قصص الرعب

عودة ميت

بقلم سما هاني

عودة ميت

عودة ميت ..

درجة حرارة جسدي كانت باردة للغاية اعتقد كانت أشد قسوة من الثلج، ربما من رهبة ما أنا على بُعد خطوات منه.. ولكن يتحتم عليّ الذهاب لا محالة بعدما رأيته ينام في فراشي ليلة أمس وينعم بالسكينة على الرغم من الشحوب الذي بات واضِح على ملامِحه، ربما هذه كانت بمثابة فرصة أخرى منحها الله لي لأستطيع وداعه وأتأمله أكثر مِن ذي قبل.. رغمًا عني تملك مني الخوف فكيف يمكن أن أراه وهو الذي لقى مصرعة هو ورفيقه في العمل منذ يومين!

– يا خليل أنت ليه مش عايز تصدق الموت! مش كل حاجة لازم تمشي على مزاجك، وجايبني معاك هنا ليه هو أنا ناقص!
– لو خايف امشي يا رامي، أنا قولتلك لازم أفهم إزاي شوفته!
– سيب أبوك في حاله، سيبه ربنا يتولاه متعذبش فيه أكتر!
– أنا هفتح المدفن يعني هفتح المدفن يا رامي!

أعلم أنه لجنون أن تخطو أقدامي المقابر في هذا الوقت من الليل.. أستطيع الشعور بهم، أسمع معاناتهم وصرخاتهم.. ربما أولئك مَن تضيق عليهم قبورهم من سوء أعمالهم.. أو أحد المنجمين الذين اعتادوا الفساد في الأرض وتناسوا ما هم على موعد للقائه.. ثم فجأة تعالت صرخة انتفض لها قلبي حين سمِعتها.. ولكن هذه المرة أنذرت أنه لصوت حي! خالي من البرودة التي تملأ أرجاء المقابر بأسرها!

تركت “رامي” وسِرت نحو الصوت، بِت أدنو أكثر وأكثر حتى انجلى أمامي رجلاً قوي البُنيان ذو بشرة حالكة السواد وملامح غليظة الشكل، يُمسك بفتاة لا أعتقد أنها أتممت السابعة عشر مِن عُمرها، كانت تتوسل إليه ليُطلق سراحها ولكنه أبى ذلك وبات ينهش جسدها ويتجاهل أنينها..

ذهبت وأنا أكاد أشتعِل غضبًا وأريد تقطيعه إربًا وحين اقتربت ورأني تبدلت ملامِحه وبات الذعر يسكنها وبدأ يردد أرجوك متأذينيش خلاص أنا مش هقربلها ومش هعمل كده تاني بس سيبني أعيش متاخدش روحي دلوقتي!

انتابني الذهول بعد كلماته تِلك، فأنا لم أصفعه على فعلته بعد! ياله مِن جبان! هرولت الفتاة مُسرعة لإنقاذ نفسها أثناء حديث ذلك المُختل.

عُدت لأبحث عَن رامي ولكنه قد اختفى! بالكاد تملك منه الخوف ولم يستطع البقاء في المقابر ليلًا وحده؛ ولكني لن أغادر قبل أن أفتح قبر والدي، لا أستطيع إنكار أنه كلما اقتربت خطواتي كان قلبي يدق فزعًا، شعرت بوجود شخص ما خلفي! بل وكانت أنفاسه تداعب أذناي..

قمت بفتح قفل المدفن ثم اقتربت من القبر وبدأت أنزع عنه غطاءه ثم دلفت لأسفل لأكتشف حقيقة ما رأيت.. أضئت المصباح وفتحت الكفن رويدًا رويدًا، تحسسته وكان فارغًا تمامًا! لا يوجد أثر ولا يمكن أن تكون قد تحللت خلال يومين.. غير معقول أبدًا!

