فيلم The Platform و النظام الفاسد
فيلم The Platform و النظام الفاسد ، تمثل السينما لنا منفذا للتعبير عن المعاني البشرية و الإنسانية، وهكذا كانت فنا خالص يرسم لوحات من أيدولوجيات و أفكار البشر، بل تحولت بالتدريج لساحة من النقاش و التصارع حول تلك الأفكار و الأيدولوجيات شأنها شأن الأنواع الأخرى من الفن، وهكذا يجب أن ننظر للسينما نظرة متجردة حتى نستطيع إستنباط كل ما تسرده لنا من أفكار.
في فبراير عام 2020 قدمت لنا شبكة نتفليكس الفيلم الإسباني The Platform والذي حاز على كثير من الإعجاب و الحديث، وبما أنني قد أنهيت توا مشاهدتي للفيلم، ظننت أن الوقت قد حان للحديث عنه.
في البداية يبدو واضحا للجميع بأن الفيلم يقدم لنا بيئة من الرعب الديستوبي الممتاز، حيث تتغلله الرمزية، وتغلفه صراعات الأفكار و الأيدولوجيات، وهنا تظهر لنا القصة في البداية و بكل بساطة ممكنة كتعبير عن الطمع البشري و السعي للنجاة بأي ثمن، ولكن سرعان ما نكتشف بأن هناك صراعا أخر يتم في الخفاء.
تبدأ القصة مع السجين آيفان جورينج، سجين جديد داخل سجن ضخم عمودي يسمى بالحفرة، داخل السجن كل الزنانزين فوق بعضها البعض، وفي الطابق صفر يجهز فريق ضخم من الطهاة وليمة تكفي جميع السجناء، وفي كل يوم يتم وضع الوليمة فوق منصة تنزل إلى زنزانة و طابق تدريجيا حتى يأكل السجناء طعامهم، ولكن كلما إنخفضت المنصة أكثر قل الطعام أكثر حتى لم يبقى شيء لمن في الطبقات الأدنى.
في كل زنزانة سجينين، ويمكنها أكل ما يريدان في غضون دقيقتين فقط، بالطبع لو أكلا ما يكفي لنجاتهما فقط، لبقي هناك طعام لمن في الطبقات الأدنى، ولكن لا أحد يأكل ما يحتاجه فقط، بل يسيطر عليهم الجشع و الجوع ليلتهموا كل ما يستطيعون خلال الدقيقتين وهكذا يمثل السجن تجربة نفسية في محاولة لتعليم الإنسانية قيمة التشارك و حتميته إذا أرادت البشرية النجاة.
وهنا تظهر الرمزية الأولى لنا واضحة كمشاهدين، حيث يمثل السجن نظاما بسيطا للرأس مالية، فمن في الطبقات الأعلى، الأوفر حظا و الأكثر تمكنا، لا يراعون من يسكن في الطبقات أسفل منهم ولا يشغل بالهم سوى إلتهام المزيد و المزيد.
وهكذا يظهر لنا بطل قصتنا جورينج، حيث على مدار القصة يحاول أن يقنع السجناء في الطبقات العليا و السفلى بالمشاركة، وتمثل نظرته وفكرته نظرة بسيطة للشيوعية، ولكن سرعان ما يتصادم مع الواقع، ويكتشف بأن ليس كل الناس يمكن إقناعهم بالمشاركة، وهكذا يجد نفسه لاجئا للعنف، فيرتكب مجزرة في حق السجناء كي يحافظ على بقاء قناعته.
ثم نأتي أمام مشهد النهاية، فحينما يقرر جورينج و رفيقه إرغام الناس على المشاركة، يجدون أنفسهم وقد قرروا الحفاظ على دليل على كون تجربة السجن قد نجحت، ولكن وبمجرد أن يصلوا لأدنى طبقة يصدمهم المشهد حين يجدوا أمامهم طفلة، رغم معرفة جورينج السابقة بأن مسئولي نظام السجن قد قالوا بأن لا أطفال أقل من 16 عاما يمكن أن يكونوا هنا.
ولكن وجود ذلك الطفل يؤكد بأن صناع ذلك النظام أنفسهم ليسوا كما نظن، فهم أنفسهم فاسدون لا يلتزمون بالقواعد، وهكذا تتبين لنا أن كل الأيدولوجيات الإنسانية تتعرض للعامل البشري وهو الفساد.
وهكذا كانت رسالة جورينج للنظام حينما أرسل الطفل لمن بالأعلى
” نظامكم فاسد..لا تحكموا على البشر”
يمكن إعتبار الفيلم بالكامل عملا رمزيا خالصا، حيث يقدم لنا شخصيات مثيرة للإهتمام تمثل أنواعا مختلفة من البشر، فحين يوجد جورينج، الإنسان الذي قد يحافظ على قناعته للنهاية، هناك أيضا شخصيات أخرى قد تشاركه قناعته ولكن تحطمها الرغبة من أجل النجاة، و شخصيات تحاول النجاة بأي ثمن.
وهكذا كان الفيلم سيمفونية خالصة من الرمزية والتي لا يجب الحكم عليها بغير ذلك، فنحن أمام عمل يصف أعمق ما في أفكار البشر.
اقرأ أيضاً
عن السيناريست أحمد عبدالله صفحة في قاموسك