قصة المعلم هرم فيلم الكيت كات
عبدالرحمن جاويش يكتب: عن المعلم هرم.. الوحيد الذي لا يُنكِر
أصعب حاجة إنك تتكلم عن شخصية محققة “تريند” زي المعلم “هرم”، بيبقى التحدي إنك إزاي هتحلله من زاوية مختلفة وبعيدة عن “زيطة” السوشيال ميديا، وتحاول تدي كتابة الشخصية حقها؛ مع الاحترام الكامل لتجسيد فنان عظيم زي “نجاح الموجي”.
من أسباب عبقرية رواية “مالك الحزين” لإبراهيم أصلان، والمأخوذ عنها سيناريو فيلم “الكيت كات” لداوود عبدالسيد إن كل شخصية متميزة عن محيطها بنقطة معينة..
يعني مثلًا الشاب “يوسف” هو المتعلم الوحيد في المنطقة، و”الشيخ حسني” هو صاحب البصيرة الوحيدة في المنطقة، و”فاطمة” (عايدة رياض) هي الوحيدة المدركة تمامًا لمعنى الحب، أما شخصيتنا “الهرم” فهو الوحيد اللي ماهربش من الواقع ومأنكروش، وتصالح مع حقيقته وطبيعة محيطه بشكل غريب!
وبرغم شهرة إيفيه “صح.. بس هنكر” على لسان شخصية “الهرم”، إلا إنك لو ركزت شوية هتكتشف إنه هو الشخصية الوحيدة اللي مبتنكرش أي واقع بتمر بيه طول الفيلم.
كل شخصيات الفيلم بتحاول تهرب من عجزها بالإنكار؛ أولهم “الشيخ حسني” اللي بينكر إعاقته طول الفيلم، و”سليمان الصايغ” اللي بينكر مشاكله مع مراته، و”يوسف” اللي بينكر حقيقة إنه شاب مفلس مقيم في “الكيت كات” وبيحلم بأوروبا.. ده غير “عم مجاهد” اللي بينكر أساسًا إنه عايش..
أما “المعلم هرم” فهو متصالح مع كونه تاجر مخدرات، تلاقي كل أبطال الفيلم بيسهروا في الخمارة ويشربوا بيرة ويتطوحوا سكارى، والهرم قاعد في كامل وعيه بيغازل مرات صديقه “الأسطى حسن” اللي هو سهران عنده، وبيقولها: “لامؤاخذة البيرة دي مزاج خواجاتي، إنما الحشيش.. بلدي!”.
المعلم “هرم” مدرك حجم السُلطة اللي عنده؛ وإنه متحكم في مزاج منطقة كاملة.. وده بيظهر في طريقة كلامه مع ضباط الشرطة وهو رافع راسه.. وفي أول مشهد له في الداخلية.. لما الضابط بيسأله “تشرب حاجة؟”، فيرد الهرم ببساطة “لا.. أنا لسه مصطبحتش”.
ده غير رفضه القاطع لأي صفقة مع البوليس للإرشاد على تجار مخدرات زمايله.. وبيبرر موقفه في مشهد لاحق: “أنا تاجر حشيش آه.. بس عمري ما خونت تاجر ولا زبون”.
وفي مشهد التحقيق معاه بتهمة “مُلَفقة” من الضابط.. “الهرم” مابيعترضش، هو عارف إن الضابط هيعمل اللي على مزاجه، وخلاص قرر يحبسه.. فبيسيب الضابط يكتب التحقيق لوحده وبيقف يتفرج على التلفزيون اللي شغال في الخلفية وعلى وشه ابتسامة شخص “شاف من ده كتير”.
ظهور “المعلم هرم” في أحداث الفيلم اتأخر 37 دقيقة كاملة.. حضر بسيرته بس لما كان حد بيعاير الشيخ حسني إن “المعلم هرم اشترى بيته بالحشيش”.. في تصرف يبدو شرير، لكنه في الحقيقة بيعكس شخصية “فهمت قواعد لعبة الحياة” واتصرفت على أساسها.
المعلم هرم في الفيلم مش تاجر مخدرات كبير، وماعندوش صبيان ولا بيت كبير، ولا حقق أي نوع من الثراء.. هو “ديلر” ذكي بيوزع المخدرات من بيت “الأسطى حسن” عملًا بمبدأ Don’t shit where you eat.
الهرم هو موظف في تجارة المخدرات بلا أي طموح مهني عظيم.. يكفيه إنه بيلبس كويس وبياكل كويس وبيلاقي مزاجه.. “المعلم الهرم” هو فعلًا “هرم”؛ مؤسسة حشيش كاملة قائمة على الفرد الواحد.. وده بيعكس معضلة نفسية تانية في شخصية الهرم؛ وهي أزمة الثقة.
شخصية “الهرم” في الفيلم عايش لوحده بلا زوجة ولا أبناء.. بندخل بيته مرة واحدة خلال أحداث الفيلم، وإحنا متوقعين نشوف وكر قذر يليق بتاجر مخدرات.. بس بنكتشف إن الجدران بيضاء ونظيفة، والأثاث كذلك.. وبنسمع في الخلفية صوت أسمهان وهي بتطرب قائلةً “ليالي الأنس في فيينا”.. وبنلاقي “الهرم” قاعد بيشرب شاي في منتهى الانسجام والسلطنة.
الهرم برغم شره الظاهري إلا إنه أظهر “جدعنة” مبالغ فيها لما قرر يسلف “الشيخ حسني” فلوس يوم عزاء لـ”عم مجاهد”، صحيح هو على علاقة مع مرات صاحبه، بس بعلم صاحبه وفي بيته، وبـ”موافقة ضمنية” منه في صفقة: الشرف قصاد الحشيش.
الهرم شرير مستحيل تكرهه؛ مش بس متصالح مع ذاته، هو مصاحبها كمان، وحيد لكن مبسوط بوحدته.. ومين يكره إن صديقه الوحيد يكون نفسه؟
خصوصًا لو كنت أهم وأشهر شخصية تاجر حشيش في السينما العربية، وبابلو إسكوبار الغلابة، واسمك بيشير لأعظم مكان في مصر: الهرم.
يمكنكم مشاهدة المقالات السابقة من هنا
عجبني الطرح جدا يا عبد الرحمن.. احسنت!
عظيم يا بني والله