سينما

عن “ريد”، والخلاص من شاوشانك

بقلم: عبدالرحمن جاويش

عن "ريد"، والخلاص من شاوشانك
من جمال وعبقرية فيلم Shawshank redemption هي إنه “رمادي” بشكل مثالي؛ الفيلم فيه شر كتير، لكن مفيهوش شخصية شريرة بشكل صريح، معظم الشخصيات بتأدي عملها..

كذلك أي قصة سينمائية لازم تتأرجح بين (ما يظن البطل أنه يريده)، واللي على أساسه بيخوض رحلة معينة، وخلال الرحلة دي بيوصل للمفهوم الأهم وهو (ما يحتاجه البطل بالفعل).. وفي النهاية بتكتشف إن اللي البطل كان عايزه كان شيء سيء جدًا مقارنةً بالكنز اللي فاز بيه في الآخر..

ولكن مع رواية ستيفن كينج؛ فكل الأحلام مشروعة، مفيهاش حلم سيء أو طامع بشكل مبالغ فيه.. يعني الأبطال طول الفيلم فاكرين إنهم مجرد مساجين بيحلموا بالحرية، ولكن في الحقيقة إن هدفهم في النهاية هو الانتماء لمكان معين.. صحيح الحرية مطلوبة، لكن أحد الأبطال مقدرش يستحملها بدون انتماء، وانتحر بعد أيام من حريته.

ومن داخل أسوار السجن الحصين “شاوشانك” بتبدأ حكاية شخصية “إليس بويد” أو “ريد”، واللي جسدها “مورجان فريمان” بعبقرية شديدة.

شخصية “ريد ريدنج” مميزة وسط السجن، مش بس لأنه من أقدم المساجين، ولا لأنه راوي القصة، ولكن لأنه –حسب وصفه- الوحيد في شاوشانك الذي يعترف أنه مذنب.. وشعوره مش مجرد إنكار للخطأ أو إثبات ظلم القانون له، لكنه شعور ندم مطلق.

مع بداية الأحداث بنعرف سر تميز وأهمية “ريد” في السجن، فهو سجين مثالي، مالوش أصدقاء مقربين يغامر عشانهم، أعدائه مش كتير، محبوب من الكل، حتى حراس السجن..

كذلك “ريد” هو الوحيد اللي يقدر يهرب أي حاجة داخل السجن، طبعًا بدون التطرق لطريقة التهريب دي، لكنها بتعكس شخصيته واللي لجأت لموضوع التهريب عشان يبقى ليها حماية داخل السجن بدون ما يكون سجين عنيف ويضحي بفوايد حسن السير واللوك.

من مظاهر ذكاء “ريد” إنه بيتعامل بالسجائر كعملة، وبرغم إن غايته “الظاهرية” في السجن هي السجائر، إلا إن مالوش مشهد واحد بيدخن فيه.

بداية التطور في شخصية “ريد” بيحصل مع ظهور السجين الجديد “آندي”، ريد بيتعرف على آندي كزبون، وبيستغرب إن “آندي” مبيطلبش سجاير ولا خمور ولا أي منتجات تانية، هو بس بيطلب مطرقة نحت صغيرة، وبيطلب بوستر لـ”ريتا هيوارث” (ممثلة أمريكية مشهورة من فترة الأربعينيات) يعلقه في زنزانته.

في البداية “ريد” شاف “آندي” مجرد سجين (طري)، لكنه مبيعرفش إن آندي هيكون سر تطوره على أكثر من جهة؛ أولهم هي نظرته للصداقة، وثانيهم هو نظرته للحرية، وثالثهم وأهمهم إدراكه لمفهوم الانتماء.

تطور الشخصيات في أدب السجون بيعتمد أكتر على الشخصيات المحيطة، لأن طبيعي تكون الأحداث قليلة ومتوقعة، ما بين حبس انفرادي وتعرض لتنمر أو تحرش لفظي أو جسدي..

أما عن مظاهر تطور شخصيته هو تأمله لحال صديقه “آندي” اللي دخل السجن مظلوم بشكل قانوني، وهرب منه ظالم بشكل غير قانوني، ووقتها الحرية مبقتش مهمة بالنسبة له، بقدر وجود مكان ينتمي له عشان يحس بالحرية دي.

أما الشخصية التانية اللي بتكمل التطور والنضوج في شخصية “ريد” فهو السجين العجوز “بروكس”.. اللي كان مسجون لمدة 50 سنة، وخرج من السجن غريب عن العالم، والحرية دفعته نحو الانتحار.. واللي قال عنه جملة عبقرية بتوصف لك شخصيته بالظبط:

“دعني أخبرك أن هذه الجدران مضحكة، أولاً تكرهها، ثم تعتاد على ذلك. يمر الوقت حتى تحصل على اعتمادك عليه. إنه أمر مؤسسي”.

صراع “ريد” الأساسي مع السجن، برغم إنه أدرك كل قواعده، لكنه بيحلم بيوم الإفراج المشروط، وبيسعى له كل فترة.. وكأي صراع درامي بيتحل بعد وقت طويل، بعد ما بيفقد أهميته، وكلمة “حرية” بتفقد بريقها في عيون “ريد”.

في النهاية ريد بيخرج بشكل مشروع من السجن، صحيح الحرية فقدت معناها، لكن حماسه للقاء آندي كان أهم، كان متحمس يقابل آندي اللي هرب بمعجزة؛ عن طريق حفر نفق كامل باستخدام مطرقة قد كف الإيد، وتغطية مكان الحفر بالملصق).

بتنتهي رحلة ريد مع “آندي” اللي بيسرق مدير السجن وبيبدأوا حياة جديدة، وفصل أخير في حياتهم، فصل وصفه ريد بإنه شديد المثالية لأنها حياة على شاطئ المحيط الهادئ، وحسب وصفه: “المحيط مالوش ذكريات، وهو ده المكان اللي أحب أنهي حياتي فيه، مكان دافئ، بلا ماضي”.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى