سينما

عن فيلم حبيب.. مضاف بلا مضاف إليه

عن فيلم حبيب.. مضاف بلا مضاف إليه(تحذير بالحرق)

أعترف أنني لست من جمهور الأفلام القصيرة، ليست من مشاهداتي المفضلة، ربما لسوء اختياراتي من البداية، واطلاعي على أعمال باهتة شكلًا ومضمونًا، وكذلك حجب معظم هذه الأفلام عن العرض على المنصات والقنوات تلبيةً لشروط المهرجانات، فلا يرى المشاهد فيلمًا إلا بعد سنوات طويلة من صناعته.. فيزول السحر.

وقد بدأت أراجع اختياراتي مؤخرًا مع فيلم “حار جاف صيفًا” للمخرج شريف بنداري (سأقوم بكتابة مقال عنه قريبًا)، والذي فتح عيني على أفلام ذات جودة عالية حتى لو لم تكن ميزانية الفيلم باهظة.. وكجزء من مراجعة اختياراتي كانت تجربتي مع فيلم “حبيب”.

نال الفيلم حظًا من الدعايا والتسويق لم ينله معظم الأعمال المماثلة، وهذا يرجع لاجتهاد من صناعه في الوصول لأكثر من مهرجان سينمائي معروف، وفي التعاقد مع وجوه معروفة مثل سيد رجب وسلوى محمد علي، ومينا نادر، وكذلك علي صبحي الذي برع في فيلم “علي معزة وإبراهيم”.. وغيرهم من الوجوه الشابة التي أدت المهمة بنجاح..

يروي الفيلم فكرة “عم حبيب الحلاق” الذي يقوم بالحلاقة لزبائنه في صالون داخل بيته، والذي نتعرف على شخصيته من خلال حواراته مع أربع شخصيات في نفس الوقت؛ الشخصية الأولى هي زوجته التي يشاكسها ويصالحها خلال دقائق معدودة، تبدو العلاقة بينهما طازجة وشابة، قد يثير هذا الدهشة ولكن مع أحداث الفيلم ستدرك أن غياب الفتور عن العلاقة له سبب مهم، والشخصية الثانية هي أحد جيران عم حبيب والذي يقوم بقص شعره، فيخبره عم حبيب قصة وهمية عن الشبه بين فريد شوقي ووالده، قد تبدو كذلك مزحة عابرة لكن يتضح مع الوقت أن خيال عم حبيب هو محور الفيلم الرئيسي.

أما الشخصية الثالثة فهي زبون غريب تمامًا عن المنطقة، ونعرف من خلاله أن عم حبيب لا يلقي بالًا لمهنته ولا لكسب المال، وهي ملحوظة تبدو عابرة ولكن تكتسب أهمية مع الوقت، أما الشخصية الأخيرة والأهم في الأحداث فهي “يوسف”، وهو الذي يرعى عم حبيب ويقوم بمهام ابنه الذي سافر منذ فترة طويلة ولم يعد مجددًا.

وبعد التقديم السريع من خلال حوار ذكي تتضح فكرة الفيلم؛ فزوجة حبيب تريد صورة زفاف جديدة بدلًا من صورتهما القديمة التي يقترب عمرها من الأربعين سنة.. مستغلةً وجود فستان زفاف في خزانة الملابس، يتحمس حبيب للفكرة ويقرر الاحتيال على إحدى محلات البذل الرسمية؛ فيدعي أنه سيقيس بذلة ويعرضها على زوجته ويعيدها إليهم، فيوافق صاحب المحل على مضض.

حتى الآن نحن أمام قصة عذبة جميلة، تخلو من أي تعقيدات، فنحن أمام نموذج رجل طحنته الحياة لكنه يصر على سرقة الضحكة ولصقها على فمه بأي طريقة، “يحلق” للجميع بالمعنيين الحرفي وبالتشبيه العامي المصري الذي يدل على التجاهل، كما نجح الفيلم في عرض الابن المغترب كشخص مطحون يصبر والده على ما يمر به من حوادث، وهو عكس كليشيه الابن العاق الذي سافر وترك والده.

ولكن مع بداية تنفيذ الخطة والتقاط صور زفاف جديدة لحبيب وزوجته، ويتخذ حبيب مع زوجته وضعيات رومانسية.. فيقول المصور ملحوظة هامة: “هو ماله مش على بعضه؟”.. ليهمس له يوسف: معلش أصل أعصابه تعبانة”.. وهنا يتضح أن الزوجة ليست موجودة إلا في خيال حبيب..

وهنا أيضًا تظهر أهمية الملحوظات التي كوناها في البداية، فيوسف ليس مجرد زائر للمنزل وينتظر دوره للحلاقة، هو لا يريد الحلاقة، بقدر ما هو راعٍ لعم حبيب، يحضر له الزبائن ويقضي معه الوقت، وتفهم سر نظرة الدهشة على وجه الزبائن كلما حادث عم حبيب زوجته.. بل ونفهم لهجة الابن الحزينة حين يشكو إليه حبيب من معاملة الزوجة له.

لنعرف أن عم حبيب لا يسرق الضحكة من الحياة فحسب، عم حبيب يسرق الاستمرارية، يخلق كذبة في خياله تساعده على مواصلة حياته والتفاعل مع الناس وكسب قوت يومه، بدلًا من الحزن على فراق زوجته، فإنه يخلق لها طيفًا في خياله يعبر معه هذا القلق، والآن تضح رمزية الأغاني في الخلفية “أنا هويت وانتهيت”.. وأغنية النهاية “إمتى الزمان يسمح يا جميل”، والتي لا أجد أدق منها لوصف حالة حبيب وهو يرقص مع زوجته في خياله أثناء تنظيف صالونه من شعر الزبائن “، خاصةً مقطع “يا هل ترى يا زماني.. هسهر مع الحلو تاني؟”..

في النهاية رحلة حبيب اليومية تتكرر بشكلٍ أو بآخر، المشترك بين أيامه هو وجود يوسف وحرصه على ألا يعكر صفو خيالات عم حبيب، ووعود ابنه بالعودة وبأن كل شيء سيصبح أفضل، وبالتأكيد طيف زوجته الذي يهون عليه وحدته، حتى وإن كان كاذبًا، فإن كذبه كلون فستان الزفاف؛ ناصع البياض.

أقرأ أيضًا

عن محمد شبل.. محاولات لم تكتمل

 

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى