سينما

عن وقفة رجالة.. اسم على مسمى

عن وقفة رجالة.. اسم على مسمى

جمعتني صدفة مؤخرًا بأحد صناع السينما “المهمين”، والذي كان يحدث الجالسين بين الحين والآخر عن أنه “لن ينتج سينما أو مسرح” ولو على جثته.. فهو يرى أن أزمة كورونا حتى وإن انتهت هذا العالم بظهور اللقاح؛ فتأثيرها المعنوي والنفسي على جمهور دور العرض والمسارح سيدوم لما يزيد عن خمس سنوات على الأقل، فوعي الناس تغير كثيرًا خلال هذه الفترة “الغريبة” من تاريخ البشرية.. وقد زاد تمسكهم بالأرائك وتفضيل الـhome theatres على الـtheatres الحقيقية.. ففي البيت أنت صاحب كل شيء، أنت من تختار الفيلم وتوقيت العرض، والوقفات، وأوقات الاستراحة، بل ومأكولات الاستراحة، يمكنك أن تقضي ليلة كاملة تشاهد فيها ثلاث أفلام بثمن عبوة فيشار واحدة في السينما.. ولكن أليست هذه المشكلة؟

أليس الأفضل أن تذهب “خصيصًا” لدار عرض، تلتزم بموعدك مع صناع الفيلم، كنوع من التقدير والاحترام، تجلس وسط الناس، تراقب ردود أفعالهم، حتى وإن كرهنا جميعًا أصوات الأطفال في دار العرض والزوجين اللذين يتحدثان عن الفيلم ويحرقان أحداثه في بعض الأوقات وسط عبارات رومانسية، ولكن ألم نشتاق لكل هذه المنغصات.. ألم نفتقد عدوى الضحك في الأفلام الكوميدية؟ أظن أن هذا التحدي كان الأكبر في طريق أي فيلم كوميدي، لم يكن تحدي موعد العرض، ولا تحدي صعوبة الانتاج ولا التوزيع في زمن الكوفيد، بل التحدي هو كيف تصنع فيلمًا هزليًا؛ يضحك عليه عدد محدود من الخائفين من ذوي الكمامات وزجاجات الكحول، كيف تضحك من يتلفت حوله خائفًا من موجة كورونا ثانية تصيبه؟ والإجابة هي: وقفة رجالة.

تدور أحداث الفيلم حول “عادل-سيد رجب” الرجل الستيني الذي فقد زوجته بمرض مميت، ودخوله في أزمة نفسية تستدعي “وقفة رجالة” من أصدقائه على رأسهم “شهدي- ماجد الكدواني” الذي ينظم لهم عطلة استجمامية في منتجع مملوك له، في محاولة للترفيه عنه، ومع الوقت نتعرف على مشاكل كل من الأصدقاء الأربعة.. ونتعرف على مشكلة تواجه المنتجع نفسه وكيف سيتغلب عليها “شهدي”..

بدايةً من القصة، فالقصة ليست جديدة، وهي مستوحاة بشكل واضح من أعمال عالمية معروفة، لكن التجديد يكمن في بناء الشخصيات وصراعاتهم التي كانت مصرية بامتياز، فعزايزي الذي قام بدوره بيومي فؤاد يجسد مشكلة أغلب رجال مصر في الفتور مع زوجاتهم وغياب لغة الحوار، أما “حسين – شريف الدسوقي” فيجسد مشكلة الآباء الذين تحولوا في نظر ذويهم لماكينات صرف أموال، بينما شهدي فيجسد مشكلة الوحدة والخوف من الارتباط، و”عادل” عبَّر عن الحزن في مشهد افتتاحي جميل؛ زاد من تأثيره وجود سوسن بدر كفنانة وأيضًا كوجه مرتبط بثنائية سابقة مع سيد رجب في “أبو العروسة”؛ خاصةً أنها كانت تعاني من مرض خطير أيضًا في المسلسل.. فكانت هذه أغرب بداية لفيلم كوميدي، لكنها ضرورية لخلق الدافع، ولجعل “وقفة الرجالة” شديدة المنطقية.

على مستوى الحوار.. فقد نجح “وقفة رجالة” في تجنب الـpuns، أو كوميديا لتلاعب اللفظي، التي قد تصلح لبوست على فيسبوك أو جملة في سكتش هزلي، ولكن في فيلم كوميدي، فلا مجال سوى لكوميديا الموقف.. بدايةً من عزاء زوجة “عادل” الذي كان بمثابة اتفاق بين الكاتب “هيثم دبور” والمشاهدين أنه لن يخلق لحظات مؤثرة من جديد.. مرورًا بتحضيرات السفر، وانتهاءً بالسفر إلى “سوما باي”.. وكان الجزء الخاص بالمنتجع هو ما يثير حفيظتي قبل دخول الفيلم؛ فقد ظننت أن الأمر سيكون عبارة عن دعاية “سهلة” للمكان، ومجرد استعراض لما لديهم من مشاهد طبيعية بامتياز، على غرار أفلام أخرى شهيرة كانت تستخدم دائمًا للترويج لأماكن سياحية بعينها دون النظر لحبكة الفيلم.. لكن تم استخدام المناظر الطبيعية لزيادة ثراء صورة الفيلم، وأظن أن صناع العمل قد واجهوا مشاكل مع الجهة الراعية في شد وجذب لتجنب أخطاء السابقين.

الفيلم جيد جدًا على أكثر من مستوى، لكن بعضًا مما لم يعجبني كان “البهارات” مثل لقطات “تيك توك” التي بدت دعايا بوجهٍ مكشوف.. وكذلك أداء شريف الدسوقي في بعض اللقطات، والذي ظهر أدائه باهتًا مقارنةً بسيد رجب والكدواني وبيومي الذي جاء بـ”نص فورمته التمثيلية”.. لم يعجبني كذلك زيادة مساحة علاقة الشد والجذب بين “مصطفى” و”ماهي”؛ ناهيك عن كون تقديمها لم يكن موفقًا واستغرقني الأمر أكثر من مشهد لفهم طبيعة العلاقة بينهم، وصحيح أن العلاقة جيدة وتخدم مفهوم الفيلم، لكنني دخلت الفيلم لمشاهدة “الجراندات” ومفارقات يعيشها كبار السن في سوما باي.

في النهاية الفيلم فاق توقعاتي التي كانت منخفضة جدًا، هو ليس أعظم أعمال الكوميديا، وليس أكثر سيناريو محكم، وأظن انه لم يكن مطلوبًا منه أكثر من ذلك، أن يستغل الموارد المتاحة في ظل تراجع السينما وضعف الإيرادات.. السينما لن تنتعش خلال يوم وليلة، ولكن في موسم كهذا كنا في حاجة لفيلم يسد فراغ دور العرض، وكان بمثابة “وقفة رجالة” حقيقية مع الصناعة.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى