عادات ترقب هلال رمضان
من المعروف أن شهر رمضان من الشهور المقدسة، وتلك القدسية لم تأتي لكونه شهر الصيام فقط، ولكن لأنه هو شهر نزول القرآن الكريم وشهر نزول الكتب السماوية الأخرى، وهو شهر تتفتح فيه أبواب الرحمة للمؤمنين، ومن ذلك نستنتج أن لشهر رمضان الكريم طقوسًا خاصة تترابط فيها الجانب العبادي مع العادات على مدار العصور، وتختلف العادات والتقاليد من فئة لأخرى ومن مكان لآخر، فكان للعلماء والخلفاء عادات تختلف عن عامة الناس، ولكن في الآخر تتشابه بعض العادات بالتأكيد ومنها عادة ترقب هلال رمضان ..
عادات ترقب هلال رمضان
لا تختلف الرؤية الشرعية لهلال شهر رمضان الكريم بين الشعوب والقبائل العربية والإسلامية، فقد تم تحديها وفقًا للدين وبينها رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلم ولكن المقصود بعادات ترقب الهلال هي مظاهر الاحتفال والعادات المتبعة لاستقبال الشهر الكريم وهي بالطبع قد تختلف من مكان لمكان آخر بعض الشيء.
كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا استهل هلال شهر رمضان استقبله ويقول “اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة ودفاع الأسقام والعون على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا وسلمه منا حتى يخرج رمضان وقد غفرت لنا ورحمتنا وعفوت عنا”.
وبعد انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من التبرك والدعاء يقبل على الناس فيهنئهم بقدوم رمضان، وكان المسلمون يترقبون هلال رمضان بعد رؤيته ويتوجهون للنبي صلى الله عليه وسلم لأداء الشهادة أمامة، ولكن بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية وترامي أطرافها كانت المساجد هي المكان الأول الذي يتوجه إليه المسلمون لأداء شهادة رؤية الهلال.
ولكن ذلك لم يمنع اختلاف ثبوت الرؤية من مكان لمكان آخر، وحدثت حالات شك في ظهور الهلال حتى عهد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز، الذي كان يؤجل وجبة الغداء لبعد العشاء للتأكد من صحة ظهور الهلال، وتطور الوضع هكذا حتى الزمن العباسي، حتى أصبح القاضي يحضر شهادة رؤية الهلال.
وأشارت المصادر التاريخية أن القاضي عبد الرحمن بن عقبة الحضرمي كان أول قاضيًا في زمن الخليفة أبو جعفر المنصور يحضر شهادة رؤية هلال شهر رمضان، بعد ذلك أصبحت من صلاحيات القاضي الرؤية الشرعية وأداء مرتقبي هلال شهر رمضان، وبعد ثبوت الرؤية كان الفقهاء والعلماء يحضرون للقاضي لتهنئة بدخول الشهر الكريم.
مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان
وفي هذه الأثناء كان هنالك تنوعًا ملحوظًا في مظاهر الاحتفال برؤية الهلال في المدن، كانت مكة المكرمة أكثر البلدان احتفالًا وأكثر ابتهاجًا بقدومه، نقل لنا ابن بطوطة مشاهدته لمظاهر الاحتفال فقال:
“إذا أهل رمضان تُضرب الطبول والدبادب لدى أمير مكة ويقع الاحتفال في المسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نورًا ويسطع بهجة وإشراق”.
وذكر أيضًا في المدن الأخرى كان استقبال رمضان مثلًا في مدينة عدن بتزيين سطوح المنازل وضرب الدبادب، وفي مدينة أبيار كان ارتقاب الهلال يُسمى يوم الركبة يجتمع فقهاء المدينة في منزل القاضي يوم التاسع والعشرون من شهر شعبان للاحتفال.
في سائر الدولة الإسلامية كانت الحوانيت توقد الشموع، وغير إشعال الشموع كانت بعض المدن تعبر عن ابتهاجها بالولائم، مثل بعض مدن المغرب العربي، ومن المشهور أن القبائل التي كانت مشهور بالإغارة كانت تمنع ذلك بداية شهر رمضان كانوا لا يعترضون القوافل على الطرقات احتفالًا بالشهر.