طلاسمقصص الرعب

عروسة البحر (الجزء الثالث)

نعود بالجزء الثالث من عروسة البحر بقلم الكاتب / أحمد الشمندي لقراءة الجزء الأول هنا ، والجزء الثاني هنا .

يا ترى ياااا هل ترى 🙂 يا صديقي العزيز ، إيه اللي حصل لما الشيخ محمود النجيدي – جد هالة – شاف چيدا لأول مرة في بيته ؟ وإيه الجملة الغريبة اللي قالها بمجرد ما عينه وقعت عليها ؟ وإيه معناها ؟ …

طيب يا ترى هو ليه وقف قبل ما يوصل للبيت بحوالي تلاتين متر ؟ حس بحاجة ؟ شاف حاجة ؟ حد قاله حاجة ؟ حد ؟ حد مين ؟ دة كان ماشي لوحده ومحدش معاه ! ياللا بينا ؟ يالا …

من زمان وأهل القرية كلهم عارفين أو بيقولوا يعني … إن الشيخ محمود عبر من البوابة ورجع تاني ، وبيقولوا كمان إنه بيتكلم معاهم وبيشوفهم ، وبيساعدوه وبيحموه وكأنه واحد منهم ، وأنا بصراحة مصدق الكلام دة …

الشيخ محمود لما قرب من البيت ، شاف حاجة مميزة ، ممكن يكون مشفهاش من سنين طويلة ، لأن رد فعله كان غريب شوية ، خاصةً على راجل متصل ومتواصل زي ما بيحكوا الناس عنه ، أولاً شاف هالةَ ضبابية حوالين البيت ، مطوقاه من كل اتجاه وكأنها بتحرسه ، مشي خطوتين ووقف تاني ، وهز راسه لتحت وفوق – بمعنى حاضر – وتمتم بكلام متعداش زمنه ثانيتين ، بس كان واضح من ملامحه إنه مستجيب ومتفهم ومعندوش أي اعتراض …

مشي لغاية ما وصل للبيت ، وسلم على هالة ، ودخل …

  • كومار الباتور جونارين

الشيخ محمود قال الجملة دي لما شاف چيدا ، كان وجه الاستغراب الأول ، إن دة كلام مش مفهوم ، ومش عربي أصلاً بس الحقيقة دة يعتبر لا شيء جنب اللي حصل بمجرد ما الشيح محمود نطق الجملة دي …

  • كومار باريدور موستار

أيوة زي ما توقعت كدة ، شاطر J

المفاجأة الخاطفة لهالة ، إن چيدا ردت على الشيخ محمود بنفس الكلام الغير مفهوم ، والمفاجأة الأعظم إن البيت اتزلزل بهزة خفيفة بس محسوسة استمرت تلات ثواني على الساعة …

في العالم الآخر ، حياة كاملة ، ممالك وقبائل ، أسر وعائلات ، موظفين وموظفات ، أطفال وكبار ، ولكن بشكل مختلف وبطبيعة مختلفة وبخلق مختلف وسبحانه فيما خلق وله فيه حكمة لا يعلمها الا هو ، وبطبيعة الحال بيتكلموا مع بعض بلغتهم اللي بتحقق تواصلهم مع بعض زي جميع الكائنات …

هالة منطقتش ، ودة طبعاً بيرجع لنشئتها ومعرفتها ببعض الأمور دي علشان جدها ، لكنها لاحظت إن چيدا نفسها مش متزنة أو مبقتش متزنة من ساعة ما الشيخ محمود كلمها وهي ردت عليه ، وكأنها تايهة …

الشيخ محمود أخد چيدا وهالة ودخل أوضته الخاصة باستقبال الناس واللي بيقضي فيها معظم وقته …

قبل ما ندخل معاهم الأوضة ، ونقعد نسمع الحوار اللي دار بينهم ، تعالى الأول افهمك الجملتين اللي اتقالوا بين الشيخ محمود وچيدا ، وتعرف معناهم ، كومار في لغة العالم الآخر يعني التحية أو السلام ، والباتور يعني الملكة وجونارين دة اسم چيدا (التحية للملكة جونارين) ، أما باريدور فدة لقب كل بني أدم بيتعامل بشكل أو بآخر مع العالم دة ، ومعناه السيد ، وأخيراً موستار ودة اسم الشيخ محمود عندهم (التحية للسيد موستار) …

عاوز بس أوضحلك في عجالة ، الفرق بين الساحر والسحر الأسود أو أياً كان نوع السحر ، وبين الناس اللي زي الشيخ محمود النجيدي والشيخ مسعود ، ومتسألنيش تاني لووو سمحت مين هو الشيخ مسعود (إنت لو مهتم كنت عرفت لوحدك J) ، الشيخ محمود من الأشخاص اللي بتساعد الناس ضد أعمال السحر ، وعلاقتهم بالعالم الآخر علاقة تعاونية ضد الشر وأعمال الشر ، والسحر المؤذي بكل أنواعه …

چيدا حكت للشيخ محمود كل حاجة حصلت بالتفصيل

  • أنا حقيقي مش خايفة يا جدو ، بس أنا مش فاهمة حاجة
  • بصي يا چيدا يا بنتي ، الكلام اللي هقولهولك ، هيكون غريب عليكي شوية ومش طبيعي أو حتى منطقي ، لكن لازم تكوني واثقة إنه حقيقي ، وإنه أصبح واقع لازم تتعايشي معاه ، وتحبيه ، وأنا واثق إنك هتحبيه ، إنتي روحك مختلفة ، نادرة ومميزة ، اسمها الروح العنبرية ، بتتميز بصفات إحنا كبشر منعرفهاش أو منميزهاش ، العالم الآخر هم اللي يقدروا يميزوها أو يكتشفوها فينا
  • الروح العنبرية ؟!
  • نسبة للعنبر اللي بيخرج من أضخم مخلوق بحري خلقه ربنا ، واللي بالمناسبة هو الكائن المقدس عند قبائل البحر في العالم الآخر ، علشان كدة أنا أول سؤال سألتهولك ، بعد ما حكيتي اللي حصل معاكي ، إيه علاقتك النفسية بالبحر ، ولما رديتي وقولتي البحر روحي ، أنا اتأكدت من إنك المُختارة
  • مُختارة ؟!
  • أيوة يا بنتي ، إنتي أصبحتي بالفعل الملكة المُختارة لأهل قبائل البحر ، انتي بقيتي محمية ومحفوظة بحراسك ، وفي أي مكان من هنا ورايح ، انتي محروسة ، وهم حواليكي دايماً
  • ملكة ؟! وحراسي ؟!
  • إنتي محمية بحراس ملكيين ، أقوياء وبأسهم شديد ، بس لسة مش مأمورين إنك تشوفيهم ، لسة متواصلوش معاكي الا من خلال الحلم بس
  • واللي انا قولته برة ! واللي شوفته في دهب !
  • كل دة طبيعي إنه يحصل مع الملكة ، ودة تمهيد للقاء والتتويج
  • لقاء وتتويج ؟!
  • أيوة يا بنتي ، انتي هتلتقي برئيسة حراس مملكتك ، اللي شوفتيها في الحلم اللي هي عروسة البحر اللي بتلبسك التاج ، واللي ظهرت لكريم في دهب ، وهتعبر بيكي البوابة للمملكة ، اللي بردو شوفتيها في الحلم
  • يعني أنا هعيش في البحر ؟
  • أيوة
  • وبابا وماما ؟ وحياتي وأصحابي ؟
  • حياتك مستمرة زي ما هي ، لكن حياتك الأصل هتبقى هناك ، في البحر
  • طيب أنا ازاي اتكلمت زيههم ؟
  • بالإيحاء ، بتدخلي في حالة لحظية من فقدان السيطرة العقلية وبتنطقي اللي بيوحى ليكي من رئيسة الحراس بنفس اللغة ، اللي هتقومي من النوم في ليلة هتكوني عارفاها تماماً وكأنها لغتك الأم وأنا وقت ما دخلت البيت وقابلتك ، كنت مأمور إني أحييكي التحية الملكية ، علشان كدة اتكلمت بلغتهم وإنتي رديتي بالإيحاء
  • يعني لو حضرتك كلمتني باللغة دي دلوقتي هرد ؟!
  • أيوة هتردي بس من غير ما تفهمي ، بالإيحاء بس ، بعد كدة هتبقى اللغة دي جواكي وهتنطقيها بنفسك وانتي فاهمة ، وكأنك اتعلمتيها
  • مش متخيلة اللي بتقوله دة يا جدو
  • عارف يا بنتي ، بس هو دة الواقع وهي دي الحقيقة
  • طيب أنا المفروض أعمل إيه دلوقتي ؟
  • متعمليش حاجة ، تنتظري بس ، هم هياخدوكي في وقت وميعاد محدد ؛ آخر حاجة هقولهالك ، الموضوع دة يتقفل الكلام فيه تماماً ، هتعيشيه لوحدك بدون ما حد يعرف أو يحس ، الوحيدة اللي هتسمع منك هي هالة
  • طيب وحضرتك ؟
  • أنا مهمتي انتهت يا بنتي بإني عرفتك وحطيك على أول الطريق ، وهالة بصفتها صديقتك المقربة ، وبطبيعة الحال ، كل حد شبهنا لازم يكون ليه صديق مقرب محل ثقته يحكيله ويحس إنه بيشاركه واقعه التاني ، ومينفعش يكون الصديق من نفس نوعيتنا ، علشان كدة قولتلك أنا مهمتي انتهت …

طبعاً الكلام والحوار اللي دار بين چيدا والشيخ محمود ، وهالة طبعاً اللي كانت حاضرة معاهم ، حاجة كدة خارج نطاق الاستيعاب العقلي …

انت متخيل إنك بين يوم وليلة تبقى … أو تحديداً إنتي متخيلة إنك بين يوم وليلة تبقي ملكة من ملكات ممالك الجن !!!

شيء غير مستوعب ، هو صحيح لو حصل معاكي ، هيكون رد فعلك إيه ؟!

  • أنا مش مستوعبة يا هالة ، اشمعنى أنا ؟
  • علشان إنتي طول عمرك مميزة يا چيدا ، من واحنا صغيرين
  • يعني إنتي مصدقة ؟
  • مصدقة ؟! طبعاً مصدقة ، جدي مش بيقول أي كلام
  • مقصدش ، يمكن التعبير خانني ، أقصد إنتي مستوعبة الموقف ؟
  • مستوعبة جداً يا چيدا
  • وموافقة ؟
  • موافقة على إيه يا حبيبتي ؟
  • إني أكون كدة ؟
  • دة واقع يا چيدا ، وضع حقيقي ، وبصراحة أنا شايفة زي ما جدو قال تتعايشي معاه وتحبيه ، مش متاح غير كدة أصلاً …

چيدا روحت البيت ، بعد يوم مليان مفاجآت ، أو بمعنى أدق بعد يوم هو الفارق في حياتها ، بص هي مكانتش خايفة على أد ما كانت مش مستوعبة ، طبيعي تخاف وتقلق بس مكانش الشعور دة هو مربط الفرس ، الموضوع غريب أصلا ، وفيه جانب من المتعة المستخبية ، لمجرد إنه خارج حدود الخيال حتى ، طبعاً چيدا بطبيعتها العاشقة للبحر كانت بين نارين ، البحر ولا البر ، تقبل ولا ترفض ، هي أصلا نسيت تسأل الشيخ محمود السؤال دة تحديداً ، هي ينفع أصلا ترفض ولا لأ ؟ وأنا شخصياً وعلشان من عشاق البحر عندي إحساس قوي بيقول إنها هتختار البحر طبعاً ، عشقه سحر محدش يقدر عليه ولا يفكر يقاومه ، أنا لو مكانها هوافق طبعاااااً ، إنت شايف إيه ؟!!!

  • بيهور جونارين … ليباتور تَرْسِين الباتور

صوت عميق وكأنه طالع من بير عميييييق ، قوي بالرغم من هدوؤه ، خشن بالرغم من إنه أنثوي ساحر ، رج الأوضة بتاعت چيدا بالرغم إنه مكانش عالي ، چيدا كانت نايمة ، ولما اتنادى عليها ، قامت منها ! أيوة بالظبط ، قامت ومقامتش ، انفصلت عن نفسها وكأنها اتقسمت اتنين …

الجملة دي معناها (استيقظي جونارين … المملكة تنتظر الملكة)

المنظر بالفعل كان مبهر بشكل خيالي ، وكأنك بتتفرج على فيلم سينما ثلاثي الأبعاد ، لا ثلاثي إيه ، تُساعي مثلاً J

الساعة كانت تلاتة بعد نص الليل ، لما الصوت نادى على چيدا ، وبعد ثواني ، چيدا اترفعت من على السرير منفصلة عن نفسها بمنتهى الهدوء ، شباك الأوضة كان مفتوح ، وكأنها متشالة بعناية خرجت من الشباك طايرة في اتجاه البحر ، في نفس اللحظة كانت البوابة اللي حلمت بيها قبل كدة مفتوحة على المية ، النور اللي طالع منها مبهر ، طالع من قلب الأعماق …

چيدا لما انفصلت عن نفسها ، انفصلت بهيئة مختلفة بس طبعاً بنفس مواصفاتها البدنية والشكلية ، كانت لابسة فستان مغطي جسمها كله وليه ديل طويل طوله مرتين مثلا ، عبارة عن قشور سمك دهبية براقة ، بس حجم القشرة الواحدة أد كف أيد طفل عنده خمس ست سنين مثلاً ، الفستان كان مرصع بلآلئ حجمها مذهل ، مش طبيعي فعلاً ، محطوطين بترتيبة معينة سواء من أودام أو على ضهرها ، لما وصلت أودام البوابة جسمها اتعدل وبقيت في وضع الوقوف ، ولثواني فضلت كل حاجة ثابتة ومفيش حركة ، وفجأة چيدا فتحت عيونها الزرقا ، وهنا ظهرت أودامها عروسة البحر ماسكة في ايديها التاج الملكي …

مع عيون جيدا اللي فتحت ، ومع ظهور عروسة البحر ، بدأ المشهد في الظهور التدريجي …

بوابة دهبية عظيمة ، الأرضية حجرية فيروزية شفافة ، أعماق البحر واضحة وضوح الشمس من تحتها ، وكأنهم واقفين على المية …

چيدا كانت لسة في الهوا ، وبمجرد نزولها واستقرارها على الأرض ، ظهر حراسها وراها وعلى يمينها وعلى شمالها ، عروسة البحر كانت واقفة بعد البوابة بحوالي خمسة متر ، ولما چيدا لمست الأرض ، شاورتلها بإيدها بما معناه تقدمي …

چيدا عبرت البوابة بهدوء ، وبمجرد ما ديل فستانها عدى حدود البوابة ، ابتدت تتحرك لغاية ما اتقفلت وراها …

المشهد تحول لمشهد مائي ، هم بالفعل تحت المية ، چيدا بتتنفس بشكل طبيعي ، مشيت لغاية ما وصلت لعروسة البحر اللي حييتها تحية ملكية وقربت منها ولبستها التاج الملكي ، وهنا …

ظهر على يمين وشمال الممر عدد مهول من جن البحر ، رؤساء القبائل البحرية ومساعدينهم ، وفي صوت قوي هادر …

  • هاريف الباتور جونارين ، هاريف الباتور جونارين ، هاريف الباتور جونارين ( الحياة للملكة جونارين)

چيدا فضلت واقفة باصالهم بصمت ، وبعد ثواني ، رفعت إيدها وحيتهم مبتسمة ، لكن الغريب إن چيدا لما رفعت إيدها رداً للتحية ، الجموع الموجودة كرروا نفس الجملة تاني بس بشكل أكتر حماسة وقوة ، ونزلوا كلهم على الأرض في وضع الخضوع ، ودة معناه إن التحية الأولى في الحقيقة ، كانت طلب بالموافقة على الوضع والمكانة الممنوحة لچيدا ، ولما ردت التحية كملكة ، دة كان معناه إنها وافقت وتقلدت المنصب فعلياً …

الملكة جونارين ، ملكة قبائل الجن البحرية ، لفت مملكتها في زمن قياسي بالنسبة لينا كبشر ، مملكتها دي اللي هي بحار ومحيطات الأرض …

جونارين شافها وحياها كل أهل مملكتها ، لف حواليها كل حيتان البحار والمحيطات ، اتهزت ليها الأعماق اللي كانت منورة بإضاءة قرمزية ساحرة.

بعد جولتها في المملكة ، استقرت جونارين على عرشها في أعماق المحيط الهادي ، في قلعة بحرية فيروزية خيالية ، وبمجرد استقرارها على عرشها واستقرار المحيطين بيها في بهو عظيم المساحة أودام العرش الملكي ، وقفت ورفعت إيدها بأسلوب ملكي وشاورتلهم وقالت بصوت الواثق …

  • كي الباتور جونارين ، الباتور ساريتاه باشيت

واللي معناه (أنا الملكة جونارين ، ملكة قبائل البحر) …

  • چيدا … چيدا
  • أيوة يا ماما ، صحيت خلاص
  • هالة برة يا حبيبتي ، وبقينا الضهر ، إيه كل النوم دة ؟
  • الضهر ؟! خليها تيجي يا ماما طيب ، سايباها برة ليه

هالة دخلت لچيدا أوضتها …

  • إيييييه يا مزة الناموسية الكحلي دي

چيدا بصتلها وابتسمت ابتسامتها الساحرة ومردتش …

  • مالك يا چيدا ؟ بتبصيلي كدة ليه وعينك بتلمع ؟
  • اسمي جونارين يا هالة ، الملكة جونارين

هالة فهمت ، وابتسمت و … حضنتها أوي ، وهمست في ودنها بكل الحب …

  • مولاتي ، الملكة جونارين

*** إنتهت ***

‫2 تعليقات

  1. كومار مُعطر الى الباريدور احمد الشمندى 👌
    كتبت فأبدعت فأمتعتنا كالعادة 👏👏👏

  2. إبدااااااع.. الحروف و الكلمات الموجزة لما تتجسد في صورة سينيمائية ده اسمه ابداع كاتب عظيم.. قصة مبهرة.. نهايتها و لا أروع.. عشق البحار ينتهي بتتويج ملكة.. و اعتقد ان عشق الكتابة يؤدي لتتويج احمد الشمندي علي عرش القصص القصيرة..
    كلي ثقة أنه مازال في جعبتك الكثير.. تمنياتي بمزيد من الابداع و التفوق..

زر الذهاب إلى الأعلى