نعود بالجزء الثاني من عروسة البحر بقلم الكاتب / أحمد الشمندي لقراءة الجزء الأول هنا.
- حمدلله على السلامة يا مزتي
- الله يسلمك يا هالة
- إيه دة في إيه ؟! مالك يا چيدا ؟
چيدا وصلت اسكندرية الساعة ستة الصبح ، نامت لغاية العصر ، وأول حاجة عملتها لما صحيت من النوم ، إنها نزلت قابلت هالة ، صديقة عمرها ورفيقة دربها من الروضة للكلية ، في مكانهم المفضل ، مجمع كافيهات جليم …
چيدا مكانتش عارفة تحكي لهالة الموقف اللي شافته في دهب ولا لأ ، أو بمعنى أدق مجموعة المواقف ، اللي طبعاً انت يا صديقي العزيز هتتجنن وتعرفها خاصة آخر موقف ، ولا كانت عارفة تحكيلها الحوار اللي دار بينها وبين مدربها كابتن كريم ولا لأ ، خاصة إنه نصحها متحكيش لحد أياً كان …
في آخر غطسة ، چيدا أخدت بالها من الدايرة الوهمية المحيطة بيها ، اللي بتعزل عنها التيارات البحرية وتخلق حواليها محيط هادي بدون أي مقاومة ، واخدت بالها كمان من موقف الكائنات البحرية حواليها طول ما هي تحت المية ، الموقف كان بالنسبالها غريب بس بدون تفسير ، والأغرب من دة ، كمية الأكسجين القليلة جداً اللي بتستهلكها تحت المية “مقارنة بالشخص العادي” ، لكن كل دة مخدش حيز من تفكيرها ورمته كله للصدفة في وقتها …
چيدا غطست ١١ غطسة في المستوين اللي درستهم “الأساسي والمتقدم” ومع آخر غطسة في المتقدم ، الا إنها فجأة انتبهت للمواقف الغريبة اللي شافتها تحت المية اللي قولتلك عليها ، فقررت تغطس أربع غطسات كمان ، علشان تبقى واثقة من إن اللي شافته مجرد صدفة …
كريم كان واقف مذهول اودام المشهد اللي بيتفرج عليه ، بالرغم من إن معظم الناس كانوا شايفينه مجرد مشهد مميز …
في اتجاه الشرق ، وفي نص خليج العقبة اللي بتطل عليه شواطئ دهب ، كان فيه تجمع لمجموعة كبيرة من الدلافين ، مجموعة كبيرة دي اقصد بيها عشرات الدلافين ، كانوا بيلفوا في المية على شكل دايرة واسعة بشكل منتظم جداً ، وكأنهم في عرض عسكري …
اللي خطف كريم في المشهد دة تحديداً ، مش الظهور المفاجئ العدد المهول دة من الدلافين لأول مرة اودام دهب ، ولا حتى الدايرة اللي هم عاملينها …
الناس اللي واقفة اودامه واللي كانت بتصور بتليفوناتها ، شايفة حاجة غير اللي هو شايفها ! هو أخد باله من كدة لما بص بالصدفة على تليفون اللي جنبه وركز في باقي التليفونات …
الناس شايفة المشهد زي ما وصفتهولك كدة ، لكن هو بس اللي كان شايف إيه اللي موجود في نص الدايرة ، ودة اللي خلاه يبص ناحية السنتر ويشوف چيدا وهي واقفة ، فيلاقيها في اتجاه نص المشهد تماماً …
في نص الدايرة وفوق المية ، كان في ضل ضخم شفاف وكأنه دخان أبيض لعروسة بحر ملكية متوجة بتاج دهبي ، عيونها بس هي اللي مش ضل ، عيونها حقيقية زرقا لون مية البحر ، ونفس لون عيون چيدا ، مش بس كدة ، الدخان الأبيض او الضل اللي شبه الدخان كان خفيف وشفاف في كامل جسم عروسة البحر ، لكنه كان تقيل على وشها وواصف ملامحها ، اللي كانت بالظبط وكأنها چيدا ، الأعنف من كدة ، إن عروسة البحر كانت باصة في عينيه بشكل مباشر …
انت متخيل الموقف !
