سينما

عن محمد شبل.. محاولات لم تكتمل

عن محمد شبل.. محاولات لم تكتمل
دعني أخبرك من البداية وحتى أحرق أمامك جميع مراكب الحيرة والتفكير، أنك في الغالب لا تعرف محمد شبل، وأظن كذلك أنك لم تشاهد أحد أفلامه الأربعة التي ألَّفها وأخرجها، وهم “غرام وانتقام بالساطور”، و”كابوس”، و”التعويذة”، و”أنياب”.. هذه أفلام لا تعرفها تقريبًا.. أظن أنني أخبرتك.

 

يستثنى من هذه القاعدة فيلم التعويذة الذي قد تكون شاهدته في أحد السهرات على قنوات الأفلام، أو لمحت لقطات منه أثناء جلوسك على مقهى بلدي، أو تابعت مشهد نهايته وظهور “المسخ” الذي كان يرعبنا صغارًا.. وأيضًا فيلم “أنياب” الذي قد تكون شاهدت بعض السخرية منه على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً من المشاهد التي يظهر فيها المطرب الشعبي “أحمد عدوية” بأنياب مصاص الدماء.. أما “كابوس” و”غرام وانتقام بالساطور” فأجزم أن أبطال العملين أنفسهم لم يشاهدوهما.

 

كل هذا قد يظهر لك رحلة “شبل” القصيرة كأنها مسيرة رديئة الجودة ودون المستوى، إلا أنها لم تخلُ من محاولات للتغيير، لم تكتمل لسبب غير أن القدر لم يرد لها أن تكتمل، فبعد رحلة دراسية مبشرة لمحمد شبل انتهت بماجستير في اللغتين الصينية والروسية، والعديد من دورات الدراسات السينمائية من الولايات المتحدة الامريكية، عاد شبل حالمًا بوضع أسس لأفلام الرعب المصرية، والتي ظهرت في حقبة “الأبيض والأسود” على استحياء شديد، وبأقل قدر من الجودة الإخراجية والتمثيلية والكتابية.

 

كان حلم شبل بسيطًا، يعتمد على سؤال واحد: “أفلام الرعب تحقق أعلى الإيرادات في كل مكانٍ بالعالم، لماذا تفشل عندنا؟”.

وحتى هذه اللحظة لم يستطع أي صانع سينما الإجابة عن هذا السؤال، ظهرت بعض الأجوبة الباهتة مثل “الإنس والجن” و”كامب” و”122″.. لكنها جميعًا وبلا استثناء لم ترد على هذا السؤال.

 

ومع بداية فترة الثمانينيات بدأ شبل يجرب، يجرب كل شيء ظن أنه يحبه، كالعمل في الإعلام مقدمًا للبرامج، وظهور طفيف في بعض الأفلام، والكتابة الصحفية، والتصوير السينمائي، والعمل بالمؤثرات، وتوثيق رحلة يوسف شاهين الفنية والعمل معه.. لكن أيًا من هذا لم يرضِ شغفه، ولم يجب عن سؤاله: لماذا لا تنجح أفلام الرعب في مصر؟!

 

(ملحوظة: للأسف بعض أفلام محمد شبل غير متوفرة على الإنترنت، لذلك حاولت أكثر تكثيف القراءة عنها وصنع خيالًا بصريًا لها لا أعلم مدى صحته.)

 

“فنان الغرابة” كما يلقبه من عاصره بدأ محاولاته مع “الرعب المصري” بفيلم أنياب سنة 1981.. والذي كان لعبًا جديدًا يحبو على وتر قصة “دراكيولا” مصاص الدماء الشهيرة.. وقد كان فيلمًا غريبًا بحق، لم أستوعب في بداية مشاهدتي له ذلك الخليط بين الرعب والغناء والاستعراضات، وذلك الخليط بين عدوية وعلي الحجار، وكنت أود أن أحضر الجلسة التي أقنع فيها شبل عدوية أنه سيجسد دور مصاص الدماء، وماذا كان رأي المخرج “عاطف الطيب” الذي كان وقتها مخرجًا مساعدًا لشبل!

أما عن الفيلم نفسه، فيروي الفيلم تيمة من تيمات الرعب الشهيرة، وهي تعطل سيارة البطل وزوجته على الطريق، والبحث عن مساعدة في منزل يبدو مطمئنًا للوهلة الأولى، ليتضح أنه بيت دراكيولا نفسه.

 

أما عن ثاني تجارب شبل وأنجحها –نسبيًا- فكانت مع فيلم التعويذة من إنتاج سنة 1987.. وأظن أن شهرته قد عادت لطاقم التمثيل الذي كان في أوج نجاحه وقتها؛ فمع محمود ياسين ويسرا وعبلة كامل، وعنوان فيلم مقتضب، والاعتماد على تيمة رعب يألفها المصريون تخص التعاويذ والجن، وليست غربية تمامًا مثل تيمة مصاص الدماء.. حينها فقط يمكنك أن تلفت نظر الجمهور ولو بقدرٍ قليل.

 

يتناول الفيلم قصة عائلة مصرية تقطن بيتًا مرغوبًا من أحد الدجالين، والذي يريد شرائه بأي ثمن ولا يقبل الرفض إجابةً على سؤاله، ومن هنا يبدأ هذا الدجال في تسخير الجان لجعل العائلة تترك البيت له.. ومن هنا تبدأ سلسلة من الأحداث المفزعة التي تعتمد على مشاهد بصرية بعضها مخيف بشكل حقيقي.. مثل مشهد احتراق الأثاث من تلقاء ذاته، وتحول مياه الاستحمام لدماء، وذبح الحيوانات واستغلالها في “التعويذة”.

 

أما العملين اللاحقين فلم يشهدا نجاح التعويذة، ولا بشائر التجربة في أنياب، فالأول هو “كابوس” والذي يتناول قصة إحدى الصحافيات والتي ينتابها كابوس يومي تُستَكمَل أحداثه في اليوم التالي، فتشاهد نفسها مخطوفة في قصرٍ مهجور.. وكلما استيقظت وجدت آثار مقاومتها للخطف والتقييد واضحة في جسدها، فتحاول التحري عن القصر في الحقيقة وعلى أرض الواقع.. وتواجه مخاوف الكابوس بنفسها.

 

والعمل الأخير لشبل كان “غرام وانتقام بالساطور” وهو الوحيد الذي ينتمي لتيمة “الرعب الكوميدي” في تاريخ السينما المصرية (إذا اعتبرت فيلم “الدساس” الذي صدر حديثًا ينتمي لنفس الفئة).. ويتناول قصة فتاة تتعلق بشاب لا يبادلها الشعور، لكنه يتزوجها طمعًا في ميراثها، لتبدأ رحلته في التخطيط لقتلها والعودة للفتاة التي يحبها.

 

في النهاية يمكنك أن تلخص مسيرة شبل في كونها “محاولة” صحيح أنها لم تترك بصمات واضحة، ولا أفلام يذكرها المشاهد، إلا أن بصمات المحاولة موجودة، تنتظر من يكملها، وتتجدد كل بضعة سنوات بنفس سؤال شبل: لماذا أخفق المصريون في تقديم الرعب على الشاشة؟

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى