمسكت سمية بالسيف، نظرت إليه للحظات ثم ألقته على الأرض، وقالت: لا بل أعفو عنها وعن ابنها، وأكتفي بأخذ رأس أخي لدفنها وإكرامها.
قال الحازم متعجبًا: ماذا تقولين؟ لن تقتليها، وهي من قتلت أخاك وكانت تود لو جعلتك جاريتها لتذلك؟!
ردت سمية: نعم سأعفو عنها، ليس لها فوالله لوددت لو اقتلعت بيدي قلبها، لكن أعفو عنها حتى لا يأتي يوم ويقتل ابننا مثلما قتل أخي.. لن أكون مثلها بل سأعفو وأسمو عن البغضاء، لأوقف سلسال الدم هذا، يقتلون منا ونقتل منهم، يغيرون علينا ونغير عليهم، حتى نفنا ويفنوا، هذه ليست بالتجارة المربحة يا زوجي.. سأوقف أنا دوران تلك الحلقة الدامية.
ابتسم الحازم لحكمة زوجته وقال: والله نعم الرأي رأيك يا سمية، رأي جاء من امرأة يغفل عن أحكم الرجال.
أمر جنوده بأخذ رأس عمرو ودفنها وبتحرير كل الأسرى الذين أسرهم بنو منذور في غارتهم، ثم أطلق بنو منذور وعاد إلى قبيلته.
عاش الحازم وسمية حياة طويلة سعيدة وأنجبوا ولدًا أسموه عمرو وكان كخاله فارسًا لا ينافسه مبارز ولا يسبقه خيال.
انتهت.
سمية بنت مسرور و الحصان مسحور .. من حكايا العرب (الجزء الأول)
الفتاة الخشبية .. من حكايا العرب القديمة