- إيه رأيك يا چيدا ؟
- روعة ، أول مرة أشوف العدد دة من الدولفينز مرة واحدة كدة ؟ هم كانوا بيلفوا كدة ليه بقى ؟
كريم اتفاجئ إن چيدا شايفة نفس اللي الناس شايفينه ، وإن هو الوحيد اللي شاف عروسة البحر ، وكأنها كانت بتقوله خد بالك ، دي منِّي ، وبتخلق منه الشاهد الوحيد على حقيقة چيدا ، وبتحذره من إنه يتكلم …
كريم بعد الموقف دة غطس مع چيدا الأربع غطسات الزيادة اللي هي طلبتهم ، ونزل بيها لعمق ٦٠ متر (ضعف العمق المسموح بيه ليها) ، واتأكد تماماً إنها شخصية مش عادية …
- بصي يا چيدا ، احنا كدة خلصنا وإنتي هتمشي بكرة إن شاء الله ، بس لازم قبل ما تمشي اقولك حقيقتك
- حقيقتي ؟! حقيقة إيه يا مستر كريم ؟
- إنتي شخصية مش عادية ، وفيكي حاجة او حاجات مختلفة عن الجميع ، وأنا في الحقيقة مشوفتهاش قبل كدة ومعتقدش إني ممكن أشوفها تاني
- شخصية مش عادية يعني إيه ، مش فاهمة ؟!
- چيدا إنتي شوفتي إيه اللي كانت الدلافين بتلف حواليه ؟
- لا ، بس متهيألي مكانش فيه حاجة
- لا كان فيه حاجة ، وأنا بس اللي شوفتها
- حاجة زي إيه ؟
- عروسة بحر يا چيدا
نظرتها ليه كان استهجانية مبتسمة ابتسامة اللي هو إيه اللي بتقوله ده …
- أيوة يا چيدا ، عروسة بحر ضبابية زي الدخان ، وعلى راسها تاج ، محدش شافها غيري ، شبهك بالظبط ، نفس ملامحك ونفس لون عيونك وكأنها إنتي ، بصتلي وكأنها بتشهدني عليكي وبتقولي إنك تبعها أو بنتها أو بتاعتها ، ولما اكتشفت إنك مشوفتيهاش ، فهمت إنها كمان بتحذرني من إني أحكي أو اتكلم عنك مع حد
طبعاً چيدا كانت مذهولة من اللي بتسمعه ، زي ما أنا وانت وكريم مذهولين كدة ، وكإننا بنحلم مثلاً …
- أنتي مش مصدقة ، صح ؟
- مش مصدقة إيه ؟ حضرتك مستوعب الكلام اللي بتقوله ؟
- طيب ، أنا هثبتلك إنك شخصية مش عادية بالورقة والقلم وببساطة ، أولاً كل المنظمات اللي غيرناها ومتخيلين ان عدادات قياس ضغط الاكسجين فيها مش مظبوطة ، أنا غطست بيها معاكي وكلها سليمة ، إنتي بتتنفسي تحت المية من جسمك كله ، او بشكل تاني مختلف أنا مش عارفه ، لأن استهلاكك للهوا مش طبيعي بكل المقاييس ، ثانياً أنا خاطرت بحياتك ونزلتك لغاية ٦٠ متر باسطوانة هوا عادية واحدة بس ، وانا كنت نازل باسطوانتين هوا مخلوط ، ونزولك للعمق دة بالاسطوانة دي مع الوقت اللي قعدناه تحت ، وبكمية الهوا اللي استهلكتيها ، مش هقولك صعبة ، لا دي مستحيلة بكل المقاييس البشرية ، هقولك حاجة كمان ، مخدتيش بالك من تحية الكائنات البحرية ليكي ، أو بمعنى تاني هدوءها التام لدرجة السكون وانتي معدية جنبها وكلهم باصين عليكي ؟ طيب مخدتيش بالك من دايرة استقرار تيار المية حواليكي في كل مكان بتكوني فيه ؟ على فكرة ، أنا تعمدت ننزل في كل الأمكان المعروفة بشدة التيارات البحرية فيها علشان اتأكد تاني وتالت
- أنا مش مستوعبة
- لازم تستوعبي يا چيدا ، لأن هي دي الحقيقة اللي لازم تتعايشي بيها ، واللي اعتقد إنك لازم تفضلي مخبياها ، لغاية ما اللي مستنيكي تقابليه ، أو بمعنى أدق ما تقابليها
- هي أيه دي اللي هقابلها ؟
- عروسة البحر …
لما چيدا قابلت هالة ، كان عندها رغبة قوية أوي إنها تحكيلها على كل حاجة زي ما هي متعودة ، بس كانت قلقانة من تحذير كريم ليها ، كانت بين نارين ، تحكي ولا متحكيش ، ومع قلقها وحيرتها ، قررت إنها مش هتحكي “مؤقتاً” لغاية ما تستقر وتعرف تاخد قرار مناسب …
في نفس اليوم بالليل ، كانت قاعدة في أوضتها ، تحديداً أودام الشباك اللي بيبص على البحر ، وكانت سرحانة فيه كعادتها ، فجأة ، انتبهت إن فيه حاجة غريبة بتتحرك على امتداد نظرها جوة البحر ، الدنيا ضلمة ، البحر لونه اسود ، الشيء دة بيطلع من نص المية ، بيكبر ، دخان أبيض بيتكون وكأنه سحابة ، چيدا ابتدت تركز ، جسمها ابتدا يترعش ، الدخان بيتشكل ، ولما اكتمل كان على شكل بوابة كبيرة ، البوابة بتتفتح اودامها ، وبيظهر جواها مشهد متحرك لشخصيتين ، واحدة فيهم ملامحها مش واضحة وبتلبس التانية تاج على راسها ، لما التانية لبست التاج ، لفت وشها ناحية چيدا ، علشان چيدا تتفاجئ إنها هي ، أيوة ، چيدا شايفة نفسها جوا البوابة الدخانية دي بوضوح وكأنها بتبص لنفسها في المراية بعد ما لبست التاج ، والمفاجأة الأكبر ، إنها شاورتلها وبصوت مسموع جداً قالتلها : تعالي ، مملكتك مستنياكي ، تعالي يا مُختارة ، تعالي …
مع نهاية الكلام ، الشخصية الشبيهة ابتدت تخرج من البوابة في اتجاه چيدا بمنتهى السرعة وكأنها طايرة ، چيدا اتفاجئت ، فقامت من قعدتها تجري ناحية باب الأوضة علشان تلحق تهرب من الشيء اللي جاي طاير ناحيتها ، ومع حركتها المفاجأة ، اتخبطت في طرف السرير و ………. قامت من النوم مفزوعة لدرجة إنها وقعت من على الكرسي ، أيوة بالظبط ، چيدا نامت وهي قاعدة سرحانة بتبص على البحر ، ولما راحت في النوم حلمت بالمشهد اللي حكيتهولك دة …
- بصي يا هالة ، اللي هقولهولك دة مينفعش حد يعرفه بأي شكل
- إنتي عبيطة يا بنتي ، من امتى بتقوليلي كدة ؟
- أنا مش طبيعية
- ما انا عارفة انك مش طبيعية يا حبيبتي
- مش بهزر يا هالة بقى
- مش فاهمة يا جيدا طيب ، يعني إيه مش طبيعية ؟
- يعني أنا مش إنسانة طبيعية ، مش زي البشر العاديين
نظرة هالة اتحولت من النظرة اللطيفة المبتسمة لنظرة مذهولة أو مش فاهمة أو مش مستوعبة معنى الكلام …
- لا مش فاهمة يا چيدا
- في مواقف حصلت في دهب يا هالة لما كنت باخد كورس الغطس ، في منتهى الغرابة ، واتأكدت منها كلها ، اقصد إنها حقيقية يعني مش صدفة ، دة غير اللي قالهولي كابتن كريم المدرب
- مواقف إيه يا چيدا ، أنا ابتديت أقلق عليكي ، فيه إيه ؟
چيدا كانت أخدت القرار خلاص إنها تحكي لهالة ، وبالفعل ، لمدة ساعة ونص ، چيدا بتحكي وهالة بمنتهى الذهول بتسمع ، حكتلها كل حاجة بالتفصيل لغاية الحلم اللي شافته بالليل …
- يعني إنتي حلمتي بيها فعلاً زي ما الكابتن وصفها ؟
- أيوة ، ودة اللي خلاني أصدقه ، لأني وبالرغم من اللي حصل كله ، كنت شاكة في صدق كلامه بصراحة
- دي أغرب حاجة وأكتر حاجة مرعبة ممكن أسمعها في حياتي
- انتي خايفة مني يا هالة ؟
- خايفة منك إيه يا عبيطة إنتي ؟ أنا خايفة عليكي
- أنا كمان خايفة يا هالة ، ومش عارفة أعمل ايه ؟
- ممكن يكون عندي حل يا چيدا
- حل إيه ؟
- جدي ، نسافر لجدي البلد كأني بزوره وإنتي معايا ، لو إنتي زي ما بتقولي كدة ، هو هيعرف لوحده ، هيحس بيكي ويعرف إنتي مين أو فيكي إيه
- يعني إيه أنا مين ؟
- أقصد يعني هيعرف إنتي إيه علاقتك بالعالم التاني
