حدث بالفعل

عامل الإسطبل وفضائح عالم الفتونة.. حكمة القدر تكتب النهاية

عامل الإسطبل.. في ساعة مبكرة من صباح يوم لا يُعد جديد في شيء بالنسبة إليه.. ارتدى ما يعتبره مميز لمثل هذه المقابلات، وتعطر بعطر من التي تُصرف كرحمات على الأموات في المدافن أو الموالد!

في طريقه كان يشعر بأن أخيرًا قد أعطته الحياة فرصة كي يكون له عمل يسد به رمقه عن سؤال الغير، فهو بعد أن أنهى تعلم القراءة والكتابة في إحدى كتاتيب الحي الفقير الذي يسكنه كان أشبه بالمساكين، الذين لا يملكون إلا قوت اليوم مهما كانت طريقة تحصيله.

عامل الإسطبل وحارس بوابات القصر

بعد معاناته أخيرًا توسط له الشيخ أبو العيون قارىء القصر الأميري لدى حارس بوابات القصر، وذلك بأن يتوسط له لدى حارس إسطبل الخيول، كي يوظفه كعامل إسطبل في بلاط القصر، الذي ما كان يحلم يومًا أن يمر بجانب أسواره الشاهقة.

وقف أمام هذا الصرح الشامخ في ذهول بعد أن اطمئن أن لا أحد من الحراس، سوف يلقي القبض عليه بتهمة الاقتراب من أسوار القصر.

عيناه تتمايلان يمينًا ويسارًا أمام بوابات القصر المرصعة بالأحجار الكريمة والمنقوشة بفنون النحت الإسلامي العتيق.

السلام عليكم.. عم سلطان أنا سليم الذي أرسلني إليك الشيخ أبو العيون.

رحب به العم سلطان أقدم العاملين في الإسطبل، والذي يهوى هذا المكان لما يدر عليه من أموال بطرق مشروعة وغير مشروعة.

جولة داخل القصر

التف العم سلطان حوله في جولة سريعة يعاين أبعاد الشاب اليافع ذو القامة العالية والصدر العريض، ثم رمقه بنظرة واحدة في عينيه مباشرة وقال له:

لا يا سليم لن تعمل في الإسطبل سوف آخذك بجولة داخل القصر ثم ليقضي الله ما هو قاض!

جن جنون سليم وطار عقله من هول المفاجأة التي لم يتوقعها أبدًا.. أن يدخل القصر حتى وإن عمل يوما في الإسطبل.

كان للقصر رئيس بلاط ووزير، كلاهما كانا يقدران العم سلطان لما يتمتع به من خلفية في عالم الفتونة، كي يستخدموه في بعض المعاملات مع من يليق بهم، ولكي يأمنوا شره في فضح أمورهم لدى الباب العالي لما يعرفه عنهما من فضائح.

أخذ العم سلطان سليم من يديه وأدخله مباشرة إلى رئيس البلاط.

عرض عليه سليم وقال:

جايب لجنابك هدية ياشاهد باشا.. ابننا سليم بيعرف القراءة والكتابة وجاي من طرف الشيخ أبو العيون وأوعد جنابك إنه لو صدر منه أي غلطة ياباشا هيكون مصيره الشارع.

قاطع شاهد باشا كلام عم سلطان بنبرة ونظرة يصعب تفسيرهما، ثم أشار لسلطان أن ينصرف.

كان سليم محظوظ بأن جعله شاهد باشا كاتب لديه بعد ما ترقى عارف بك لمنصب الوزير.

إدارة بلاط القصر

كان القصر مهجور من أميره الذي غالبًا ما كان يفضل العاصمة، فكان شبه مملوك لشاهد باشا، ومن بعده عارف بك الذي بدوره استولى على مقاليد إدارة بلاط القصر بعد وفاة شاهد باشا بأيام.

وبمثل طريقته في الترقي أمر بترقية الكاتب المسكين سليم إلى منصب وزير، ثم جعله يتجرع كأس العنجهية والتملك منه، فقد علمه عارف باشا أصول التملك من أول يوم.

فصار سليم في غضون شهور قليلة من الأعيان، ومن ساكني الأحياء الراقية بعد أن كان يستتر بقطعة لحم في مطبخ القصر ليلتهمها سريعًا، قبل أن يراه عارف بك أو شاهد باشا ولي النعم!

ثم سرعان ما تحول لدكتاتور حاكم بأمره ونسي أنه بالأمس القريب كان يتودد إلى الطباخ كي يأكل، وإلى المكوجي لكي يسمح له بكي ملابسه، وإلى جميع العاملين بالقصر لاستيعابه وسطهم…

انتهى.

مثل هذه القصص لا يكتب لها نهاية بخط اليد، بل تترك لحكمة القدر ليكتب نهايتها.

زر الذهاب إلى الأعلى