سينما

عن أعمال السجون

83986079 1f87 4811 980b 5ed72ed14fed 1

 

أعمال السجون لها سحر يميزها، ومعادلة لا يختلف على تفردها اثنان من المشاهدين.. تبدأ الأحداث دائمًا مع بطلنا، وهو شخص عادي، سيء الحظ لدرجة أن خطأه الأول أودى به إلى السجن؛ نسمع صوت خطواته المترددة في أروقة السجن الذي يدخله لأول مرة، علامات الخوف والتردد بادية عليه، والمساجين القدامى من حوله يصرخون عليه في تنمر، ينظر لحارس السجن ليرد الأخير بغلظة، ويغلق عليه باب الزنزانة، لينام ليلته الأولى يفكر في مستقبله الذي انتهى.. لكننا جميعًا نعلم أن صوت إغلاق الباب الحديدي هو مجرد بداية لحكاية مثيرة.

لطالما كان أدب السجون من التيمات الجذابة للكُتَّاب على مر العصور.. فهو يمنح الكاتب الفرصة لسرد وقائع تاريخية، وسياسية واجتماعية كل هذا مما قد تجمعه جدران زنزانة واحدة..

لا أنسى تجربة “شرق المتوسط” للروائي عبد الرحمن المنيف والتي أعتبرها أفضل محاولة عربية لأدب السجون.. والتي تتحدث عن الاعتقال السياسي كأداة للقمع في الوطن العربي في عصر ما قبل الربيع العربي..

كذلك أرشح لك تجربة رواية “شرف” للمحنك “صنع الله إبراهيم” والتي تتحدث عن السجن كمكان يعكس الفساد في مصر.. من خلال تناول بعض الأحداث التاريخية والاقتصادية والسياسية، علاوة على أعمال مثل “تلك العتمة الباهرة” و”مذكراتي في سجن النساء”.

أما على المستوى العالمي فأشهر رواية تحدثت عن السجون هي “كونت دي مونت كريستو” للمبدع “ألكسندر دوما” والذي يحكي عن البحار “إدموند” الذي يتعرض لغدر من أقرب أصدقائه، طمعًا في الزواج من محبوبة “إدموند” فيورطه في جريمة لا يعرف عنها شيئًا.. يُسجن “إدموند” لسنوات طويلة يخطط فيها للهرب والانتقام من كل من خانه، ليخرج وينفذ انتقامه.. هذه الرواية التي تحولت لتيمة يلجأ إليها صناع السينما من عقدٍ لآخر، خاصةً في السينما المصرية التي حولت هذه الرواية لعملين هما “أمير الانتقام” و”أمير الدها”، وغيرها من الأعمال المقتبسة عن نفس الفكرة.

أما عن تفضيلي الشخصي فيذهب لمسلسلات السجون؛ حيث تتوافر المساحة لعرض الشخصيات والأحداث، فشخصيات مثل السجان ومدير السجن، والسجين المتنمر، والسجين الواشي، وخطط الهروب، ومحاولات التعايش في السجن، وليالي الحبس الانفرادي.. ناهيك عن سبب قدوم كل هؤلاء لذلك المكان المُقبِض.. كل شخص يحمل في خلفيته قصة مثيرة أو على الأقل “مسلية”.

والتعامل مع السجن في الدراما والسينما قد يحدث من خلال أكثر من منظور:

المكان هو البطل

في هذه النوعية من أفلام السجون تكون البطولة لأسوار السجن، حيث مفهوم الحرية هو الغاية دون غيرها، لا آمال عريضة في الهروب، ولا يحاول الأبطال التطور أو التعايش مع بعضهم البعض، فقط هم يعانون جرَّاء هذه الحياة الصعبة.. نشاهد فساد الإدارة وفساد المساجين أيضًا، يختلط مفهوم الضحية مع الجاني..

وأفضل مثال على هذه الحالة هو الفيلم الأفضل Shawshank redemption The والذي يروي قصة آندي دوفرين الذي حصل على حكم بالسجن المؤبد بتهمة قتل زوجته وعشيقها.. وهناك يخوض رحلة طويلة في السجن، لا يشغله سوى مفهوم الحرية، والتعامل مع فساد إدارة السجن.. حتى ينجح في الهروب بالنهاية، ويطرح الفيلم وجهة نظر رائعة عن الحرية، وهي أن تأخرها قد يضر أكثر مما يفيد، وقد ظهر هذا في حالة السجين الذي خرج بعد عشرات السنين من الحبس، ليكتشف أنه لم يحتمل الحرية بعد أن نسى كيف يعيش بشكل مستقيم!

الشخصية تحرك الجميع

أعمال السجون التي تركز على خلفية شخصيات من مئات الخلفيات، وتفاعلهم داخل أسوار السجن.. غالبًا ما تكون مسلسلات طويلة، ومن أفضل هذه الأعمال في رأيي هو locked up، وهو مسلسل إسباني يتحدث عن تفاعل سجينات إحدى السجون الخاصة مع بعضهن البعض.. من خلال الشابة الساذجة “ماكارينا فيرييرو” والتي دفعتها علاقة غرامية مع مديرها للاختلاس وعوقبت بالسجن لسبع سنوات..

نشاهد محاولات ماكارينا في التأقلم على حياة السجن تارة، ومحاولاتها للهروب تارةً أخرى، ومحاولتها للحصول على براءة، والكثير من العلاقات والتفاعلات بين السجينات وبعضهن.. حتى تتحول ماكارينا لسجينة محنكة بامتياز.

يتشابه هذا العالم مع عمل آخر من أعمال السجون هو orange is the new black.. إلا أنه نقطة مميزة في الدراما الإسبانية أرى بشكل شخصي أنه يتفوق في قوته على دراما La casa de papel التي احتفى العالم بها.

اقرأ أيضاً

“المنزل الذي بناه جاك” رحلة قاتل من البراءة إلى الدرك الأسفل من النار

عن العميد رشدي وهدان .. بين الميكيافيلية والغباوة: بقلم عبدالرحمن جاويش

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى