عن العميد رشدي وهدان .. بين الميكيافيلية والغباوة: بقلم عبدالرحمن جاويش
عن العميد رشدي وهدان.. بين الميكيافيلية والغباوة ، مع بداية تشكيل وعي الطفل، أهله بيوصلوا له رسالة واضحة: العالم مقسوم لفريقين، الخير والشر.. وأنت لازم تكون من الأخيار.
الرسالة دي بتكون سبب في حالة البراءة، ومحاولات الوصول للمثالية اللي الأطفال بيكونوا عليها، لكن مع الوقت الطفل بيكبر وبيدرك إن البشر فريق واحد، فريق لونه رمادي، وإن مفيش أخيار على طول الخط، ولا أشرار مدى الحياة.. وكل ما مساحة إدراكه للون الرمادي بتتسع، كل ما بينضج.
وصغار الكُتَّاب بيقعوا في نفس فخ الأطفال ده، وبتكون شخصياتهم يا أبيض يا أسود.. عشان كده الواحد ما بيصدق يلاقي شخصية رمادية يتكلم عنها، وده هو الحال مع شخصية “رشدي وهدان” في فيلم الجزيرة بجزئيه.
عن العميد رشدي وهدان.. بين الميكيافيلية والغباوة
حكاية العميد “رشدي وهدان” بتعرفنا على شخصية عملية أحادية البُعد، بمعنى إننا مبنعرفش أي شيء عن أسرته غير معلومة واحدة: إن زوجته بنت أستاذه ومديره السابق “اللواء فؤاد”.. وإنه عنده عقدة مع الموضوع ده، لأن دايمًا بتحاوطه الاتهامات إنه يكون وصل واترقى بسرعة بسبب نسبه من اللواء.
“فيه حاجات يا منصور الواحد أحسن ميعرفهاش”.. الجملة دي بتلخص طريقة تعامل “رشدي” في أداء وظيفته، هو اللي يفرق معاه الغاية والنتيجة النهائية، بدون النظر لأي حسابات أخلاقية، وده اللي بيخلق له صراع طويل مع زميله وابن أستاذه “طارق” اللي بيمثل معسكر الخير.
السمة الأساسية في شخصية رشدي هي “الإنجاز”، أهم شيء عنده هو تحقيق الأولويات، وده اللي خلاه يوافق على رجوع منصور للجزيرة لمجرد إن منصور سلِّمه عدد من الإرهابيين، برغم إدراكه التام لكون منصور تاجر مخدرات وسلاح، وتأثيره على الأمن أكبر من تأثير الإرهابيين نفسهم، لأن الطرفين أشرار، لكن منصور شرير محبوب.
أنا لو رئيس لنظام معين، هحب يكون معايا شخص زي “رشدي وهدان”.. شخص قادر يحتوي كل أطراف الصراع، بعيدًا عن الأخلاقيات بموهبة عبقرية في إقناع الشخص بالشيء وعكسه.. ويبعد الضرر عن النظام لأطول فترة ممكنة.
“رشدي” كان قادر يتجاوز عن كل جرائم منصور الحفني، لكن في نفس الوقت كان له شروطه في التجاوز ده، كان بيرفض أي محاولة من منصور للسيطرة عليه بأي شكل، حتى في حواراتهم الشخصية.
في نفس الوقت كان بيزرع الفتنة في بيت منصور وبيحاول يقلب عمه عليه، وكذلك بيفرمل طارق عن الفتك بمنصور لأنه عارف إن أضرار الفتك ده (من الناحية الأمنية) أكبر من منافعها في الوقت ده.
المعضلة الرئيسية في شخصية رشدي هي “أمن بلا قانون؟ أم قانون بلا أمن؟”، وكعقلية أمنية مصرية عتيقة مستحيل يلاحظ المساحة المشتركة بين طرفي المعادلة.. وبيبرر لنفسه كل انتهاكات القانون بحجة تحقيق الأمن.
وفي النهاية لما اتكشفت حقيقة رشدي، قرر يهدم المعبد على أصحابه، واستخدم كارت “فرق تسد” مرة تانية.. وأعلن لطارق إن صاحب فكرة التعاون مع عائلة حفني من الأساس هو والده، وفي نفس الوقت بدأ يتحرك للقبض على منصور.
العميد رشدي وهدان
بطولة رشدي الحقيقية بتظهر لما اتاخد رهينة ورفض المساومة على حياته، في أشهر جُمَل الفيلم “قول لهم يدكوا البيت، بلاش غباوة!”.. يمكن مش بطولة قد ما هي رغبة عنده في نهاية ملحمية، وده بيظهر في جملته: “أنا هموت بطل؛ جنازة رسمية ويناشين، ومش بعيد يسموا الجزيرة باسمي.”
أما التطور الحقيقي في شخصية “رشدي وهدان” فبيظهر في الجزء الثاني من الفيلم، لما مملكته بتنهار مع الثورة، وبيتحول لرمز من رموز الفساد، وبيقع أسير بين الشماتة والانتقام.
التطور بيحصل لما النار اللي صنعها عشان يبرر بيه أفعاله بتحرقه هو شخصيًا، وبتموت أسرته في حادث إرهابي من تدبير وتنفيذ “الرحالة”.. هنا بيستقيل من منصبه، وبيتحول لشخص صريح ومباشر، عارف أصدقائه من أعدائه.
للأسف الطبيعة البشرية بتفرض على كل واحد فينا يخلق جواه “رشدي وهدان” بدرجات مختلفة.. “رشدي وهدان” بيبرر الوسيلة لصالح الغاية.. “رشدي وهدان” بيبص في المراية كل يوم ويقول لنفسه إنه كويس، وإنه بيعمل الصح، حتى لو مش أخلاقي، فالمهم النتيجة، وحتى لو النتيجة على المدى الطويل مش فعَّالة، فالمهم النية، وحتى لو كانت النية غير صادقة تمامًا، فالمهم إني حاولت.. ودي ملخص حياة البشر: محاولات رمادية.
اقرأ أيضاً
الحقيقة خلف فيلم كابوس شارع إلم
فيلم “الشيء” وما يمثله من الوحشية النقية