- عالم تاني ؟ عالم تاني يعني إيه ؟ تقصدي إيه ؟
- بصي أنا مش عارفة أفهمك ، مواقفة نروح ؟
- موافقة يا هالة
- تمام ، بكرة الصبح إن شاء الله نتطلع على البلد سوا
سريعاً كدة لغاية ما يوصلوا البلد ، احب اعرفك بهالة صديقة چيدا الأنتيم …
هالة مراد محمود النجيدي ، من نسل الأشراف نسبة لأبوها ، واختصاراً ، جدها من الناس الشفافين المتصلين بالعالم الآخر ، زي الشيخ مسعود كدة …
الشيخ مسعود مين ؟ يا عم الشيخ مسعود بتاع قصة الرواية الملعونة …
الرواية الملعونة إيه ؟ يا سيدي قصة الرواية الملعونة بتاعتي اللي من تلات أجزاء ، ابقى اقراها هتعجبك …
المهم ، الشيح محمود النجيدي جد هالة ، عايش في قرية صغيرة تبع مركز دكرنس محافظة الدقهلية (المنصورة) ، وطبعاً معروف في المركز كله ويمكن المحافظة كمان ، إنه راجل تقي وصاحب كرامات ، والناس بتجيله من محافظات كتير ، وبالمناسبة هو إمام وخطيب مسجد القرية …
- يا أهلا يا أهلا ، اتفضلوا
- ازيك يا عمتي
- يا الف مرحب يا روح عمتك ، اتوحشتك يا بت يا هالة ، ولا اقولك يا ست الدكتورة ، ازيك كدة وازي احوالك
- الحمدلله يا عمتي أنا بخير ، وإنتي وحشتيني كتير يا مزة إنتي ، دي چيدا يا عمتي ، صاحبة عمري
- اهلا بيكي يا بنتي ، نورتينا وكترتينا
- ربنا يخليكي يا طنط
- هو جدي فين يا عمتي ؟
- في الجامع يا حبيبتي ، بيصلي الضهر ، بس خلاص خلصوا وزمانه جاي
- صحته عاملة إيه يا عمتي ؟
- كويس يا بنتي الحمدلله ، أهو ، شوية كدة وشوية كدة ، إنتي عارفة بقى السن وأحكامه ، ولا بيحب يروح مستشفيات ولا يكشف عند دكاترة
- ربنا يديله الصحة يا رب
- يا رب يا بنتي ، اللهم امين ، أهو وصل
هالة قامت تبص من الشباك على جدها وهو جاي ، وكانت ناوية تنادي عليه كعادتها ، بس لاحظت إنه واقف على بعد خمسة وعشرين تلاتين متر كدة قبل البيت ، وبيبص عليه وكأنه أول مرة يشوفه ، أو إنه شايف فيه حاجة متغيرة وملفتة للنظر ، لكن الوقفة مطولتش ، والشيخ محمود كمل مشي في اتجاه البيت ، وقبل ما يوصل للباب ، كانت هالة فتحته …
- يا جدو يا جدووو
- يااااا حبيبة جدك ، تعالي تعالي
الشيخ محمود اخد هالة في حضنه ، هالة بالنسباله كانت مميزة جداً ، الحفيدة الأولى وبنت إبنه الكبير ، واتولدت واتربيت أودامه لغاية ما تمت اربع سنين ، هي كمان كانت مرتبطه بيه وبتحبه وبتزوره باستمرار …
- إنتي فيه حد جاي معاكي يا هالة ؟
- أيوة يا جدو ، چيدا صاحبتي قاعدة جوة مع عمتي ، إنت عرفت منين ؟
الشيخ محمود مردش عليها ، دخل من الباب على طول في اتجاه چيدا ، وأول ما عينه وقعت عليها وقف مكانه ، وچيدا كمان قامت وقفت أول ما شافته …
- كومار الباتور جونارين
الشيخ محمود قال الجملة دي لما شاف چيدا ، المفاجأة المنطقية طبعاً ، أو وجه الاستغراب بمعنى أصح ، إن دة كلام مش مفهوم ، ومش عربي أصلاً بس الحقيقة دة يعتبر لا شيء جنب اللي حصل وشافته هالة بعنيها ، بمجرد ما الشيح محمود نطق الجملة دي …
لا أرجووووووك… كملها 🤩
تجنن كعادة التشويق و الإثارة اللي بيمتعنا بيها الكاتب الرائع
دقة الوصف و رشاقة استخدام الكلمات بترسم لوحة فنية لازم القاريء يعيش جواها … مزيد من النجاح و التقدم لكاتبنا الموهوب أحمد الشمندي و في انتظار الجزء الثالث