سمعت صوت أشبه بزلزال أتى ليدمر الأرض! ثم شخص ما أغلق القبر وأنا بداخله! اللعنة على “التربي” ربما ظنني لصًا جاء لينبش القبر أو يسرق الجثث ليعطيها لطلبة الجامعات.. صرخت لعله يسمعني: افتح البااااب أنا خليل يا عم سيد، أنا صاحب المدفن افتح.

– كُنت صاحبه يا خليل!

تلك المرة لم يكُن سيد التربي بل أتى الصوت من خلفي مباشرة!
استدرت وأنا أتمنى أن تكون قد خانتني أذناي.. لم يكن صوت بشري عادي.. فعندما تسمعه ستشعر بانتفاضة جميع أجزاء جسدك؛ وحين رأيته تلعثمت حروفي، كان وجهه أشبه بالبركان.. بالتأكيد جاء من الجحيم.. نظراته تخترقني وتتلذذ برؤيتي مذعورًا.. اقترب أكثر مني حتى أني أصبحت أكاد أرى الحمم البركانية في وجهي مباشرة لتضخ حرارتها إلى جسدي دفعة واحدة.

– أنت مش قادر تصدق يا خليل إن خلاص روحك هتفضل محبوسة هنا معايا!
– أنت مين؟
– أنا اللي أنت بتحاول تهرب منه، عايش في الوهم وفاكر إنك لسة قادر على التغيير!
– عايز مني إيه؟!
– روحك اللي أنت بتعذبها! قدرك اللي بتهرب منه!
– يا عم سيد! افتحلي الباااب
– محدش هيسمعك غير رامي!
– رامي؟!

رأيت جثه تنفك من كفنها ليسقط الكفن ويكشف عَن وجه صديقي رامي! تصببت عرقًا لأراه يجلس أمامي شاحب البشرة وبارد الملامح خالي من الدم! ثم أردف:

– استسلم بقى يا خليل ده مصيرنا وكان كده كده هيحصل، أنت ميت يا خليل ميت!

– أنت اتجننت! أنا اتحبست هنا ومعرفش مين عمل فيا كده! أنا جيت عشان أبويا جالي ف بيتي مع إنه ميت من يومين!

– قصدك أنت اللي روحتله! أبوك عايش أنت اللي مُت من يومين أو بمعنى أصح أنا وأنت مُتنا مقتولين!

– أنت كداب وعايز تجنني!

أشار صاحب الملامح البركانية لرامي بالصمت.. ليرقد قتيلاً مجددًا في كفنه ثم نظر إليّ وقال:

– تقدر تقولي الراجل اللي حاولت تنقذ البنت منه اترعب منك ليه؟! عشان شاف حقيقتك وروحك اللي مش مرتاحة، شاف شبحك!

– ل..لا أنت كداب!

– انكر براحتك بس دي الحقيقة والسبب اللي أنا هنا عشانه ومش همشي قبل ما ترجع كفنك وتقتنع!

دفعني بقوة إلى ذلك القماش الأبيض اللعين.. وأمسك بيداي بقوة لكي لا أفلت وأنا أنهار عليه بالصراخ ليتركني ولكن لم يُعيرني أي اهتمام واستمر حتى قام بربط الكفن الذي بات شديد الضيق على ضلوعي الهشة لتبدأ في التفتت حتى تلاشيت رويدًا رويدًا ولم أرى صاحب الحمم منذ ذلك اليوم؛ تعفنت رائحتي وحينها فقط أدركت أنه الموت!

وعلى الرغم منه مازلت أشعر بأني على قيد الحياة، فأنا خرجت من تِلك الحفرة من قبل وسوف أفعل ذلك ثانية، أريد أن أعلم مَن قام بقتلنا أنا ورامي! ليت حينها ترتاح روحي..

وأعدك عزيزي القارئ أنت وكل من تسول له نفسه أن يطلع على حكايتي “خليل كامل” أنني سوف آتي إليك أيضًا، فأنت وحدك من رويت له حكايتي ويعلم سري.
لذا وجب دفن أسراري وكُل من يعلمها معي! توخى الحذر قبل قراءة تِلك السطور فربما أنا قادم إليك!

زر الذهاب إلى الأعلى