سينما

عن المخرج شادي عبدالسلام.. يموت الحالم ويبقى الحلم

عن المخرج شادي عبدالسلام.. يموت الحالم، ويبقى الحلم

“لو كان الإتقان رجلًا، لسُميَ شادي عبد السلام”..
هكذا قال صديقي حين وصلنا بالحديث –لا أتذكر كيف- للحديث عن الملابس والديكورات في الأعمال التاريخية، وبالطبع ذُكِرَ شادي عبد السلام كأحد أهم فناني هذا المجال.. ومع النقاش تطرقنا لصعوبة تنفيذ عمل مثل “كفاح طيبة” الذي سيُعرَض رمضان المقبل؛ وذلك لحاجة صناع العمل لإتقان الديكورات والأزياء، وتمنيت لو أن عملًا كهذا ُنفِذَ في وقت كان فيه شادي عبدالسلام، المعروف لعشقه الحقبة الفرعونية، أتخيل أنه سيكون عملًا آخر.

خلفية شادي عبدالسلام الفنية تنبع من دراسته العمارة في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ولم يضع وقتًا طويلًا بعيدًا عن عالم السينما، فسرعان ما عمل مع المخرج صلاح أبو سيف مساعدًا، ومن ثمة أصبح فنانًا سينمائيًا متكاملًا، وقد عُرِفَ عن شادي عبدالسلام أنه كان يرسم كل كادرات الفيلم قبل التصوير، فقد عمل كاتبًا وفنانًا تشكيليًا ومهندسًا للمناظر ومساعدًا للإخراج ومخرجًا ومصممًا للديكورات والملابس.. بل وساهم على استحياء في الموسيقى والإنتاج والتصوير أيضًا.

عبقرية شادي عبد السلام الحقيقية، ووصفه رمزًا للإتقان والإجادة جاءت من أعمالٍ أخرى شارك فيها بفنه دون رؤيته الإخراجية؛ روائع سينمائية مثل “أمير الدهاء”، و”الناصر صلاح الدين” و”رابعة العدوية”، و”ألمظ وعبده الحامولي”و”وا إسلاماه”، و”بين القصرين”.. لا يوجد شيء يربط بينها، فهي لا تحمل نفس التيمة، ولا تنتمي جميعًا لنفس نوعية الأفلام، وبالتأكيد تختلف عن بعضها زمنيًا ومكانيًا، قليل هي الأمور المشتركة بين هذه الأفلام جميعًا، ولكن العامل الأهم والمشترك أن شادي عبدالسلام قد عمل فيها إما مصممًا للملابس أو الديكورات أو كليهما، الأمر الذي أهله للمشاركة في عملٍ عالمي مثل فيلم “كليوبترا” الشهير الذي أنتِجَ في ستينيات القرن الماضي من بطولة إليزابيث تايلور، والذي أشرف فيه عبدالسلام على الملابس والديكورات.. وعمل آخر هو فيلم بولندي يدعى “الفرعون” قام فيه بنفس الدور.

رصيد شادي عبد السلام في إخراج الأفلام القصيرة يمكن تلخيصه في فيلم حربي هو “جيوش الشمس” ومجموعة من الأعمال التي تناولت حياة المصريين القدماء، ولعل أشهرها فيلم “الفلاح الفصيح” المستوحى من قصة “شكوى الفلاح الفصيح” التي دونها قدماء المصريين.. أما الحديث عن أعماله الروائية الطويلة فهي تنحسر في اسم واحد، وأظنه يكفي، وهو فيلم “المومياء”..

فيلم المومياء رائعة عصره، أظنه أشبه بلوحات فنية متتالية، ومعالجة متماسكة بأقل قدر مسموح من الحوار، كل هذا مؤسس فوق أنقاض متماسكة لقصة حقيقية لأزمة الهوية والتراث، حيث نتعرف على إحدى قبائل الصعيد المشهورة بتجارة الآثار والتفريط في التراث، ففي أواخر القرن التاسع عشر يموت شيخ القبيلة ويكتشف ابنه الشاب “ونيس” سر القبيلة التي كانت ترتزق من بيع محتويات موقع أثري يضم مومياوات فرعونية، فنرافق ونيس في رحلته لقطع سلسال تجارة الآثار.. وما سيواجهه من مخاطر.

ولعل شادي عبد السلام هو واحد من القلائل الذين اشتهروا بأعمال لم يعطهم القدر فرصة لإكمالها، فمن أشهر الأعمال التي تتصدر قائمة الأفلام التي لم تكتمل هو فيلم “إخناتون: مأساة البيت الكبير”، من بطولة محمد صبحي وسوسن بدر آنذاك.. والذي يروي قصة الملك الفرعوني الذي تمرد على معتقدات أجداده وموروثاتهم الدينية، وخرج بفكرة التوحيد؛ فأنكر آلهة مصر القديمة، وأعلن عبادته لإله واحد “آتون”، ونقل العاصمة من طيبة إلى أخيتاتون، وابتعد عن الحكم والسياسة داخليًا وخارجيًا.

أتوقع عملًا كهذا كان سيكون في مستوى مقارب للمومياء، خاصةً بعدما قرأت رأي النقاد في سيناريو الفيلم النهائي، بعد عملية كتابة وتنقيح استمرت لسنوات طويلة، وقد أجمع النقاد ممن قرأوه على أنه لم يكن الأدق تاريخيًا، ولكن شادي عبد السلام وضع من رؤيته الفنية ما يخدم الدراما دون المصدر.

أشعر بخيبة حقيقية حين أعرف أن شادي عبد السلام كان قد اختار من يساعده في الأدوار التقنية والفنية، وكان قد اختار الممثلين والترشيحات الأولى والثانية ومواقع التصوير كذلك، لكن الحظ خذل الجميع؛ فلم يتوفر يجد التمويل المناسب للفيلم والذي بلغ آنذاك حوالي إثني مليون وخمسمائة ألف جنيهًا، وذلك رقم فلكي رقم في سعبينيات القرن الماضي، ويقال أنه حين ابتسم الحظ وظهر احتمالية لتمويل سخي للفيلم، كشر القدر عن أنيابه وتوفي الفنان المصري الفصيح.. فقد حُفِظ سيناريو إخناتون، وكأن القدر يساند عبدالسلام على طريقة المصريين القدماء، فقد صعدت روحه، ولكن تم تحنيط حلمه لتتوارثه الأجيال.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى