سينما

عن فيتو كورليوني العراب بقلم: عبدالرحمن جاويش

مقال
تمر السنوات وتخرج الأفلام للجمهور، وتظل مُعضلة “شخصية الشرير” هي ما يؤرق كل صُنَّاع السينما، فبعد أن بدأت الصناعة على أكتاف الأشرار الكلاسيكيين ممن يفطرون الفول بالدماء، مرورًا بالشرير السايكوباتي الذي تؤلَف فيه المراجع النفسية لحصر أمراضه التي كانت – في بعض الأحيان- تُحشَر حشرًا.

ولكن شرير هذا المقال رجل سوي، لديه ضمير يظهر في معظم المشاهد، يحب عائلته إلى أقصى درجة، والشر بالنسبة له هو مجرد مهنة لها خطوطها الحمراء ولها تجاوزاتها المشروعة كاي مهنة في العالم.. وهو “دون فيتو كورليوني”، أو كما يقول عنه “ماريو بوزو” مؤلف الرواية التي تحمل نفس الاسم “العراب”.. الشخصية الوحيدة (على قدر معرفتي) التي نال عنها ممثلين اثنين جائزة الأوسكار: مارلون براندو وروبرت دي نييرو.

تبدأ قصة “العراب فيتو” من مشهد حفل الزفاف الأشهر في تاريخ هوليوود، فنشهد من اللحظة الأولى السمة المميزة لهذه الشخصية، وهي “التناقض”.. فهو يدير أمور المافيا الخاصة به أثناء فرح ابنته، نشاهد نموذج “الشرير المستنير” كما كان سيلقبه السياسيين إن شاهدو يدير أعماله.

و”العراب” في المافيا ليس مجرد لقب، بل هو مسئولية.. مسئولية تظهر على الشاشة في اللحظات الأولى، حيث يستمع دون فيتو كورليوني لشكوى أحد الطليان من أبناء عائلته الكبيرة، ويعده بحلها.

نعرف أن “فيتو” يمتاز بالذكاء الشديد حين يتعلق الأمر بقراءة نوايا الآخرين، وكذلك بالحرص التام على خلق الوقت لرعاية أفراد أسرته.

“كورليوني” يجمع ببراعة بين اللين والعنف، يعرف متى يكون رحيمًا ومتى يمسك السلاح، دستوره غريب يجمع فيه كل ما هو شريف مع كل ما هو دون ذلك.. وما يحرك حياة الشخصية هي محاولاته الدائمة للجمع بين كل هذه الصفات في شخصية واحدة.. أن يكون مسئولًا عن عائلته الكبيرة (المافيا) دون أن يخسر سلعته الوحيدة؛ وهي الهيبة.

لن تقابل كل يوم زعيم مافيا يتحدث بصدق وبطيبة قلب حقيقية، وفي نفس الوقت يتلو عليك بعض الكلمات تجعلك تقتنع وتشتري وجهة نظره بأغلى ثمن معك.. دائمًا ما يجد لضميره المبررات، ويجد لنفسه العذر، مستخدمًا براءة أسرته في تبرير حمايتهم، هو أب في كل شيء.

أما عن مراحل تطور شخصية “فيتو كورليوني” فيجب العودة خطوة للخلف زمنيًا وللأمام سينمائيًا، في الجزء الثاني من السلسلة الأهم في تاريخ السينما، حيث نعرف أن طفولة “فيتو كورليوني” كانت معالجة أخرى لقصة “موسى وفرعون”.. فهو الذي وجد نفسه جزءًا من صراع لم يعِ عليه، حيث زعيم المافيا “دون تشيشيو” الذي قتل جميع أفراد أسرته، ويريد قتل “فيتو” حتى لا ينتقم منه حين يكبر.. فتواجه شخصية “فيتو” الكثير من الصراعات في رحلة الهروب من صقلية إلى بلد أمريكا.

يتطور فيتو سريعًا وباكرًا حتى يصبح رجلًا في جسد طفل، يدرك مدى قبح العالم، رجل لا وقت لديه للمشاكل النفسية، فالحياة أسرع من نوبات حزنه.. يتعايش مع وضعه الجديد في أمريكا، وتقوده الصدفة لنفس قدره السابق، أن يصبح رجل عصابات، فيتدرج في الأعمال ويتخذ بعض القرارات الحاسمة حتى يصبح زعيمًا لواحدة من أكبر عائلات المافيا الخمسة في أمريكا.

أما الصراع الأساسي والمحرك الرئيسي لكافة تصرفات “فيتو” فيمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي “الأسرة”.. فمرض الابن هو ما جعله في البداية يعمل مع المافيا، وثأر الأب هو ما جعله يعود إلى صقلية للانتقام، وكثرة الأبناء والأحفاد هي ما جعلته يستمر في نشاطه.. كل شيء يفعله يكون من منطلق كونه “الأب الروحي” الذي يريد الأفضل لأبنائه.

أما عن التحول الأخير في شخصية فيتو فقد تم بعد محاولة اغتياله، ومكوثه في المستشفى.. حين زاره ابنه الأذكى “مايكل”.. وهمس له أن يرتاح، فهو سيعتني بكل شيء.. سيترك واجبه تجاه الوطن، وسيترك منصبه الاجتماعي.. ويلوث يديه بالدماء لأجل الأسرة.

حينها فقط يشعر الدون بالراحة، وتستكين ملامحه، ويدرك أنه سيترك المهمة لعراب جديد يدرك أهمية ما أفنى “فيتو” عمره لأجله.

فيتو كان من المحظوظين في اختيار مكان وفاته، فقد مات في بيت “العائلة” كما كان يحلم دائمًا.. مات بالأزمة القلبية، بعيدًا عن صوت الرصاصات، وضجيج حياة المافيا، لا صوت حوله إلا صوت حفيده وهو يلاعبه حتى لحظاته الأخيرة.. ليعيش عرابًا، ويموت كذلك.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى