سينما

عن كوبي الليمون والشجرة، وثنائي لن يجتمعا أبدًا.. بقلم عبدالرحمن جاويش

عن كوبي الليمون والشجرة، وثنائي لن يجتمعا أبدًا.. بقلم عبدالرحمن جاويش

الآن أنت لست نفس ذاتك البائسة التي تراها في المرآة كل صباح.. أنت الآن في عطلة، تجلس في مقهى مطل على البحر، رائحة اليود تنفذ إلى روحك قبل أنفك.. أمامك تلك الجميلة التي تحلم بالكلام معها، تقول لك كلام الحب المتقن والذي حفظته من الأفلام، والذي طالما رددته على وسادتك القطنية التي تحتضنها قبل النوم..

يتشبث كل منكما بوعد الآخر له بأبدية هذا الحب، يأتيك النادل مبتسمًا بكوبي الليمون، الجو هادئ  و”الدنيا هس هس” كما يقول عبد الباسط حمودة.. لا شيء قد يعكر صفو الأمر.. لكنك لست سعيدًا برغم كل هذا.. لماذا؟ أليست هذه الرومانسية التي نراها في الأفلام؟ بالطبع هي. لكن واقعك ليس فيه مُخرج ويستحيل أن تراه من وجهة نظر المشاهد..

أتظن سعادة بطل الفيلم الرومانسية بوجود حبيبته؟ أحمق. هو فقط سعيد لأنه سيقبض الدفعة القادمة من عقده مع المنتج.

لا حكمة من إنكار تراجع الأعمال الرومانسية حاليًا، على الأقل في صورتها الكلاسيكية، لكنها تظل واحدة من التيمات الثابتة التي تُخصص لأجلها مواسم السينمات مثل الفلانتين وغيره.. ولعمل فيلم رومانسي فالأمر لا يحتاج للكثير من الجهد أو الخدع البصرية المكلفة.. يكفيك بناء حبكة درامية عمودها الفقري ثنائي، وكلمة السر فيها هي “الشعور بغياب الأمان” أو الـinsecurities.. واترك الحبكة تصنع نفسها.

تبدأ أي قصة حب سينمائية بإحدى طريقتين؛ إما هيام طرف بآخر ومحاولة لفت انتباهه، أو محبة ما بعد العداوة.. يلي هذه المرحلة بعض من الغزل على استحياء واضح، يتبعه بحث عن طريقة مناسبة للاعتراف بالحب، ثم تبدأ المصاعب والعقبات بالظهور تباعا.. إما برفض المحبوب، أو ظهور عائق خارجي كعدم رضا الأهل في مجتمعنا العربي، أو أن “العزول يعمل حكاية” كما يقول الحكيم “حكيم”.

وفي دراما الغرب قد يكون العائق مهني أو جغرافي أو سياسي.. المهم أن يغلف المستحيل هذه العلاقة.. وفي النهاية يمكنك حل المشكلة أو تركها، لكن في كل الأحوال أصبحت لديك قصة حب متكاملة الأطراف.

ويبقى السؤال الأهم.. لماذا نحب الرومانسية السنمائية.

  • المسكوت عنه

الأفلام الرومانسية يمكنها بحرية الحديث عن مخاوف الشخص العاطفية دون حرج، هي مثل صديق تفضفض له بمكنونات نفسك وتجد منه استيعابًا تامًا لما يجول بخاطرك، تخلق لك الأفكار والمواقف التي تساعدك على إبراز ما لديك من مشاعر.. مصطلحات مثل friendzone أو friends with benefits وغيرها من المصطلحات لم تظهر إلا بعد التعبير عنها في أعمال درامية بعينها.

  • التعاون قوة

من مميزات الأعمال الرومانسية أنها تستوعب معها أي نوع آخر من الحبكات، فهناك أفلام كوميدية/رومانسية، وهناك استعراضي/رومانسي، وكذلك تستوعب الأكشن والرعب إن أمكن.

  • ضحك ودموع

الأفلام الرومانسية تأخذك في “خلاط مشاعر” إن جاز التعبير، فيمكنك أن تضحك وتبكي وتنفعل وتخاف كل هذا في حبكة مدتها لا تزيد عن ساعتين.. ستحب حماقات بداية العلاقة وخاصةً ما يصدر عن صديق البطل، وستجد نفسك في تفاصيلها، وستبكي فيما قبل نهايتها..

  • أحلام محدودة

الأفلام التي تناقش العلاقات بشكل عام، والحب بشكل خاص لديها ميزة هامة ستدركها كلما اتسعت دائرة مشاهداتك.. فهذه الأفلام لا تحاول طرح وجهة نظر جديدة، ولا تسعى لتغيير العالم.. هي فقط تريد تغييرك أنت..
والهدف واضح من التترات: وهو “لمس” جزء معين في مشاعرك الشخصية دون أفكارك ومعتقداتك.

وككل شيء في هذا العالم، لا تتوقع أن يكون كل شيء ورديًا، فالرومانسية السينمائية فخ أرجو ألا تقع فيه، لا تترك الأفلام تعدك بنهاية رومانسية سعيدة، ترفع معاييرك تجاه الأشخاص من حولك، تجعلك بائسا في انتظار علاقة مثالية، لكن العلاقات المثالية التي تراها إن زادت مدتها عن ساعتين هما مدة عرض الفيلم بانت مساوئها.

توقعك الرومانسية في وهم المسرح الذي تحدث عنه علماء الأنثروبولوجي باستفاضة، وهو أن تظن نفسك هائمًا في علاقة، في حين أنك فقط تحاكي وتقلد ما تراه في شاشات العرض.. لا أريد إحباطك لكن قصص الحب الخالية من المنطق ستتركك وسط أوهام وإحباط من وعود البدايات..

اشرب الليمون مع حبيبتك كيفما شئت، قلد أبطال السينما.. ولكن تذكر أن الرابح الوحيد من رومانسيتك المصطنعة هو منتج الفيلم، وصاحب المقهى بالطبع.

إقرأ أيضاً

لماذا نهيم بأفلام المراهقين؟| بقلم عبدالرحمن جاويش

لماذا لم تعد أفلام الرعب مرعبة؟

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى