عن يوسف معاطي.. البودي جارد
عن يوسف معاطي.. البودي جارد
مع صعود تيارت النقد الحادة بعد عرض مسرحية “بودي جارد” المنتظرة لسنوات وصلت الاثنين وعشرين عامًا، انتشرت موجة نقد حادة طالت الزعيم ومن تبعه في هذا العمل الذي كان -للأمانة- أقل بكثير مما اعتدناه على خشبة مسرح تحمل من فوقها عادل إمام.. وقد حصل الكاتب والسيناريست يوسف معاطي، هذه ليست الموجة الأولى ولا الثانية التي تنال فنه.. فقد انتشرت المقالات النقدية بعد عرض فيلم “بوبوس” والتي اتهمت معاطي بإفساد ما بناه عادل إمام في سنوات، تلتها موجة ثانية بعد مسلسلات الزعيم الأخيرة بدايةً من “فرقة ناجي عطا الله” ونهايةً بـ”عفاريت عدلي علام”. وكأن عادل إمام وجه جديد، ولا يعطي إضافاته ورأيه في كل عمل!
من بين ما قاله النقاد أن الزعيم قد خسر كثيرًا حين ضحى بشراكته مع وحيد حامد، لكن أحدًا لم يذكر أن وحيد حامد لم يجارِ موجة المضحكين الجدد، وأن أعماله في الفترة من 2000 وحتى مماته لم تكن تلائم عادل إمام، إما لضعف فني نادرًا ما يحدث، أو لصغر سن البطل، أو للبطولات الجماعية في أعمال غير كوميدية مثل “الجماعة” و”بدون ذكر أسماء”، وحتى النوعية الأخيرة لم يتردد عادل إمام حين وجد فيها دورًا يناسبه، كدور زكي الدسوقي الشهير في رائعة عمارة يعقوبيان.
أدعي أن معاطي من أكثر الكتاب المظلومين نقديًا؛ فلم ينسب له أحد الفضل في إعادة الزعيم للقمة مرة أخرى بعد ترنح نهاية التسعينيات وظهور جيل جديد من الكوميديانات، وأنه حتى ليس “فتى الزعيم المدلل” كما يقول البعض وله أعمال جيدة مع ممثلين آخرين نختلف أو نتفق على جودتها.
نتناسى فرضيات يوسف معاطي الاجتماعية القوية؛ وطرحه الجريء في فيلم “يا تحب يا تقب” والذي ناقش قضية ذات حيثية في وقتها؛ وهي تخلي الشباب عن أبسط حقوقهم، وهي الحب؛ سعيًا وراء مال العجائز، كما يتناسى آخرون أن معاطي جسد واحدة من أكثر العلاقات تأثيرًا في وجداننا في مسلسل “يتربى في عزو” بين “ماما نونا” و”حمادة” والتي تناولت بشكل رائع مشكلة هامة وهي التدليل الزائد للأبناء وما قد ينتج عنه من معضلات نفسية لا تنتهي..
يتناسون أيضًا واحدة من أجمل علاقات الأب بابنته في “عريس من جهة امنية”، وهي علاقة القلق المفرط والقلق مما قد يحدث خارج جدران البيت، عولجت نفس القضية بواسطة نفس الكاتب في “التجربة الدينماركية” وقد ظهر التباين بين خوف الأب على بناته، والخوف على الأبناء، وكيف يتعامل الأب مع كل طارئ خارجي.
يؤثر معاطي في الأسرة دون أن يشعر المشاهد بذلك، وهذا سر من أسراره، فكل شيء مغلق بقشرة ذهبية من الكوميديا.
لا خلاف على كَوْن وحيد حامد من أفضل كُتاب السيناريوهات التي تحمل طابعًا سياسيًا لكن معاطي ناقش قضايا هامة بخفة ظل يُحسَد عليها، فمثلًا “مرجان أحمد مرجان” في رأيي من أفضل أعمال الزعيم، كما ناقش قضية هامة تتعلق بالرشوة، وفيلم “طباخ الرئيس” الذي ناقش الكثير من مشاكل مصر في حقبة معينة.. وكذلك لا ننسى “حسن ومرقص” الذي تجرأ فيه معاطي في بعض مشاهده، متناولًا الفتنة الطائفية في مصر.
لم يتوقف طرح معاطي على مصر فحسب، بل غاص في فرضيات تتعلق بالسياسة الخارجية؛ وقد تجلى هذا في عملي “السفارة في العمارة”، و”معلش احنا بنتبهدل”.
أجزم أن معاطي كان الأفضل في مناقشة قضية التعليم، والتي لم يتناولها سيناريست بنفس جودة فيلم “رمضان مبروك أبو العلمين حمودة”، والذي تناول مشاكل مراهقي جيل كامل بخفة ظل، ولم يترك المشكلة معلقة، بل حاول أن يجد لها حلًا، صحيح أن هذا ليس دور الكاتب لكن يوسف معاطي فعله بامتياز.
قضية أخرى تخص المراهقين لم يغفل عنها معاطي، ولم يناقشها في مصر سواه، وهي قضية المراهق المنعزل عن المجتمع، والذي لم يحتك سوى بأهله وما تيسر من ثقافة الكتب التي لا قيمة لها دون تعامل مع الآخرين، وقد فعلها يوسف معاطي بطريقة بدت سهلة وبمعالجة خفيفة في “الثلاثة يشتغلونها”.
حتى مسلسلاته التي يتهمها البعض بقلة الجودة أعتقد أنها ظُلِمت تحت معايير السوق الذي مالت كفته للدراما على حساب السينما، فعمل مثل “فرقة ناحي عطا الله” كان مقدرًا أن يكون فيلمًا سينمائيًا حسب تصريحات الزعيم وقت التحضير له، وأظن أن مسلسل “العراف” كان ينتظره مصيرًا مشابهًا، ومسلسلات أخرى كانت لتكون أفضل لو عرضت بتكثيف سينمائي وفي مدة أقل مع معالجة أكثر حيوية.
وعلى الرغم من كون يوسف معاطي -مناصفةً مع السيناريست أحمد عبدالله- أكثر الكُتَّاب حظًا في memes التواصل الاجتماعي وشريك في أغلب الtrends عليها.. حتى في أفلامه قليلة الجودة -في رأيي- مثل “أمير البحار” و”تيتة رهيبة” و”بوبوس” إلا أن مشكلته الرئيسية في رأيي أنه لم يواكب هذا العصر الذي يعتبر احد أبطاله، والذي سبقه بخطوة جيدة في مجال الكتابة الساخرة في برنامجه الإذاعي الشهير “ألو يا چو”.
في النهاية؛ فيوسف معاطي مسئول فنيًا عن “بودي جارد” الذي لم يكن أفضل أعماله، لكنها ليست أسوأ مسرحيات العالم، ومعاطي بالتأكيد ليس مسئولًا عن طموحات الناس المرتفعة وظروف عرض المسرحية في المسرح كمسرحية “أجازات عائلية” وما تلاها من أحداث جعلت التوقعات تجاهها في السماء.